الأقباط متحدون - الاضطراب العربى واليمين المتطرف الفرنسى
  • ١١:٠٥
  • السبت , ٢٥ فبراير ٢٠١٧
English version

الاضطراب العربى واليمين المتطرف الفرنسى

مقالات مختارة | بقلم د.جهاد عودة

٣٣: ٠٨ ص +02:00 EET

السبت ٢٥ فبراير ٢٠١٧

د.جهاد عودة
د.جهاد عودة

 ذهبت ماريان لوبان، زعيمة الجبهة الوطنية، قائدة اليمين الفرنسى المتطرف، فى 13 يناير الماضى، إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتهنئة الرئيس الأمريكى دنالد ترامب، على فوزه بالانتخابات الرئاسية، لكنها شربت القهوة فى برج ترامب فى مدينة نيويورك مع 3 رجال بينهم شريكها لوى إليو، نائب رئيس الجبهة الوطنية، دون أن تلتقى ترامب أو أحدا من أعضاء فريقه، وقال مدير حملة لوبان في باريس إن الزيارة «خاصة»، ولم تكشف خلالها لوبان تفاصيل برنامجها.

لوبان قالت بوضوح إن «فوز دونالد ترامب حجر إضافي في بروز عالم جديد ليحل محل نظام قديم»، معتبرة ذلك مؤشراً إيجابياً على ترشحها للانتخابات الفرنسية ربيع 2017، كما أن ترامب «جعل ما كان يعتبر مستحيلاً تماماً، أمراً ممكناً، ونأمل أن يتمكن الشعب في فرنسا أيضاً من قلب الطاولة»، مقارنة بين رفض الفرنسيين في استفتاء عام 2005 وضع دستور أوروبي وتصويت البريطانيين للخروج من الاتحاد الأوروبي عام 2016.

وفى موضع آخر، قالت لوبان إن «كافة الانتخابات هي تقريباً استفتاءات ضد هذه العولمة المتوحشة التي فرضت علينا وعلى الشعوب وظهرت اليوم حدودها بشكل واضح».

فى هذا السياق، تأتى أهمية الحديث عمّن سيصبح القائد الأول في فرنسا لما تمتلكه تلك الدولة من مقومات جعلتها من كبرى دول العالم، وظلت إحدى القوى العظمى في النظام الدولي الممتد من اتفاقية وستفاليا عام 1648 حتى الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة التى جعلتها تقف في سلم القوى خلف أمريكا والاتحاد السوفيتي وقتها واستمر دورها إلى التعددية القطبية، وهي أكبر دول الاتحاد الأوروبي من حيث المساحة، وثانيها من حيث عدد السكان بعد ألمانيا، وتمتلك عضوية دائمة في مجلس الأمن، ولها الحق في استخدام الفيتو، وأحد أعضاء حلف شمال الأطلسي، وعضو في مجموعة الثمانية ومجموعة العشرين، وتعد القوة النووية رقم ثلاثة بعد كل من الولايات المتحدة وروسيا.

وفرنسا كذلك من كبرى الإمبراطوريات الاستيطانية في العصر الحديث، ولهذا فإن سيطرة اليمين المتطرف على الحكم فى فرنسا الذى صار احتمالاً حقيقياً، سيكون حدثاً فارقاً فى تاريخ أوروبا والعالم.

تبلغ مارين لوبان العمر 49 سنة، وهى زعيمة حزب الجبهة الوطنية منذ يناير 2011، خلفا لأبيها جان ماري لوبان، مؤسس الحزب، وحصلت في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في 2012 على 18% من أصوات الناخبين، وتدعو لوبان للعودة إلى عملة «الفرنك» وإجراء استفتاء على خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي.

