الأقباط متحدون - تركيا.. خارج أوروبا
  • ٠٦:٣٢
  • الثلاثاء , ٢١ مارس ٢٠١٧
English version

تركيا.. خارج أوروبا

مقالات مختارة | بقلم : د. عماد جاد

٠١: ١٠ م +02:00 EET

الاثنين ٢٠ مارس ٢٠١٧

د. عماد جاد
د. عماد جاد

 تركيا دولة آسيوية، أكثر من ٩٥٪ من مساحتها فى آسيا، تمردت على واقعها الجغرافى، ضغطت كى تكون دولة أوروبية، مثلها مثل إسرائيل الآسيوية مائة بالمائة ولكونها منبوذة فى قارتها فقد احتضنتها أوروبا. استغلت تركيا أجواء ما بعد الحرب العالمية الثانية، وتحديداً بدء الحرب الباردة وحاجة الولايات المتحدة ودول غرب أوروبا إلى حاجز يقف فى وجه الاتحاد السوفييتى ويعوق تقدم قواته ويغلق المجال أمام الأسطول السوفييتى صوب المياه الدافئة. وكان الغرب فى حاجة ماسة لدولة قريبة من الحدود السوفييتية كى يتجسس على السوفييت ويراقبهم أولاً بأول. فى ذلك الوقت كان أتاتورك قد قطع صلة تركيا بالشرق، ألغى الخلافة، ألغى استخدام الحروف العربية فى الكتابة، وأعلن تركيا دولة علمانية تفصل ما بين الدين والسياسة. تطلّع لجعل تركيا دولة غربية، هنا حدث التلاقى، وكان السعى الغربى إلى ضم تركيا لحلف شمالى الأطلنطى كى تلعب دور الحاجز فى وجه السوفييت فى وقت كانت فيه الأوضاع فى عدد من دول غرب أوروبا تتسم بالهشاشة من ناحية وبقوة الأحزاب الشيوعية من ناحية ثانية، لا سيما فى دول مثل إيطاليا واليونان.

 
تم ضم تركيا ومعها اليونان إلى حلف شمالى الأطلنطى عام ١٩٥٧، ووُعدت تركيا من قبَل واشنطن بأن تكون جزءاً من العمل الأوروبى المشترك الذى بدأ فى نفس العام بتوقيع معاهدة روما التى أسست للاتحاد الأوروبى، ومنذ ذلك الوقت باتت تركيا جزءاً من الحركة الأوروبية وأخذت فى طرق أبواب الاتحاد الأوروبى الذى عرض عليها نوعاً من الشراكة المميزة بديلاً عن العضوية، وفى المقابل حرصت تركيا على إثبات أنها دولة أوروبية وأخذت فى استيفاء معايير العضوية.
 
لم يتغير الحال كثيراً بتقلد رجب طيب أردوغان مقاليد السلطة فى تركيا كرئيس للوزراء فى نظام برلمانى ثم رئيساً للجمهورية فى نظام جمهورى. وحققت تركيا قفزات كبرى فى المجالات الاقتصادية المختلفة لا سيما الصناعة والسياحة. كان أردوغان يتحدث عن علمانية تركيا التى تعنى أن لا دين للدولة، وأن الدولة تقف على مسافة واحدة من كافة الأديان. واستمر فى ذلك إلى أن وصلت جماعة الإخوان إلى سدة الحكم فى مصر وانتشرت فى المنطقة، وكان التحول الكبير مع سقوط حكم المرشد والجماعة فى مصر، فقد كشف أردوغان عن انتمائه للتنظيم الدولى للجماعة، استضاف فلول الجماعة الهاربة من مصر، جعل من بلاده منصة للهجوم على النظام المصرى وليد ثورة الثلاثين من يونيو، هاجم مصر فى كافة المحافل، وتصرف كالأطفال برفع علامة «رابعة» فى مناسبات تركية ودولية. ويبدو أن أردوغان قرر السيطرة على مقاليد السلطة فى بلاده واستعادة وضع «السلطان» عبر تعديلات دستورية تضخّم من صلاحياته وهى التعديلات المتوقع التصويت عليها شعبياً فى أبريل المقبل.
 
وفى سعيه للترويج لهذه التعديلات اصطدم بعدد من الدول الأوروبية أبرزها ألمانيا وهولندا والنمسا، فقد رفضت هذه الدول السماح لمسئولين أتراك بالترويج لتعديلات أردوغان بين الجاليات التركية المقيمة فى هذه الدول، وهو الأمر الذى أثار جنون أردوغان على النحو الذى دفعه إلى ارتكاب أخطاء قاتلة فى التعامل مع هذه الدول لا سيما ألمانيا، فقد وصف المستشارة ميركل بأنها تتبنى إجراءات «نازية»، وأعلن عن إعادة العمل بعقوبة الإعدام فى بلاده، كما هدد أوروبا بالغرق فى موجات اللاجئين، ودعا الأتراك فى أوروبا إلى إنجاب خمسة أطفال على الأقل. أى إنه أطاح بالمعايير الأوروبية التى سبق أن التزمت بها تركيا أملاً فى الحصول على عضوية الاتحاد.
 
فى نفس الوقت لم تعد روسيا الاتحادية تمثل ذلك القدر من الخطر على غرب أوروبا بعد التحولات التى جرت وجعلت معظم دول المعسكر الشرقى اليوم أعضاء فى حلف الناتو بما فى ذلك جيران روسيا مثل بولندا. ومن ثم لم تعد هناك حاجة إلى تركيا على النحو الذى كان قائماً بعد الحرب العالمية الثانية وفى مرحلة الحرب الباردة.
 
باختصار أدت العقلية «الإخوانية» لأردوغان إلى توتر علاقات تركيا وإلى إنهاء سياسة «صفر مشاكل» التى طرحها وزير خارجيتها السابق داود أوغلو، وباتت علاقات تركيا تتسم بالتوتر الشديد مع دول الجوار الأوروبى، وتجاوزت كل ذلك إلى إغلاق تام للطريق أمام عضوية تركيا فى الاتحاد، ذلك الحلم الذى راود الأتراك طويلاً إلى أن أنهاه أردوغان، وفى تقديرى أن الأمر لن يتوقف عند هذا الحد بل سوف يتجاوز ذلك إلى اضطرابات داخلية تجنى عبرها تركيا ثمن اتباع الرئيس أردوغان سياسات الجماعة التى تفتقد للعقلانية والرشادة.
نقلا عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع