الأقباط متحدون - المسيح
  • ٢٢:٠٧
  • الجمعة , ٢١ ابريل ٢٠١٧
English version

المسيح

مقالات مختارة | ايهاب القسطاوى

١٤: ٠٦ م +02:00 EET

الجمعة ٢١ ابريل ٢٠١٧

  ايهاب القسطاوى
ايهاب القسطاوى

  ايهاب القسطاوى
«لست من المولعين بهذه الفترة من العام ، فالأعياد تحبطني ، وهذا الكم من التهانى والاحتفال يخيفني ، إذ أدني دائماً أفكر في الـ ما بعد ، أي في تلك اللحظة التي ستنتهي فيها هذه “الهدنات” الصغيرة القسرية التي ننتزعها عنوة من قسوة الحياة ، ويتعين علينا ، بعد انتهائها ، العودة إلى روتيننا المعتاد ، والخوض مجدداً في المعارك التي يزجنا فيها كل نهار، ننزع عنا ملابسنا الجميلة ، ونوضب موائد الاحتفال ، نزيل زعف النخيل المدرج بالدماء ، نطويه ونضعه في أكياس النايلون ، ثم نرفعه إلى العليات ، مستأنفين المشاغل والهموم نفسها التي سيورثها عامنا المنصرم إلى العام الجديد ، اتذكر اننى كنت طفلا غريب الاطوار ، كنت بمدرسة المرقسية الخاصة للرهبات ، وحين كانوا يذكروننا بأن العيد ليس ملابس جديدة وهدايا وحلويات ، بل هو ميلاد “يسوع” ، الذي سيصير السيد المسيح ، كنت أغافل الجميع ، كي أحشر رأسي في المغارة الصغيرة المصنوعة من ذاك الورق الخاص المصنوع تلك المناسبة ، ثم أزم عيني ، فلا أعود أرى إلا شخوصها ، الطفل الوليد عارياً في برد الشتاء ، أمه مريم ، ويوسف والده الذي ليس والده ، هاربين خائفين

عليه من “هيرودوس” ، الذي يريد ذبح كل أطفال بيت لحم ، الحيوانات المجتمعة من حوله ، وهي تدفئه بأنفاسها ، ثم ملوك المجوس القادمين إليه من أماكن بعيدة ، محملين بالهدايا الثمينة ، وحين كنت أمعن النظر في وجهه النقى الجميل ، وابتسامته الكرزية وأطرافه الصغيرة ، كنت أهدأ وأستكين ، إلى أن تأتيني صورتة ، وقد كبر ثلاثة وثلاثين عاماً ، فأراه منبوذاً ، مقهوراً، يجر صليبه وحيداً على طريق الجلجلة ، والجموع تهتف ضده ، وأصدقاؤه يتخلون عنه ويتنصلون ، والسوط يعمل في جلده أثلاماً من لحم ودماء ، والمسامير تدق في أطرافه ، والشوك يغرز في جبهته ، والحربة تطعنه في الصدر .. فخطر لي أن أسرقه من المغارة ، واخفيته في أحد جيوب معطفى السرية ، وبالفعل فعلت ذلك ، والجميع اصابة حالة من الهلع ، وطفوا يبحثون عنة فى كل مكان بالمدرسة ، حتى جئت لى معلمة الفصل الدراسى لتسالنى عن المسيح ، فاخرجتة من احدى جيوب معطفى السرية ، فقالت لى : “كيف تجرو على سرقة المسيح” ، اجابت ببراءة : ” لكى اخلصه من هذا العذاب ، مددت يدي الصغيرة المرتجفة ، وربطت عليه ، وبكيت” ، وكما قال فؤاد حداد “كنت طفل عيونه أوسع من هدوم العيد” ، وإلى اليوم ، وأنا في العمر الذي لي ، ما زال منظر الطفل في المغارة يثير في ذلك الشجن البعيد ، إذ يحضرني الألم ، والقسوة ، وذلك الشعور بالوحدة ، حين يتخلى عنك الجميع .. فهو القائل “إنما جعل السبت لأجل الإنسان، لا الإنسان لأجل السبت” ، وهو الذي لم يلعن المرأة الفاحشة ، بل قال لمن أرادوا رجمها ، “من كان منكم بلا خطيئة ، فليرجمها بحجر” ، وهو الذي تحدث بلغة البسطاء ، وكان دوماً مع الفقراء والضعفاء والمنبوذين والأطفال».

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع