الأقباط متحدون - هل الأزهر صادقٌ فى مواجهة التسلُّف والتوَهُّب؟
  • ٠٨:٣٦
  • الاثنين , ٢٦ ديسمبر ٢٠١٦
English version

هل الأزهر صادقٌ فى مواجهة التسلُّف والتوَهُّب؟

مقالات مختارة | أحمد الشهاوي

١٠: ٠٨ ص +02:00 EET

الاثنين ٢٦ ديسمبر ٢٠١٦

أحمد الشهاوي
أحمد الشهاوي

هل الأزهر- الآن- وسطىٌّ ومعتدلٌ؟ لا.

هل الأزهر صادقٌ فى مواجهة التسلُّف والتوَهُّب (من الوهابية) والتشدُّد؟ لا.

هل الأزهر جاد فى تنقية كتب الخرافات والخزعبلات؟ لا.

هل الشيوخ يريدون- حقًّا- تجديد أو تحديث أو تغيير الخطاب الدينى، أو خلق خطاب دينى مغاير وجديد؟ لا.

هل الأزهر سيُغيِّر مناهج مدارسه ومعاهده وكلياته، لما فيها من أساطير، واختلاقات وأكاذيب لا يستسيغها عقل، ولا تقرها روح؟ لا.

هل الأزهر ساعٍ إلى ترسيخ التعايش بين الديانتين الإسلام والمسيحية فى مصر بعيدًا عن جلسات الإخوانيات المُذاعة على الهواء مباشرة؟ لا.

هل السلفيون والوهابيون ومَن لفَّ لفَّهم، ودار فى فلكِهم يكرهون الأقباط فى مصر، ويحرِّضُون فى كتاباتهم وأحاديثهم ضدهم؟ نعم.

هل العلماء والفقهاء (مجازًا أسميهم هكذا، لأنهم دون ذلك بكثير) يمارسون تمييزًا ضد الديانات الأخرى؟ نعم.

هل هناك ما يمكن تسميته «فقه المواطنة والعيش المشترك بين الديانات»؟ لا.

هل مَن يدَّعون حماية الدين يطبِّقُون قول خالقهم، الذى ادَّعوا أنهم نوَّابه فى الأرض: (لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَىِّ) الآية 255 من سورة البقرة، و(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) الآية من سورة هود 118؟ بالطبع لا.

هل الدين سمح، ورحمة بالعالمين؟ نعم، لكنَّ الشيوخ هم غير السمحين.

هل المُتسلِّفون المُتشدِّدون- الذين يُصدِّعون الرؤوس ليل نهار بأنهم حاملو توكيل الدين- يحفظون عرض ودم ومال وكرامة مَن يختلف معهم فى المذهب أو الديانة؟ لا.

هل نحن نضمن حرية الاعتقاد أو التعبُّد للأقباط على أرض مصر، من دون أن يحرس الكنائس جنود وضباط من الشرطة أو الجيش؟ بالطبع لا.

وإذا كان النبى محمد قد أقرَّ لنصارى نجران الصلاة فى مسجده، وامتنع عمر بن الخطاب عن نزع كنائس نصارى بيت المقدس (المعروف تاريخيًّا باسم العُهدة العُمرية)، فهل تجَّار الدين لا يؤمنون برسولهم، أم أنَّ لهم رسولا آخر؟ ولا يعترفون بالخليفة الثانى عمر؟ كأنهم- من فرط جهلهم- لا يدركون أن كنائس مصر قد بُنيت فى زمن الإسلام، كما يذكر الليث بن سعد.

هل هذه الآية من سورة يونس يعرفها- وليس يحفظها- مُستغلو الدين، وكارهو الإنسان، ومُتخذو الدين وسيلةً لغاية، ومطيةً لهدف ومأرب دنيوى صرف، الذين لا ضمائر لهم: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِى الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)؟ أشك فى ذلك كثيرا.

هل أقباط مصر يقاتلون المسلمين، أو أخرجوهم من ديارهم؟ لا والله، فأين- إذن- البر والعدل والإقساط إليهم الذى ينادى به دين الإسلام؟

هل المُتطرِّفون القتلة المُشوّهون يدركون ما أحكام أهل الكتاب فى الإسلام؟ بالطبع لا.

ألم يُزِح عمر بن الخطاب القمامة من مكان كنيسة القيامة؟ نعم، فعلها، لكن أكثر الناس لا يعلمون.

يصف أحمد الطيب، شيخ الأزهر، بعض الفقهاء بـ«المُسترزقين المتربِّحين المتكسِّبين»، باعتبارهم يتسبَّبون فى «تخريب الشريعة الإسلامية»، حسب تعبيره، فهل هو جاد فى وصفه ذاك، وهل يستطيع أن يتخذ موقفا حاسمًا وحازمًا حيالهم؟ بالطبع لا.

وقال إنه ينبغى أن «تتغيَّر الفتوى لملاحقة تغيُّر الأضرار»، فهل هو يفعل شيئًا للأئمة والفقهاء، كى يتوقفوا عن سيل فتاواهم المثيرة للسخرية من فرط غرابتها وغبائها ومجافاتها للعقل والمنطق والدين أيضًا، والتى يتحجَّج بعض الشيوخ بأنها موجودة فى كتب السلف، وبعضها مُستقَى من الأحاديث النبوية؟ بالطبع لا.