وتاريخياً، يحدث دائماً أن التطرف السياسى يبزغ بنتيجة المناورة السياسية غير بعيدة النظر : وفي 1972 أنشأ لوبان الجبهة الوطنية وشارك في الانتخابات الرئاسية عام 1976 ولم يحز إلا على 0.7% من الأصوات، فخفت صوته السياسي، ولم يعد إلى الواجهة إلا بعد عام 1981، حيث لم يتمكن من المشاركة في انتخابات تلك السنة لأنه لم يتمكن من جمع 500 توقيع من قبل المنتخبين المحليين كما ينص القانون.

ولما وصل اليسار بقيادة فرانسوا ميتران، إلى الحكم استغل ميتران الجبهة الوطنية لتقسيم اليمين وأدخل فكرة التمثيل النسبى فى الدائرة الانتخابية، تمكن لوبان بخطاباته الشعبوية والمناوئة لليسار ولعبه على أوتار الفرنسيين الحساسة «الهجرة، البطالة، اللاأمن»، حزبه من السيطرة على بلدية درو جنوب غرب باريس في انتخابات عام 1983.

وفي عام 1988 حصل لوبن على 14.4% من الأصوات في الانتخابات الرئاسية وعلى 15% من الأصوات في انتخابات 1995، أما في عام 2002 فحاز على 16.86%، أى أنه ربح حوالى 900 ألف صوت إضافى مقارنة بانتخابات 1995.

أما في الانتخابات البرلمانية فإن أعلى نسبة حصلت عليها الجبهة الوطنية كانت في الدور الأول عام 1997 بنسبة 15% من الأصوات، لكنها شهدت تراجعاً وحصلت على 9% من الأصوات، في انتخابات البرلمان الأوروبى، عام 1999.

بعد هذه المسيرة التاريخية يتبين أن الشيء الأكيد فيها أن تيار أقصى اليمين في تصاعد مستمر في الانتخابات الرئاسية الفرنسية منذ عام 1974.

التحوّل في المزاج الفرنسي بدأ بشكل أساسى مع بدء موجة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عبر البحر المتوسط، ونمو التطرف الاسلامى فى جوامع وهيئات فرنسية من خلال الجيل الثانى والتى يتم تمويلها من السعودية وقطر، وقيام القاعده وتنظيم الدولة الإسلامية بتجنيد فرق من الشباب الفرنسى ذوى الأصول الإسلامية، ودخول العالم العربى فى فوضى الثورات والحرب الأهلية، وما تبعها من أحداث أمنية تمثلت فى الهجوم على مسرح «الباتاكلان» في ضاحية باريس والذى أسفر عن مقتل أكثر من 150 شخصاً وإصابة العشرات.

هذه التطورات المتسارعة استغلها اليمين المتطرف «الجبهة الوطنية» وزعيمته مارين لوبان التي كثّفت حملة التصويب على الأداء السياسي في فرنسا داخلياً وخارجياً، كما دعت الى طرد غير الفرنسيين واتخاذ خطوات بحق العمال من أصول غير فرنسية.

وكشفت لوبان عن التدابير الأساسية التي تعتزم اتخاذها في حال فوزها بالرئاسة، وفي طليعتها تنظيم استفتاءين الأول حول «الأولوية الوطنية» والثاني حول الانتماء إلى الاتحاد الأوروبي، وذلك من أجل استعادة «السيادات» الأربع المالية والنقدية والتشريعية والسيادة على الأراضي الوطنية، في استمرارية للخط الذي تعتمده منذ عدة سنوات لجعل حزبها مقبولا من الفرنسيين.

وترى لوبان أن معظم الفرنسيين يشاطرونها رؤيتها من أجل «الدفاع عن حضارتنا»، ويحقق حزبها تقدماً متواصلاً في جميع الانتخابات التي جرت منذ 2011، ما يعكس تأييداً متزايداً لبرنامجها المعادى لأوروبا وللهجرة، حيث صار اليمين المتطرف الفرنسى حقيقة نامية، ولا توجد علاقات عربية منظمة معه، لا من خلال نفوذ أو اتصالات سورية - لبنانية.
نقلا عن الأهرام

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع