الأقباط متحدون - الشحاتون يُقاضون مُصَممّي الأزياء
  • ١٠:١٤
  • الاثنين , ٢٨ نوفمبر ٢٠١٦
English version

الشحاتون يُقاضون مُصَممّي الأزياء

ليديا يؤأنس

مساحة رأي

٠٢: ١٠ ص +02:00 EET

الاثنين ٢٨ نوفمبر ٢٠١٦

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
بقلم: ليديا يؤانس
كنت أعمل بمنطقة وسط البلد "Down Town"    ليس هناك مكان لركن السيارات بجانب أماكن العمل،  فكنت أركن السيارة في مربع كبير مخصصُا لركن السيارات،  وأمشي سيرًا علي الأقدام إلي أن أصل لمكان عملي،  ولو الطقس مُناسبًا أسير في الشوارع التي تسير فيها السيارات العامة والخاصة والأشخاص،  وفي أيام المطر أو الثلج آخذ الطريق اللي تحت الأرض "Under Ground" المُخصص لسير القطارات والمترو.
 
سواء في هذا الطريق أو ذاك،  وفي كل فصول العام تجد علي الأرصفة أو سلالم المباني الضخمة،  أشخاصًا يرتدون ملابس رثة وبالية ومقطعة في بعض الأحيان،  يستجدون حسنة من المارة،   وهذا وضعًا مألوفًا،  حيث يضع الشحات أو الشحاته كوز أو علبة قهوة فارغة،  لكي يضع بهم المارة دولاراتهم أو بعض السنتات للمُساعدة،  أيضا من بين هؤلاء الناس الأفاضل قد يكون فنانًا وعازفًا علي آلة موسيقية،  فيقف مُمسكا آلته الموسيقية ويعزف ألحانًا جميلة،  واضعًا قبعته علي الأرض، والناس أيضا يضعون ما يجودون به في القبعة.
 
الشحات الفنان بقبعته وآلته الموسيقية يجعلك تعقد مُقارنة سريعة بين الرجل الكاوبوي وهذا الرجل الشحات.
 
المفروض نحن كمُجتمع نتعامل مع هذه النوعية من الناس بطريقة مُتحضرة راقية،  وأن تكون نظرتنا لهؤلاء الشحاتين محل إحترام، لأننا لا نعرف   ماهي ظروفهم؟   وما الذي دفعهم للشحاتة؟  
 
وقد أتفق مع البعض بأن بعض الشحاتين يمتهنون التسول وهم ليسوا بالأصل فقراء أومحتاجين!
 
هذا لا يمنع أن الفقر مُقرف ومُفقر جدًا،  والذل مذلة، وقسوة الحياة مرة وقاسية!
 
في يوم وجدت إبنة صديقتي ذات العشرين عاما، مبسوطة جدا،  وبتفرجني علي بنطلون جينز،  
قالت وهي مُثارة وفخورة جدا:  اشتريته  ب420 دولارا!
قلت: يمكن ماركة عالمية مشهورة حديثة!
قالت: لما تشوفيه حتلاقيه حاجة أورجينال خالص!
فتحت الكيس وأنا صرخت:  كل هذا المبلغ في هذا البنطلون المقطع المهلهل،  أكيد انت استلفتيه من أحد الشحاتين! 
 
أنها الموضة يا أحبائي،  لكل الأعمار، للنساء والرجال،  يرتدون الجينز،  الجربان المقطع في أماكن مختلفة منه، أحيانا التقطيع والشرشبة علي الفخذ وأحيانا علي الركبة،  ويضاف إلي ذلك هرش بعض المناطق من البنطلون لكي يبدو أنه قديما وباليا،  وكلما ظهر البنطلون بهذه البهدلة والتقطيع كُلما ارتفع سعره!
 
أنه جنون الموضة يا أحبائي،  ورزق الهِبْل علي المجانين،  واللي معاه فلوس يجيب حَمَام ويطيُره،  أو يجيب لِبس الشحاتين ويلبسُه!
 
أردت أن أعمل حوارًا مع الشحاتين لأعرف،  هل الشحاتين واخدين بالهم،  بأن ملابسهم الرثة البالية المقطعة أصبحت أحدث صيحات الموضة للرجال والنساء؟!
 
عندنا في الأشغال بتاعتنا وخصوصا الوظائف العالية لابد من إرتداء ملابس رسمية تليق بالوظيفة،  ولكن مسموحا فقط في يوم الجمعة، بإرتداء ملابس كاجيوال.
 
في يوم جمعة،  إرتديت كاجيوال وبنطلون جينز مقطع علي أحدث موضة،  واشتريت علبة سجاير وولاعة،  وبعد إنتهاء عملي وفي طريقي لآخذ السيارة للعودة للمنزل مررت علي بعض الشحاتين،  أشعلت سيجارة لأعطي الإيحاء بأنني أدخن مثل غالبيتهم.
 
إقتربت من أحدهُم،  ألقيت التحية،  وعزمت عليه بسيجارة،  إعتدل في جلسته وانفرجت أساريره،  ممكن أجلس معك للدردشة لحين تنفرج ساعة الذروة علي الهاي واي "High Way"،  طبعا طبعا يُسعدني الحديث معك،  وهو يشد أنفاسًا سريعة من السيجارة،  يبدو أنه كان بيتنشق علي نفس سيجارة.
 
لحُسن حظي،   وجدت علي مقربة منه قطعة صخرية عالية شوية وكأنها كرسي،  قلت،  أشكرك يارب لأنني لا أستطيع إفتراش الأرض،  كنت سأظل واقفة إن لم أجد هذه الصخرة.
 
قبل أن أجلس ثلاثة شحاتين آخرين حضروا لست أعلم من أين!   ولكنهم جاءوا ربما للمُشاركة،  أو للحصول علي السجاير،  أو للحصول علي بعض النقود،  المُهم عزمت عليهم بالسجاير، كلهم أخذوا سجاير من الواضح ان كلهم يُدخنون وربما يتعاطون مُخدرات.
 
بدأت أتطرق في الحديث عن مشاكلهم،  والأسباب التي أوصلتهم للحياة في الشوارع والشحاتة، بدءوا يتحدثون عن أنفسهم ويتكلمون عن مشاكل بعض أصدقاؤهم،  فتحوا عيوني علي فئة من المجتمع قد نتجاهلهم أو لا نفكر في مشاعرهم،  ننظُر إليهم بازدراء،  نفترض أنهم دون المستوي الفكري،  كما هم دون المستوي الإجتماعي والمادي ولكن هذا ليس صحيحا.
 
كثير من هؤلاء علي مستوي عال من العلم والفكر،  بعضهم يحمل شهادات علمية كبيرة،  بعضهم من عائلات راقية ثرية، بعضهم اصطدموا بالقوانين التي لا يقتنعون بها.
 
قد يستغرب البعض هل من الممكن أن يحدث هذا في دولة  أجنبية غنية مثل كندا،  تستقبل اللآجئين بالآلاف وتصرف عليهم بالهبل ويوجد علي أراضيها شحاتين!
 
نعم يحدث هذا هنا،  لأن القوانين قد تكون عقبة أمام المحتاجين من أصحاب البلد،  فلا يستطيعون الإستمتاع بحقوقهم وهم أصحاب البلد،  ويأتي من هُمْ ليسوا أصحاب البلد،  ليأخذوا خيرها الذي هو أساسًا من دافعي الضرائب الكادحين من أهل البلد.
 
تركتهم يتكلمون ويطلعوا اللي جواهم، قالوا: 
 
الله يخرب بيت الفقر،  ويلعن الأيام السودا،  اللي بهدلتنا ورمتنا في الشوارع،  الناس ينظرون إلينا بإزدراء من عل،  لأننا دون المستوي! 
 
ههم ينظرون إلينا،  مِنْ فوق لأننا دائما تحت أقدامهم،  مُفترشين الطرقات بكرتونة مُمزقة بعد أن ألقوا بها في الزبالة،  أو جزء من بطانية أو لحاف قديم تعاف الحيوانات من الجلوس عليه .. هم دائما فوق،  ونحن دائما تحت!
 
هم يجلسون علي فوتيهات،  مقاعد سيارات فارهة فخمة،  حتي في أماكن أعمالهم يجلسون علي مقاعد صحية مريحة للحفاظ علي أجسادهم سليمة .. هم دائما يجلسون برفاهية،   ونحن دائما نجلس علي أرصف الطرقات!
 
هم يلتحفون بالمعاطف الصوفية أو المحشوة بالريش،   يلبسون القفازات والإيشاربات والملفحات،  لتحميهم مِنْ البرودة القارسة،  ويمارسون حياتهم داخل مباني تحميهم من حر الصيف وبرد الشتاء، نحن نلتحف بملابس رثة وأغطية بالية،  وننام فوق فتحات أجهزة التكييف والمسخنات الموجودة أسفل االمباني الضخمة في وسط البلد،  وقد نموت من قسوة المناخ ولا أحد تلتهب مشاعره مِنْ أجلنا  .. هم دائما ينعمون بالدفء،   ونحن دائما نبحث عن مصدر الدفء لكي نبقي علي قيد الحياة أو لكي تستطيع أن تغفو عيوننا! 
 
هم دائما يجرون لكي يلحقوا مواعيد دراستهم وعملهم،  يجرون في الشوارع ومحطات القطار والأندرجروند،  ونحن أيضًا نعمل،  نحن دائما في انتظار مرورههم علينا سواء في ذهابهم للعمل أو للعودة إلي منازلهم، ربما يتحننون علينا ببعض الفكه .. ههم دائما عندهم أعمالهم ونقودهم،   ونحنُ بِلا عمل ..  بِلا نقود!
 
قطعت حديثهم وقلت:  يبدو أنكم أغنياء وتمتهنون الشحاتة لكسب الأموال بدون وظائف،  تغيرت ملامحهم وأخذتهم نخوة الكرامة وقالوا:  نحن شرفاء،  ولو كُنا كذلك ما كان كثيرين مننا يموتون بسبب المناخ القاسي وخصوصا عندما تهاجمنا وتحاصرنا العواصف الثلجية.
 
ضحكت وقلت لهم: أنني فقط أضحك وأمزح،   لأنني وجدتكم ترتدون بنطلونات جينز مُمزقة كما أنا!
 
قالوا:  أنتُم تنظرون إلينا،  علي أننا  صراصير تحت أقدامكم،  تتخيلون أننا لا نعلم كيف تُفكرون،  نعم نحن شحاتين ولكننا نعلم جيدا كيف تدور الحياة من حولنا!
 
سنقول لكِ علي سِرْ:  نحن رفعنا قضايا علي مصممي الأزياء،  اللذين استوحوا تصميمات أزياءهم من ملابسنا،  أنهم يسرقوننا، أنهم يكسبون الملايين بسببنا،  ونحن نعيش في الشوارع،   بدون مأوي،  بدون أحيانا ما يسد رمقنا.
 
ضحكت وأعتقدت أنهم يُمزحون،  قالوا: قريبًا سوف تعلمين من وسائل الإعلام أننا قاضينا هؤلاء وسنكسب القضية،  وحين ذلك سوف نُصبح أثرياء وليس شحاتين في الشوارع،  نحن نعيش بيقين،  وعلي أمل أن يتغير الحال من الأسوأ للأحسن،  من فضلك أترُكي لنا وسيلة الإتصال بك لأنه قريبا سوف نعمل حفلة كبيرة وسنرسل لك دعوة للحضور عندما نكسب القضية.
 
شكرتهم كثيرا علي هذه الجلسة الشوارعية،  والحوار الممتع الذي بدون أقنعة،  وبدون تكلف خلف الملابس المُتأنقة،   والأماكن المُكيفة،  ذات الجو الروماتسي والديكورات الجميلة،  أنها جلسة صدق والخوض في مشاكل أساسية،  قد يواجهها أي مجتمع وأي دولة،  عندما يتجاهلون أصحاب هذه المشاكل،  لأنهم بسطاء مسلط علي رقابهم،  سيف الفقر الذي لا يرحم من يأتي تحت منه.
 
أعطيتهُم علبة السجاير والولاعة،  ومبلغ من المال لكي يذهبوا لتناول العشاء،  وأعطيتهم كارت معلوماتي لكي نكون علي إتصال،  وأعطيتهم أيضا تمنياتي بأن يكسبوا القضية،  واستأذنت منهم لكي أستطيع العودة لمنزلي.
 
حقيقي رجعت مبسوطة جدًا،  من إصرارهم علي رفضهم للوضع الصعب الذي يعيشون فيه،  وأنهم دائمو البحث عن تغيير الأحوال من الأسوأ للأحسن، هذا التفكير والإصرار علي التغلب علي الظروف الصعبة،  هو أصعب قرار في حياة الإنسان.