ويقول إن الأئمة يحتاجون «إلى مراجعة كتب الفقه»، فهل هو قد بادر بمراجعة تلك الكتب، التى تُدرَّس فى معاهد وكليات الأزهر، أولاً، قبل أن يخاطب الفقهاء والأئمة، الذين ورثوا هذه المناهج وتلك الأفكار والفتاوى عن سابقيهم؟

إن الشيخ الطيب يتكلم فقط، ولم يفعل شيئًا حيال التجديد والتغيير والتحديث والمراجعة والمساءلة، وله نقول: إن الفعل هو الذى يبنى العقول والأوطان، وليس التمنِّى والإنشاء.

وإذا كان أحد الأزاهرة يقول فى حماسة منقطعة النظير، إن مَن يطالب بالتغيير يعمل على «تشويه صورة المناهج» الأزهرية، وله ولمثله ممن يرددون أقواله، أقول له: عُد إلى كتاب «الروض المربع شرح زاد المستنقع»، فى الفقه الحنبلى، لمنصور بن يونس بن صلاح الدين بن حسن بن إدريس البهوتى الحنبلى (المتوفَّى: 1051 هجرية) المقرَّر على المرحلة الثانوية، وسترى عجبًا، وإلى كتاب (الاختيار لتعليل المختار) لأبى الفضل عبدالله بن محمود بن مودود بن محمود بن بلدجى الموصلى، الحنفى المذهب، (599 هجرية/ 1203 ميلادية- 683 هجرية/ 1284 ميلادية) الجزء الثانى، صفحة 121 فى كتاب الكراهية، فى فقه الإمام أبى حنيفة، حيث ستقرأ: «إن الختان للرجال سُنَّة، وهو من الفطرة، وللنساء مكرمة، فلو اجتمع أهل مصر (بلد) على ترك الختان قاتلهم الإمام، لأنه من شعائر الإسلام وخصائصه»، وإلى كتاب «الإقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع» لمحمد بن محمد الخطيب الشربينى شمس الدين، فى الفقه الشافعى، المقرر أيضًا على المرحلة الثانوية، حيث تكثر الخزعبلات، وتنتشر الخرافات، ومنها: (وللمضطر أكل آدمى ميت إذا لم يجد ميتة غيره، كما قيده الشيخان فى الشرح والروضة، لأن حرمة الحى أعظم من حرمة الميت، واستُثنى من ذلك ما إذا كان الميت نبيا، فإنه لا يجوز الأكل منه جزما، فإن قيل كيف يصح هذا الاستثناء والأنبياء أحياء فى قبورهم يصلون كما صحت به الأحاديث؟ أجيب بأنه يُتصور ذلك من مضطر وجد ميتة نبى قبل دفنه، وأما إذا كان الميت مسلما والمضطر كافرا فإنه لا يجوز الأكل منه لشرف الإسلام، وحيث جوَّزنا أكل ميتة الآدمى لا يجوز طبخها ولا شَيُّها، لما فى ذلك من هتك حرمته، ويُتخير فى غيره بين أكله نيئا وغيره، وله قتل مرتد وأكله وقتل حربى ولو صغيرا أو امرأة وأكله، لأنهما غير معصومين، وإنما حُرم قتل الصبى الحربى والمرأة الحربية فى غير الضرورة لا لحرمتهما، بل لحق الغانمين وله..)، والكتب كثيرة، والأمثلة أكثر من أن تُحصى.

وتجديد الخطاب الدينى معناه أن تبتعد لغة الشيوخ عن التهديد والوعيد والسِّباب والشتم والإكراه، إذ «لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ»، وأن يتم الاكتفاء بالتبليغ فقط (بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ)، وينبغى ألا يكون ذلك الخطاب مهينًا لآخر ليس على دينك، وليس سبيلا لإفساد أو قتل أو حط من عقيدةٍ يؤمن بها غيرك، ولابد أن يعلم الشيوخ أن خطابهم ليس وحيًا منزَّلا من السماء، وإنما هو فقط رأى لم يجتهدوا- حتى- فيه، بل نقلوه من كتبٍ، كثيرها مغلوط وموضوع، وأقرب إلى القصص والحكايات المُسلِّية منها إلى متن الدين الصحيح. ولا أحد يحتكر الدين، إذ الدين لله فقط، ولا يمكن لمثلى أن يتقبَّل اجتهادًا من «فقيه» لا يعرف عن التقشُّف والزهد إلا أنهما مُفردتان موجودتان فى الكتب التى قرأها عندما كان طالبًا.

ولا أقبل منه رأيًا ما لم يكُن مستندًا إلى نصوصٍ شرعيةٍ قطعيةِ الثبوت والدلالة، وليس كلامًا مُقتطعًا من كتب السلف التى نعلم- جميعا- مَن كتبها ولماذا، وفى أى عصرٍ، بهدف تغليب فرقةٍ على أخرى، ومذهبٍ على آخر، وليس لوجه الله الكريم.

فهل سيقوم أحد بتنقيح مثل هذه الكتب، وتنقيتها مما ينافى صحيح الدين، فمثلى- وهو ابن الأزهرى- لم أسمع يومًا فى بيتنا عن أكل الأنبياء وسواهم من البشر، بل تربيتُ- وإخوتى- فى بيت أزهرى اتسم بالاعتدال، وفيه من الكتب الكثير، حيث التنوُّع والتعدُّد فى مصادر الثقافة.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع