الأقباط متحدون - حول إستراتيجية أمريكا، ثانية
  • ٠٥:١٠
  • الثلاثاء , ٢٥ ابريل ٢٠١٧
English version

حول إستراتيجية أمريكا، ثانية

د. عبد الخالق حسين

مساحة رأي

١٤: ٠٩ ص +02:00 EET

الثلاثاء ٢٥ ابريل ٢٠١٧

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

د.عبدالخالق حسين
نحن نعيش في عصر التحولات السريعة في جميع المجالات، السياسية والاجتماعية والعلمية وغيرها، ويتم كل ذلك على حساب القيم الاجتماعية، والتقاليد، والأعراف والهويات والثقافات الموروثة. وفي هذه الحالة تشتعل الصراعات الحادة، ويحصل التطرف، وينشق المجتمع إلى شقين متصارعين متطرفين إلى حد الصدام الدموي. وهذا ما أسماه العلامة علي الوردي بـ(التناشز الاجتماعي) أو التنافر. و لا نجد هذا الصراع في العراق أو الدول العربية والإسلامية فحسب، أو بين الشرق والغرب كما ذكر ساميول هنتنغتون في كتابه (صدام الحضارات)، بل وحتى بين الدول الغربية المتقدمة نفسها بما فيها أمريكا، الدولة العظمى، وحتى داخل كل دولة ومجتمع. وهذه التحولات السريعة هي نتاج العولمة على حساب الهويات الوطنية والقومية والدينية. وما انتصار ترامب في الانتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة، وفوز أنصار خروج بريطانيا من الوحدة الأوربية (Brexit)، وتصاعد اليمين المتطرف في أوربا، إلا دليل على تفشي هذه الظاهرة.

في هذه المداخلة أود توضيح دور أمريكا فيما يجري في العالم من إرهاب وصراعات وحروب، وهل لها علاقة بإستراتيجيتها الثابتة، أم كل ما يجري، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، هو مجرد نتاج الإسلام، والنصوص الدينية المقدسة الداعية للتطرف في محاربة غير المسلم أو المختلف، والصراعات الطائفية بين السنة والشيعة كما يبدو لنا في الظاهر؟

فقد كتبت قبل عشرة أعوام مقالاً بعنوان: (حول إستراتيجية أمريكا في الشرق الأوسط)(1)، ذكرت فيه عن الثوابت الأمريكية وحلفائها، بدأته بما يلي: "هناك شبه إجماع لدى الباحثين في شأن الإستراتيجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط ، لأمريكا أربعة ثوابت لا يمكن أن تتخلى عنها، ومستعدة من أجلها خوض حرب ضروس إذا ما تعرض أي منها إلى الخطر. وهذه الثوابت بطبيعة الحال تمس المصالح الأمريكية الأساسية بشكل مباشر أو غير مباشر، وهي كالتالي:

1- ضمان أمن وسلامة إسرائيل،

2- ضمان تدفق النفط للغرب،

3- ضمان أمن وسلامة الدول العربية الحليفة لأمريكا في المنطقة، وخاصة المصدرة للنفط منها (أي الخليجية).

4- عدم السماح لأية دولة غير حليفة لأمريكا بامتلاك السلاح النووي وغيره من سلاح الدمار الشامل الذي من شأنه أن يهدد الثوابت الثلاثة الأولى.

هذه الاستراتيجية مازالت قائمة وفاعلة وغير قابلة للتغيير في المستقبل المنظور. وما جعلني أن أعود إلى هذا الموضوع، هو ظهور إستراتيجية أمريكية أخرى للعيان لم نكن ندركها من قبل، بل ورغم بروزها الآن، مازال كثيرون يرفضون التصديق بها، حتى بعد افتضاحها على لسان الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، وإذا ما أشرنا إليها وأكدناها بالدليل القاطع، رفعوا في وجوهنا سلاح "نظرية المؤامرة".

هذه الاستراتيجية الأمريكية في الحقيقة ليست جديدة، بل قديمة منذ انتصار الحلفاء بقيادة أمريكا على دول المحور في الحرب العالمية الثانية. و الاستراتيجية هي: عدم السماح لأية دولة أن تصبح عظمى تنافس أمريكا في النفوذ والهيمنة على العالم. والجديد في الأمر أن ترامب كشف عن هذه الحقيقة متباهياً بأن بلاده في عهده ستستعيد عظمتها، وراح يلمِّح بأنه لن يسمح بظهور أية جهة منافسة لها حتى ولو كانت حليفة مثل الوحدة الأوربية، لذلك بدأ حملته ضد الوحدة الأوربية وجميع الاتحادات الاقتصادية الأخرى والعمل على تفتيتها.

إلا إننا في العراق نواجه مجموعتين متطرفتين في الموقف من أمريكا. مجموعة ترى في أمريكا الشر المطلق، وعلى الحكومة العراقية مواجهتها بالرفض حتى ولو تطلب الأمر فناء الشعب العراقي بأجمعه. وشعارهم: (الموت واقفاً على قدميك أفضل من العيش جاثياً على ركبتيك!!)، يعني (شيِّم البدوي وخذ عباته) وأدفعه إلى الهاوية، وكأن ليس أمام العراقيين سوى هذا التطرف، إما الانبطاح أو الانتحار الجماعي. في الحقيقة أن هؤلاء، خاصة الذين هم من خلفية بعثية، ليس قصدهم محاربة أمريكا، بل إفشال العملية السياسية، ودعم الإرهاب الداعشي بحجة الكرامة والسيادة الوطنية، والموت واقفاً!! لأن لهم لوبيات نشيطة في واشنطن يلعقون أقدام الأمريكيين من أجل مساعدتهم على إلغاء الديمقراطية وإعادة الحكم لهم.

ومتطرفون آخرون يرون في أمريكا مؤسسة خيرية إنسانية نبيلة تسعى لمصلحة العالم دون أي مقابل!! وأي انتقاد معقول نوجهه لأمريكا يتهموننا بنكران الجميل. وإذا ما خالفنا هذين الطرفين المتطرفين، اتهمنا الطرف الأول بالإنبطاح لأمريكا على حساب الكرامة والسيادة الوطنية، أما الطرف الثاني فيتهمنا بأننا وقعنا في فخ نظرية المؤامرة، ونكران الجميل لما لأمريكا من فضل على العراق بتحريره من أبشع نظام همجي عرفه التاريخ. نحن لسنا مع هؤلاء ولا أولئك، ولسنا من ناكري الجميل ولا من دعاة محاربة أمريكا، بل نتبع فن الممكن، وما يخدم شعبنا بدون أي تطرف، لنكسب أمريكا إلى جانبنا لما تتمتع به من إمكانيات عسكرية وعلمية واقتصادية يمكن الاستفادة منها.

فلو تأملنا كل ما يجري في منطقة الشرق الأوسط من صراعات دموية بواجهة الصراع الطائفي والتهميش، تنفذها التنظيمات الوهابية البعثية الإرهابية، لوجدنا أن لها علاقة بالإستراتيجية الأمريكية وأمن إسرائيل. ونشير هنا إلى مقالنا الموسوم (هل داعش صناعة أمريكية؟)(2)، وكذلك كتاب الباحث الإماراتي الأكاديمي الدكتور جمال سند السويدي، الموسوم (آفاق العصر الأمريكي-السيادة والنفوذ في النظام العالمي الجديد)، والذي كتبنا عنه مراجعة ندرج رابطها في الهامش(3).

هناك أدلة واضحة وكثيرة تؤكد الاستراتيجية الأمريكية في محاربة أية دولة تنافسها في المكانة والنفوذ وذلك كما يلي:
أولاً، كل هذا الصراع في سوريا وليبيا واليمن والعراق هو لمحاربة النفوذ الروسي - الإيراني وعدم السماح لروسيا بمنافسة أمريكا في النفوذ، ولأن هذه الدول ترفض المصالحة وتطبيع العلاقة مع إسرائيل.

ثانياً، علاقة السعودية والدول الخليجية الأخرى كانت حميمة جداً مع إيران في عهد الشاه، وبدون أي صراع طائفي في المنطقة، لأنها (إيران الشاه) كانت على علاقة حميمة مع إسرائيل وأمريكا، وقامت بدور شرطي الحراسة في حماية الدول الخليجية من أية حركة يسارية، رغم أن إيران كانت شيعية في عهد الشاه، ولدينا فيديو يبين الاستقبال الحافل مع رقصة أمراء العائلة المالكة السعودية للشاه عند زيارته للسعودية في الخمسينات من القرن الماضي.(فيديو رابط رقم 4)، مما يؤكد أن عداء هذه الدول لإيران وإثارة الطائفية ناتج عن عداء الأخيرة لأمريكا وإسرائيل.

ثالثاً، تم تفعيل وتفجير الألغام الطائفية (الصراع السني- الشيعي)، من قبل مشايخ الوهابية السعودية، وبدفع من أمريكا وحلفائها في الغرب والمنطقة، لتجييش الجماهير، وبث الفرقة والعداء بين أبناء الشعب الواحد، لأغراض سياسية وليس لأسباب فقهية، أو دينية كما يتصور بعض المتطرفين من الطرف الآخر.
رابعاً، تم خلق المنظمات الإرهابية وخاصة داعش وغيرها لاستخدامها هراوة لضرب أية حكومة تبدي علاقة ودية لروسيا والعداء لإسرائيل أو لأمريكا. وهذا هو سبب دعم السعودية وقطر وتركيا لداعش وجبهة النصرة تنفيذاً لأوامر أمريكا. (نفس المصدر-2).

خامساً، وهو البيت القصيد، أن العداء الأمريكي لم يتوقف على روسيا والصين فحسب، بل وتعداه حتى إلى الوحدة الأوربية. لأن أمريكا، سواءً في عهد المسالم أوباما، أو اليميني المتطرف ترامب، لا تسمح بتقدم دولة أو إتحاد دول مثل الوحدة الأوربية، لتصبح قوة اقتصادية وعسكرية عظمى تنافس أمريكا. وهذا هو سبب تجسس المخابرات الأمريكية على تلفونات الزعماء الأوربيين من أمثال أنجيلا ميركل، وفرانسوا أولاند وغيرهما في عهد أوباما. كذلك قام ترامب منذ حملته الانتخابية بتشجيع أنصار خروج بريطانيا من الوحدة الأوربية، واستقبل اليميني البريطاني المتطرف نايجل فراج زعيم حزب (UKIP) عدة مرات خلال حملته الانتخابية وبعد فوزه، وأثنى عليه بأنه أستعاد استقلال بلاده (بريطانيا) من الهيمنة الأوربية، وراح يشجع بقية دول أعضاء الوحدة بالخروج منها. كذلك أعلن أنه لن يتفاوض مع الوحدة الأوربية من خلال إدارتها المشتركة في بروكسل، بل مع كل دولة على حدا. والغرض من ذلك تفكيك الوحدة الأوربية وفرض شروطه عليها، لأنه رأى في هذه الوحدة تهديد لنظام القطب الواحد. وهذا الإمعان في سلوك الإدارة الأمريكية الجديدة، دفع ممثلة الشؤون الخارجية للوحدة الأوربية السيدة فدريكا موغيريني للقيام بزيارة إلى واشنطن والتوسل بإدارة ترامب بعدم دعم الحركات اليمينية المتطرفة في أوربا وتشجيعها على مغادرة الوحدة الأوربية، لأن في هذه السياسة نهاية الغرب. وأخيراً وافق ترامب في التفاوض مع الوحدة الأوربية في التبادل التجاري بدلاً من التفاوض مع كل دولة على انفراد، لأنه رأى الحالة الأخيرة  تستغرق وقتاً وجهداً بلا حدود.

ومن كل ما تقدم، نستنتج أن أمريكا هي ضد أية دولة أو إتحاد دول، حتى ولو كانت صديقة وحليفة لها يمكن أن تنافسها في النفوذ والهيمنة على العالم، وبالأخص منطقة الشرق الأوسط. ولإبراز عضلاته العسكرية، قام ترامب بقصف سوريا، وإلقاء "أم القنابل" على كهوف داعش في أفغانستان، والتهديد بضربة نووية ضد كوريا الشمالية، أي دفع العالم إلى حافة حرب نووية. ربما أغلب هذه الضربات هي بهلوانية من أجل إثارة مخاوف العالم من جبروت أمريكا، إلا إن الغريب حتى زعماء دول الوحدة الأوربية الذين تشاءموا من فوز ترامب، وقفوا أخيراً متحدين إلى جانب ترامب في عمليات إبراز عضلاته العسكرية ضد الدول المعتدى عليها وضد روسيا. (راجع مقال روبرت فسك،5).

هذه هي أمريكا، فماذا يستطيع رئيس الوزراء العراقي عمله وهو يواجه أبشع حرب إرهابية متوحشة، وشعبه متشرذم، وهناك كيانات سياسية مستعدة للتحالف مع الشيطان لتدمير الحكومة العراقية.

هذا هو موضعنا القادم: موقف العراق من أمريكا بين الممكن، والدمار الشامل
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/

ــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- د. عبدالخالق حسين: حول إستراتيجية أمريكا في الشرق الأوسط
http://www.aafaq.org/masahas.aspx?id_mas=859

2- د.عبدالخالق حسين: هل داعش صناعة أمريكية؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=711

3- عبدالخالق حسين: قراءة في كتاب: آفاق العصر الأمريكي -السيادة والنفوذ في النظام العالمي الجديد
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=695

 4- الملك سلمان وهو يرقص لشاه ايران ... استقبال آل سعود للشاه الرافضي الفارسي حينما كانا حلفاء بعض مع أمريكا وإسرائيل استقبالا مبجلا و سلمان يركص ركص يعجبكم
https://www.facebook.com/eisaasd/videos/802594806483915/

5- مقال روبرت فيسك
Robert Fisk: Let’s just briefly take a look at Trump’s reaction to Recep Tayyip Erdogan’s dodgy referendum, which has given him a Caliph’s power over Turkey.
http://www.independent.co.uk/voices/donald-trump-first-100-days-madder-he-gets-more-seriously-world-takes-him-robert-fisk-a7694511.html

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع