الأقباط متحدون - كتاب :المسيحييون العرب...حضور وحضارة يكشف تجاهل التعليم للوجود المسيحى
  • ٠٠:٥٥
  • الثلاثاء , ٧ فبراير ٢٠١٧
English version

كتاب :"المسيحييون العرب...حضور وحضارة" يكشف تجاهل التعليم للوجود المسيحى

نادر شكري

أقباط مصر

٤٨: ٠٢ م +02:00 EET

الثلاثاء ٧ فبراير ٢٠١٧

 كتاب المسيحييون العرب...حضور وحضارة
كتاب المسيحييون العرب...حضور وحضارة

الكتاب يوضح اسهامات المسيحيين فى الحضارة العربية تعرض لاول مرة
لماذا تتجاهل الحكومة  عرض الحقبة القبطية واسهامات المسيحيين فى بناء الحضارة
 

نادر شكرى
نحن أمام كتاب جديد وفريد فى المكتبة العربية، فهو يحوى تراث مسيحى عربى غير معروف إما جهلا أو تجاهلا .

ينطلق مؤلف الكتاب والباحث المهندس عماد توماس، من تجاهل وزارة التربية والتعليم تدريس الحقبة القبطية إلا فى عدة ورقات لا يمتحن فيهم الطلاب، بعدما خصصت جامعات العالم قسمًا وعلمًا يسمى علم القبطيات " قبطولوجي" لتدريس الأجانب الحضارة القبطية وتجاهلته الجامعات المصرية ، وعلى الجانب الآخر تم إهمال التراث العربى المسيحى الزاخر، الذى يحتوى على إسهامات المسيحيين العرب فى الحضارة العربية
وتاثيرهم فى عدة مجالات منها : اللغة العربية، الترجمة، العلوم، الطب...الخ

يدهشنا الكاتب بمعلومات غير معروفة الا للباحثين، فمن قام بتشييد قلعة صلاح الدين على تلال المقطم مهندسين معماريين من المسيحيين العرب هما ابو منصور وابو مشكور. ومن قام ببناء مقياس النيل الموجود حاليا فى منيل الروضة، وكذلك قام ببناء صهريج المياة المعروف بصهريج ابن طولون المهندس المسيحى العربى سعيد ابن كاتب الفرغانى بالإضافة إلى أنه قام بتشييد جامع ابن طولون بعمودين فقط بدلا من ثلاثمائة عمود، لا يمكن الحصول عليهم إلا بهدم عدد من الكنائس والمعابد القديمة. وتولت عائلة ال بختيشيوع تطبيب وعلاج الخلفاء العباسيين
 
الهدف من هذا الكتاب
يؤكد الكاتب على ان هذا الكتاب لا يهدف إلى استدعاء قصص وحكايات التاريخ المؤلمه لتأليب المواجع، لكنه يهدف إلى التعلم وأخذ العبر والدروس من قصص التاريخ، وليس كما قال جورج بيرنارد شو " كان هيجل على حق عندما قال أننا نتعلم من التاريخ أنه يستحيل على البشر التعلم من التاريخ".

فيرى أن هناك تراث مسيحى عربى حضارى مجهول يمتد إلى ألاف السنين، وحان وقت استدعاءه ونشره ليكون لنا نبراسًا نهتدى به ونتعلم منه قيم التنوع والتعددية والمواطنة لنواجه به قوى الظلام والإظلام.

يُسلط الكتاب الأضواء على صور من التعايش المشترك والتآخى فى العلاقات المسيحية/الاسلامية فى بعض العصور الإسلامية كما لا ينكر وجود توترات واضطرابات فى بعض العصور الأخرى. فالانسان صديق من يعرف وعدو ما يجهل.

يرى الكاتب أن الكتابه التاريخية ليست وجهة نظر، ولا يجب أن تتأثر بالمشاعر الفياضة أو الانحياز لطرف دون الآخر، لكنها يجب أن تتسم بالموضوعية. ومن اجل ذلك تتبع المؤلف عدد من المصادر المعتمدة، فلم يكتفى بالمصادر المسيحية بل رجع إلى العديد من المصادر الإسلامية وأمهات الكتب، بعيدًا عن "تهويل" أو "تهوين" بعض المصادر.

تقسيم الكتاب
يتكون كتاب المسيحيون العرب..حضور وحضارة، من 134 ورقة من القطع المتوسط، ويحتوى على  مقدمة للكاتب وثمانية فصول، الاول بعنوان مدخل إلى التراث العربي المسيحي يتحدث فيه عن نشاة المسيحية العربية، واسهامات المسيحيين العرب فى الحضارة العربية، ويتحدث فى الفصل الثانى عن الحضور المسيحى فى العصر الأموى والعباسى، والثالث عن الحضور المسيحى فى العصر الفاطمى والأيوبى، فيما يتحدث الفصل الرابع عن الحضور المسيحى فى العصر المملوكى والعثمانى، والخامس عن الحضور المسيحى فى العصر الملكى بداية من عصر محمد على ( 1805-1849م) حتى رحيل الملك فاروق 1952م، ، والسادس الحضور المسيحى فى العصر الجمهورى بداية من العهد الناصرى وصولا لحكم الرئيس عبد الفتاح السيسى، والفصل السابع الحضور المسيحى بعد ثورتى 25 يناير و 30 يونيه، ويختتم كتابه بالفصل الثامن عن مصير المسيحيين العرب فى الشرق الأوسط

وفى تقديم الكتاب، قال الدكتور عماد أبو غازى، وزير الثقافة الأسبق، ان الكاتب عماد توماس يشتبك مع قضيتين مختلفتين لكنهما متماستان: إسهام المسيحيين العرب فى بناء الحضارة العربية فى العصر الإسلامى، والحضور المسيحى فى مصر فى عصورها المختلفة منذ اندماجهما فى الثقافة العربية حتى يومنا هذا.

فيما قال الدكتور محمد عفيفى، رئيس قسم التاريخ بكلية الأداب بجامعة القاهرة، أن هاجس الحاضر لعب دوره، بشكل مباشر أو غير مباشر في دفع عماد  توماس إلى الكتابة في هذا الموضوع المثير "الحضور المسيحي في الحضارة العربية". إذ طرحت مسألة المواطنة والهوية بشدة في الفترة الأخيرة، لا سيما بعد ثورات الربيع العربي، ومحاولة نفي الآخر، الآخر الديني، أو العرقي، أو المذهبي. وأحس الجميع بالخوف على ضياع تراث العيش المشترك، وهو الذي أطلق عليه عماد توماس "الحضور المسيحي في الحضارة العربية".
 
 المسيحية العربية
يعرف المؤلف التراث العربي المسيحى  بأنه كل ما ألّفه المسيحيون باللغة العربية، سواء كان ذلك موضوعًا أصلاً باللغة العربية، أو مترجمًا إليها من لغات أخرى.  وعندما يقول "عربى" لا يعنى "مسلمًا" لأن اللغة العربية كانت قبل الإسلام يتكلمها العرب المسيحيون وبها يصلون، وهناك مسلمون لا يتحدثون العربية مثل الأتراك والإيرانيين وغيرهم.  والمصطلح "عربى" ليس مصطلحًا لغويًا، ولا تعبيرًا عرقيًا  ولا هو تعبير يشير إلى مكان جغرافى ما. بل، هو إشارة لحضارة العرب وثقافتهم. فالعرب هم تلك القبائل البدوية متعددة الأسماء، والذين يرتحلون إما فى الصحراء أو فى
السهول الجنوبية وعرف عنهم السكنى فى الخيام

والتراث العربى المسيحى مدخل للأرضية المشتركة بين المسيحى العربى والمسلم، فاللغة والتراث والثقافة والتقاليد أمور مشتركة تشجع على الحوار البناء والعيش المشترك فالإنسان صديق من يعرف وعدو ما يجهل.

    ويشير المؤلف إلى ان نشأة المسيحية العربية فى الشرق، كونها انطلقت من فلسطين وبادية الشام ووجدت التربة الخصبة لنموها وسط القبائل والممالك العربية، فالعرب كجزء من البلاد الشرقية تقترب البيئة الثقافية والعادات والتقاليد من المسيحية المبكرة الناشئة فى ذلك الوقت.

   وانتشرت المسيحية العربية بين العرب من القرن الرابع فصاعدًا، والدليل وجود أسقفيات وكنائس وكاتدرائيات فى الجزيرة العربية، وتشاركت
الأنبار مع الحيرة في كونها أقدم المراكز التي انتشرت فيها المسيحية

يفاجئنا المؤلف بمعلومات تبدو غير معروفة لغير المتخصصين،  فهناك أربع وسبعين قبيلة عربية مسيحية تعيش فى منطقة العربية التى تقع ما بين مقاطعة اليهودية وجنوب سورية حتى بابل ونهر الفرات من ناحية الجنوب..
 
اسهامات المسيحيين العرب
يستعرض المؤلف العديد من اسهامات المسيحيون العرب ودورهم فى نشر الكتابة العربية، فالخط العربي يرجع إلى أصل مسيحي، فأقدم الكتابات العربية الشمالية وُجدت على أبواب الكنائس، مثل كتابة خرائب زبد، المكتوبة بثلاث لغات اليونانية، السريانية، والعربية سنة 512م. وكذلك نقش حران باليونانية والعربية المنقوش سنة 568م .

كما يوضح المؤلف سهام الشعراء المسيحيين فى اللغة العربية، فقد أثرى الكثير من شعراء المسيحيين وغيرهم اللغة العربية بتعبيرات لم يسبقهم إليها أحد، فأصبحت ولا زالت، على ألسنة كثيرين، ويسرد المؤلف عدد من أبيات الشعر لشعراء المسيحية مازال يرددها البعض حتى الآن ، منها للشاعر المسيحى العربى تتعلق بحنظله الطائي والشاعر المسيحي إمرؤ القيس بالاضافة الى وهند بنت النعمان والأعشى الكبير وأمية بن الصلت وعمرو بن كلثوم، الشاعر المسيحي الشجاع كان يمر بالقتلى والجرحى لا يتأثر، وكان يعرف العربية كتابة وتدويناً. وقس بن ساعده الذي انتفع الأدباء بشعره فى
الجاهلية وعرفوا منه أخلاقه وديانته وإيمانه بالمسيحية

ويشير الكاتب الى  عمالقة حركة الترجمة من الفلاسفة والمفكرين المسيحيين أمثال : قسطا بن لوقا، وحنين بن إسحاق، ويحيى بن عدى، وتيموثاوس الأول، وأبى فرج بن الطيب، وغيرهم.

وينتقل مؤلف الكتاب، الى استعراض الحضو المسيحى العربى فى العصور الاسلامية، ليس بهدف استدعاء قصص وحكايات التاريخ المؤلمه لتأليب المواجع، لكن بهدف التعلم وأخذ العبر والدروس من قصص التاريخ.

العصر الذهبى للحضور المسيحى
يميل الكاتب الى الاعتقاد بان العصر الذهبى للحضور المسيحى العربى يبدأ من منتصف القرن الثامن حتى منتصف القرن الثالث عشر (750-1250م)، فهو العصر الذى تجلى فيه اسهامات المسيحيين العرب فى الحضارة العربية، فظهر حُنين بن إسحاق عالم اللغات والمترجم والطبيب وكان يجيد -بالإضافة للعربية- السريانية والفارسية واليونانية، وعينه الخليفة العباسي المأمون مسؤولاً عن بيت الحكمة. وهناك الفيلسوف ومترجم الفلسفة من السريانيَّة إلى العربيَّة المسيحى العربى يَـحيى بن عَـدي (894 - 975م)، الذى اهتم بالمنطق فلقِّب بالمنطقي.    بالإضافة إلى كثيرين مثل: قسطا بن لوقا، العالم والطبيب الملكى، الذى كان يتقن ثلاث لغات (العربية- السريانية- الإغريقية) والفيلسوف والفقيه القانونى والطبيب أبو الفرج بن الطيب. كما اشتهرت أسرة آل بختيشوع بمسؤليتها عن الطب في الدولة العباسية طوال ثلاثة قرون، وخدم أبناؤها كأطباء خاصّين للخلفاء العباسيين.

أسوأ العصور للحضور المسيحى
يعتبر الكاتب ان العصر المملوكى هو أسوأ العصور للمصريين عامة وللمسيحيين بشكل خاص، ففيه خرجت معظم آثار مصر منها بطريق السرقة أو البيع أو الهدايا وتوزعت على بلاد العالم ومتاحفه. وعانى المسيحيون أشد المعاناة من هدم كنائسهم وتحولهم للإسلام خوفًا أو للحفاظ على وظائفهم.
ودأبت دولة المماليك على مصادرة أوقاف الكنيسة القبطية، وكانت أكبر هذه المصادرات ما تم فى سنة 1354م، حيث صودر حوالى 25 ألف فدان من أراضى وأوقاف الكنائس والأديرة. وهدم المماليك كنيستين بجوار السبع سقايات تعرف إحداهما بكنيسة البنات (دير الراهبات)، كان يسكنها بنات النصارى وعدد من الرهبان.
 
يبقى ان نقول، ان المؤلف أبحر فى كتابه، فى رحلة تاريخية مبسطة وموجزة من العصر الاموى حتى عصر الرئيس السيسى، متتبعا خطى المسيحيين العرب ومقتطفا من آثارهم واسهاماتهم واوضاعهم عبر العصور الاسلامية. مختتما كتاب بصرخة تحذير عن مصير ومستقبل المسيحيون العرب فى الشرق الاوسط.