الأقباط متحدون - الست «المحافظة»
  • ٠٥:٢٩
  • الاربعاء , ٢٢ فبراير ٢٠١٧
English version

الست «المحافظة»

مقالات مختارة | د. محمود خليل

٥٠: ٠٧ ص +02:00 EET

الاربعاء ٢٢ فبراير ٢٠١٧

د. محمود خليل
د. محمود خليل

نفاق السماء سمة تحكم تفكير وأداء بعض المصريين.. وهى تعنى ببساطة تناقض السلوك مع ما يقيمه المواطن من اعتبار لما يقوله الدين، وما يُردّده من كلام يُعبّر عن قناعته به. كثير من المواطنين يطربون كل الطرب لما يقوله المشايخ وعلماء الدين، نقلاً عن كتاب الله وسنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لكنك تجدهم بعد ذلك يؤدون بشكل يتعاكس مع ما طربوا له. أجد نفسى بحاجة إلى تناول هذا الموضوع على هامش الجدل الذى أثير حول تعيين امرأة (المهندسة نادية عبده) فى منصب «محافظ البحيرة».

تابع كثيرون الجدل الذى أثير حول هذا الموضوع، وتراوحت الآراء بين الدفاع عن وجهة نظر تقول إن الدين يمنع ولاية المرأة، وأخرى تقول بعكس ذلك. فى كل الأحوال كانت «الهزازة» -أقصد رأس المواطن- التى تتأرجح إلى الأمام والخلف تعمل، وهو يسمع دلائل ما يقول به أحد المشايخ من أن الشرع يمنع، وكذلك الدلائل التى يدحض بها غيره هذا الرأى. هو فى الحالتين يرى ضرورة فى مجاملة السماء!. قد تجد بعد ذلك المواطن الهزاز الميال إلى الرأى الذى يقول بعدم ولاية المرأة ينكفئ أمام زوجته، ويجعل الولاية لها على الأسرة بأكملها، وكلنا يعلم ما تنغلق عليه بعض البيوت فى هذا السياق!، والهزاز الآخر الميال إلى الرأى المعاكس، قد تجده ميالاً إلى سحق المرأة أينما ظهرت فى حياته، سواء داخل الأسرة أو خارجها.

كثيراً ما أتوقف أمام الآيات الكريمة من سورة النمل التى تصف أداء «بلقيس» ملكة سبأ عندما تلقت رسالة من نبى الله سليمان يطالبها فيها بالإسلام. تقول الآيات: «قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِى فِى أَمْرِى مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِى مَاذَا تَأْمُرِينَ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ». أتعجّب ممن يقرأون هذه الآيات ثم يتحفّظون على ولاية المرأة. يؤكد القرآن أن «بلقيس» كانت ديمقراطية فى أسلوب حكمها، حيث لم تستأثر بالقرار، بل دعت الملأ من حولها إلى مشاركتها فيه، لأنها اعتادت على ذلك: «ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون». آثر الرجال الحرب والقتال، لكنها نبهتهم إلى ما يفعله الملوك بالقرى التى يستولون عليها من إفساد وإذلال لأهلها. وإذا بالمولى عز وجل يؤكد رجاحة عقلها وعمق تفكيرها، حين أبدت هذا الرأى، لأن الملوك بالفعل يصنعون ذلك: «وكذلك يفعلون».

الدرس الذى يجب أن نتعلمه من هذه الآيات أن العبرة ليست بجنس ولى الأمر (رجلاً كان أو امرأة)، بل فى أدائه، فلو كان رجل يحكم أهل سبأ حينذاك، لسلك الطريق الذى اقترحه الرجال، ولسار فى طريق المواجهة، بما تحمله من خسارة مؤكدة، لكن «بلقيس» أنقذت الموقف، وتمكنت من إدارته بحكمة، حين وضعت «سليمان» فى «اختبار الهدية» لتُحدد هويته، وهل هو نبى يدعوها إلى كلمة السماء، أم ملك تحكمه مطامع الأرض، فى الاستحواذ والسيطرة. العاقل من أراد الإصلاح، دون النظر إلى فاعله، رجلاً كان أم امرأة. فالإيمان رجل وامرأة، والكفر رجل وامرأة، والحكمة رجل وامرأة!.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع