الأقباط متحدون - الأزهر يكسر حاجز الصمت
  • ١٤:٥٤
  • الثلاثاء , ٧ فبراير ٢٠١٧
English version

الأزهر يكسر حاجز الصمت

مقالات مختارة | عبد الناصر سلامة

١٣: ٠٨ ص +02:00 EET

الثلاثاء ٧ فبراير ٢٠١٧

عبد الناصر سلامة
عبد الناصر سلامة

نقلاً عن الأشقاء فى تونس، أنه فى ستينيات القرن الماضى، طلب الرئيس التونسى الحبيب بورقيبة، من مفتى البلاد آنذاك، الشيخ الطاهر بن عاشور، الإفتاء بجواز الإفطار فى نهار شهر رمضان، بدعوى زيادة الإنتاج، وبالفعل ظهر الشيخ الطاهر، على شاشة التليفزيون، بينما الشعب التونسى يتأهب لسماع الفتوى، التى بدأها الرجل بتلاوة قول الله سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ثم قال: صدق الله وكذب بورقيبة، صدق الله وكذب بورقيبة، صدق الله وكذب بورقيبة، وأفتى بحرمة الإفطار فى نهار الشهر الكريم، وأن من يفعل ذلك قد أنكر معلوماً من الدين بالضرورة، مع العلم أن الرئيس بورقيبة كان قد خرج إلى الناس معلنا إفطاره، حتى يقتدى به الناس، وحتى يمنح الفتوى المرتقبة طابعاً رسمياً!!.

أما فى السبعينيات، فقد خاضت الدولة الرسمية فى مصر، معركة عنيفة، ومكتومة معظم الوقت، مع فضيلة الإمام شيخ الأزهر آنذاك، الدكتور عبدالحليم محمود، حول تغييرات غير منطقية فى قانون الأحوال الشخصية، إلا أن الرجل كان حاسماً، ولم يعرف عنه ذات يوم، أنه تنازل فيما يتعلق بشرع الله أبداً، فقد كان صوفياً من طراز فريد، زاهداً فى الدنيا إلى أبعد حد.. كما فى بداية التسعينيات، رفض شيخ الأزهر آنذاك، الشيخ جاد الحق على جاد الحق، توصيات مؤتمر السكان، الذى كانت تستضيفه مصر، ذلك أن بعض هذه التوصيات كانت تتعلق بإباحة الإجهاض تارة، والشذوذ تارة أخرى، رغم أن المؤتمر كان عالمياً، أى أن التوصيات لم تكن تتعلق بمصر فقط، إلا أن الاجتماعات كانت على أرض مصر.

العلماء الثلاثة المشار إليهم، فى ذمة الله الآن، لم تتعرض لهم الأنظمة آنذاك، بما من شأنه التنكيل، أو حتى مجرد الترصد، الآن نترحم عليهم بكل سبل الرحمة، سوف يظل التاريخ يذكرهم بأحرف من نور، سطروا مواقف خالدة لمن بعدهم، كانوا يدركون جيداً أنهم مجرد ضيوف فى هذه الحياة الدنيا، لم يشكل المنصب بالنسبة لهم إغراءً من أى نوع، احترموا أنفسهم فاحترمهم الناس، اتقوا الله فكانت نعم الخاتمة، هو دعاء الكبار الذى لم نستوعبه صغاراً: اللهم ارزقنا حسن الخاتمة، اللهم آمين.

يجب أن يعترف الأزهر بأساتذته وعلمائه، أنهم آثروا الصمت سنوات طويلة، فكان ما كان من ذلك التطاول على دين الله، وكان ما كان من إقحام مدعى الفتوى، وشيوخ السلطان، ونجوم الفضائيات، وشيوخ رجال الأعمال، يجب أن يعترف الأساتذة والعلماء معاً، أنهم كانوا سبباً فى ذلك اللغط الذى شهده المجتمع، خلال السنوات الأخيرة بصفة عامة، مما فتح الباب واسعاً أمام الإلحاد من جهة، والرِّدة من جهة أخرى، والخوض فى أمور الدين بما لا يصح، وفى الأئمة والسلف الصالح بما لا يليق، من خلال بعض المأجورين تارة، وبعض السفهاء تارة أخرى.

صمت الأزهر أيها السادة، هو فى حقيقته تقصير وقصور، عدم قيام الأزهر بدوره المنوط به، كان سبباً رئيسياً فى كل محاولات النيل منه، المتربصون للأزهر وجدوها فرصة للقضاء عليه والخلاص منه، بالفعل مازال الأزهر وسوف يظل، هو الدرع الواقى أمام كل الحروب الشعواء على الإسلام والمسلمين فى صورها المختلفة، هو الوسطية الحقيقية، هو المذاهب المعتدلة، هو الفقه والسيرة والحديث والتفسير والتجويد والتوحيد والأدب والبلاغة والنحو والصرف، هو الفقه على المذاهب الأربعة ومتن أبى شجاع وألفية ابن مالك، أيضاً هو الطب والهندسة واللغات والترجمة والإعلام والتجارة والزراعة، هو مجمع البحوث ومدينة البعوث وهيئة كبار العلماء.

واهمون هم من يتخيلون أن دور الأزهر يتوقف على فتوى، أو يقتصر على موقف سياسى، أو ينحصر فى برنامج تليفزيونى، الأمر أكبر من ذلك بكثير، نحن أمام دراسات هى الأوسع عالمياً، أمام الآلاف من الطلاب الأجانب فيتم تخريجهم سنوياً، أمام جامع هو الأبرز، وجامعة هى الأقدم، أمام عشرات آلاف الفتاوى لكل المسلمين فى أنحاء العالم، أمام إنتاج غزير مكتوب ومسموع ومشاهد، أمام علماء ينتشرون فى كل العواصم والمدن، أمام تقدير دولى غير مسبوق لا يجب أبداً تلويثه، فى الوقت نفسه لا يمكن محو كل ذلك بجرة قلم، أو بمجرد تعبير عن الحب أو الكراهية.

من هنا أيها السادة، كان بيان الأزهر الأخير، الذى أكد فيه وقوع الطلاق الشفهى، بإجماع هيئة كبار العلماء، بمثابة تأكيد على أن الأزهر لا يموت أبداً، فقط قد يغفو، إلا أنه يستيقظ سريعاً حين الشعور بالخطر على الإسلام أو حتى على المسلمين، كان يمكن للأزهر أن يؤثر السلامة، ويلتزم الصمت، حتى لا يتم تفسير موقفه بطرق صدامية أو ملتوية، إلا أنه أراد من خلال علمائه، أن يعلن عن نفسه، ليس ذلك فقط، بل أن يوجه رسالة للجميع: توقفوا يرحمكم الله، هُنَا الأزهر الجامع، والأزهر الجامعة، ليظل الكبير كبيراً، ولا يجوز أبداً اللعب مع الكبار.. أيضاً باتفاق العلماء.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع