الأقباط متحدون - القيادة هى التى تبدأ بأول الأشياء أولًا
  • ٠٣:٤٦
  • الاثنين , ٢٠ مارس ٢٠١٧
English version

القيادة هى التى تبدأ بأول الأشياء أولًا

مقالات مختارة | إبراهيم عيسى

٤٥: ٠٢ م +02:00 EET

الاثنين ٢٠ مارس ٢٠١٧

إبراهيم عيسى
إبراهيم عيسى

أولويات مصر هى بديهياتها.

مشكلة الدولة أنها تريد أن تبنى رخامًا تكتب عليه افتتاحات جديدة وتسعى إلى أن ترفع مسلات كعلامات على أنها فعلت ونفَّذت، لكنها فى غمرة الحماس تبنى على رمال متحركة مشروعات شاهقة، فالمؤكد أن احتياجات الشعب غير مشروعات النظام الحالى، بعضها مشروعات ممتازة لكن ليست أولوية عاجلة ولا حالية.

فليكن، لينجزوا ما أرادوا ما داموا تحمسوا، لكن المشكلة هنا أن الضرورى والحتمى لا يصبح فى مقدمة الاهتمام ولا رأس الأولويات وإما يتم تجاهله وإهماله وإما أنه يتخذ ترتيبًا متأخرًا وإما يتم استنزاف ميزانياته لصالح العجلة فى مشروعات المسلات والرخامات.

المؤلف الأمريكى الأشهر فى مجال التنمية البشرية ستيفن كوفى، يحدِّد شرط النجاح بأنه الالتزام بتنفيذ أول الأشياء أولًا. هو صاحب التعبير الذى يجب أن تضعه الدولة (كل أجهزة الدولة) حلقة فى ودنها (القيادة السهلة هى التى تبدأ بأول الأشياء أولًا).

انطلاقًا من جملة ستيفن كوفى، ماذا لو سألت الحكومة عن مشروعات الصرف الصحى مثلًا؟ سوف تقدم لك إجابات كثيرة، ومنها أنها تعمل على تلك المشروعات فعلًا، لكن هل بنفس الميزانيات المصروفة لغيرها؟ أبدًا، هل بذات العجلة التى نفذنا بها مشروعات الكهرباء مثلًا؟ لا، هل أهميتها أقل من العاصمة الإدارية؟ إطلاقًا، بل أهم ألف مرة، هل أهميتها أقل من مشروع الضبعة؟ بل العكس لا وجه للمقارنة.

الأخطر هنا هل يمكن لوضع الصرف الصحى أن يستمر ونحن نعالجه بالتنقيط والتدريج البطىء وننصرف لغيره متحمسين جدًّا ومتسرعين تمامًا؟! فهل يمكن لأمة عاقلة أن تتصور أنها ستنتهض وتقوم من عثرتها وتصبح قد الدنيا وهناك ستون مليونًا من مواطنيها لا يتمتعون بخدمات الصرف الصحى؟!

نعم، عدد الذين يتمتعون بخدمات الصرف الصحى فى مصر 31 مليون نسمة فقط، منهم 19.5 مليون مواطن فى القاهرة والإسكندرية وحدها، مع ملاحظة ما الحال الذى تصبح عليه الإسكندرية حين تداهمها النوات!

السؤال يذهب إلى ألم آخر مفجع، حين نسأل الحكومة المختالة بمشروعات تلهث لافتتاحها: هل تحركت قيد أنملة لوقف مهزلة ومأساة أن هناك خمسة آلاف حوض حكومى لتجميع مياه الصرف الصحى لقرى جنوب الصعيد تصب مباشرة فى النيل؟!

حكومة شريف إسماعيل تترك مثلًا 129 مصنعًا مقامة على نهر النيل مباشرة، منها 102 مصنع تصب سمومها القاتلة مباشرة فى نهر النيل!

(أعتمد هنا على دراسة للدكتور نادر نور الدين أستاذ الرى فى كلية الزراعة جامعة القاهرة، والذى يشير فيها إلى أن مصرف الرهاوى الذى يحمل مياه الصرف الصحى والزراعى والصناعى لجميع محافظات الصعيد «مصانع السكر والألمونيوم والأسمنت.. وغيرها» يصب مباشرة فى فرع رشيد بأمر الحكومة، ومن دون أية معالجة أو معاملة لتحسين مواصفاته السيئة والقاتلة للغاية! وأن مصرف كُتشنر القاتل يحمل جميع مياه مصانع محافظة الغربية خصوصًا نسيج المحلة وغيرها ويتجه إلى محافظة المنوفية فيحمل مخلفاتها الزراعية والصناعية وصرفها الصحى، ثم إلى محافظة كفر الشيخ التى يضطر أهلها إلى استخدام مياهه فى الرى، لقصور مياه الرى هناك بسبب وقوعها فى آخر الزمام، ثم يتجه بعد ذلك المصرف القاتل إلى بحيرة البرلس ليقتل أسماكها والتى انتهى الصيد بها تقريبًا والباقى منها أصبح شديد التلوث! والنتيجة أن 44% من تعداد سكان محافظة كفر الشيخ مصابون بالفشل الكلوى والتليُّف الكبدى وكل أنواع السرطانات!).

إذن، ابدؤوا بأول الأشياء أولًا، فالأولويات مفقودة تمامًا.

ما تحتاج إليه مصر حالًا بالًا مؤجل ومرحل ومهمل.

وما لا تحتاج إليه مصر الآن وقد تحتاج إليه بعد سنوات وقد لا تحتاج إليه أصلًا، متصدر ومتسرع ومتسيّد!

مصر تحتاج إلى أن يفتح المواطن الحنفية ويشرب منها مطمئنًا إلى أن هذا الماء نظيف صالح للشرب.

لو ركزنا كل مجهوداتنا فى هذا الإنجاز وحده لتغيَّرت مصر تمامًا، صحيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا.

نعم، مجرد أن نطهر مياهنا ونيلنا.

مجرد أن نشرب مياهًا غير ملوثة وأطعمة غير ملوثة.

مجرد ما نحترم النيل ونقدره ونطهره.

سوف نجدنا بلدًا آخر، أو بالأحرى ستعيدنا كرتنا الأولى إلى بلد أجمل وناس أجدع!
نقلا عن المقال

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع