الأقباط متحدون - الدعم لمستحقيه
  • ١٠:٣٣
  • الثلاثاء , ٨ نوفمبر ٢٠١٦
English version

الدعم لمستحقيه

مقالات مختارة | د. عماد جاد

٤١: ٠٧ ص +02:00 EET

الثلاثاء ٨ نوفمبر ٢٠١٦

د. عماد جاد
د. عماد جاد

أخيراً وبعد سنوات طويلة التردد، وتحديداً منذ أن تراجع «السادات» عن قرارات رفع أسعار بعض المواد الأساسية فى يناير ١٩٧٧، وُجد على رأس الدولة من امتلك شجاعة اتخاذ قرارات حتمية، وهى تخفيض الدعم على الوقود، وتعويم العملة المحلية فى بداية عملية الخروج من منظومة الدعم العينى، فلا توجد دولة فى العالم حققت قفزات تنموية دون الخروج من منظومة الدعم العينى واستبدال هذه المنظومة بنظام الدعم النقدى الموجه مباشرة إلى مستحقيه، وبالتالى فإن لهذه المنظومة شقين: الأول الخروج من منظومة الدعم العينى، والدخول مباشرة فى منظومة الدعم النقدى، ولا بد أن تبدأ الثانية بمجرد الخروج من الأولى، فلا يجوز الانسحاب من منظومة الدعم العينى دون الدخول مباشرة فى منظومة الدعم النقدى. والهدف الحقيقى من اتباع منظومة الدعم النقدى هو توفير مبالغ مهدرة تصل إلى أيدى غير المستحقين، وضرب منظومة الفساد التى تغذَّت على منظومة الدعم العينى، وإعادة توجيه الفائض من التحول إلى الدعم النقدى لصالح قطاعات أخرى أَولى بالرعاية والاهتمام، وأخيراً إنهاء حالة الاتكالية على الدولة، واقتصار دور الدولة على وظائفها الأساسية.

من ناحية أولى يمكن القول إن التحول من منظومة الدعم العينى إلى النقدى سوف يوفر للدولة، وفق الموازنة الجارية قرابة مائتى مليار جنيه مصرى، فإجمالى الدعم فى ميزانية ٢٠١٥ - ٢٠١٦ يصل إلى ٢٢٠ مليار جنيه، هذا فى حين أن تكلفة الدعم النقدى لنحو عشرين مليوناً (متوسط خمسة ملايين أسرة) لن تتجاوز ٢٠ مليار جنيه فى السنة.

ومن ناحية ثانية، يمكن توجيه هذه المبالغ إلى مجالات خدمة الفئات المستحقة من المصريين مثل التعليم العام والصحة والإسكان وخدمة البنية التحتية على نحو يصب مباشرة فى صالح الفئات المستحقة التى تحصل على التعليم العام، وفى حاجة للحصول على خدمات العلاج عبر شبكة المستشفيات العامة، إعادة توجيه الفائض فى الموازنة لصالح المجالات التى تتعامل معها مباشرة الفئات المستحقة تحقق الهدف المنشود، ومن ثم يتم تخفيف أعباء عملية التحول عن كاهل الفئات الضعيفة فى المجتمع المصرى. أيضاً فإن التحول من منظومة الدعم العينى إلى النقدى سوف يضرب منظومة فساد فى القطاعين العام والخاص توحشت على مدار السنوات الماضية، وتغذت على نهب المال العام واقتسامه بين الجانين، مثال ذلك منظومة تسلم واستيراد القمح، منظومة الخبز، وتوزيع أنابيب البوتاجاز والمواد التموينية وغيرها.

ولعل من أبرز نتائج التحول من منظومة الدعم العينى إلى النقدى إنهاء حالة الاتكالية الشعبية على الحكومة، فقد تولدت على مدار عشرات السنين، ومن خلال منظومة الدعم العينى، حالة من الاتكالية على الدولة باعتبارها المسئول عن توفير متطلبات الحياة للمصريين، والمسئول عن تشغيلهم بمجرد التخرج، وبصرف النظر عن حاجة العمل، الأمر الذى ترتب عليه تضخم الجهاز الإدارى للدولة، ووصوله إلى أكثر من سبعة ملايين موظف لا تحتاج الدولة إلى أكثر من ربعهم، ولأجل الأمان الاجتماعى لا يمكن الاقتراب من هذا الجهاز المتضخم، فى نفس الوقت لا يمكن بدء عملية تنمية حقيقية بهذا العدد الضخم، الذى بات معرقلاً لأى جهد إصلاحى وتنموى، ولذلك فإن إعادة ضبط وظائف الدولة ومسئولياتها يتطلب إنهاء حالة الاتكالية على الدولة، ودفع ثمن ذلك عبر تعويض المضارين تعويضاً ملائماً.

المهم هنا إعداد قاعدة بيانات شفافة عن شرائح المجتمع المختلفة، وتحديد الفئات المحتاجة للدعم النقدى بدقة شديدة بعد مراجعة وضبط القوائم، وفقاً لمعلومات حقيقية حول القطاع غير الرسمى فى البلاد، الذى يحقق مكاسب تفوق أحياناً القطاع الرسمى، ومن ثَم لا يندرج أفراده ضمن الفئات التى تحتاج للدعم النقدى، وأخيراً التفكير الخلاق فى سبل دعم الطبقة الوسطى لمنع انهيارها، وتحديد الشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى، وربما أيضاً شرائحها الوسطى التى تُعرف فى علم الاجتماع بشريحة أو فئة «وسطى - وسطى».
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع