الأقباط متحدون - الثلاثية المقدسة
أخر تحديث ١٣:١٨ | السبت ٢٧ اغسطس ٢٠١٦ | مسري ١٧٣٢ش ٢١ | العدد ٤٠٣٣ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

الثلاثية المقدسة

د. محمود خليل
د. محمود خليل

هل استمعت إلى أغنية الثلاثية المقدسة بصوت كوكب الشرق أم كلثوم، وكلمات صالح جودت، ونغمات العملاق رياض السنباطى؟ لو أنك استمعت إليها فربما شاركتنى الإعجاب بذلك المقطع الموسيقى الذى يسبق تناول الشاعر للمسجد الأقصى، حيث تختلط الأنغام المعبرة عن صوت أجراس الكنائس، بالصوت المنطلق بالأذان. لقد شاء الشاعر وأراد الملحن وعبر الصوت عن حالة التناغم والانسجام ما بين الأصوات الداعية إلى الله داخل المساجد والكنائس. أرجو أن تستمع إلى هذه الأغنية إن لم تكن قد فعلت من قبل، وستجد متعة روحانية خالصة يندر أن تظفر بها فى غيرها.

أقول هذا الكلام بمناسبة الجدل المثار حول قانون بناء الكنائس، خصوصاً المادة التى تتعلق بشكل الكنيسة كمبنى محاط بأسوار دون أن تحدد وجود قبة أو صليب، وهو الأمر الذى أثار غضب الأقباط، وعكس فى الوقت نفسه نوعاً من الاسترضاء للتيارات السلفية أو المتسلفين. من المعلوم أن مصر من الدول التى تقلبت على أديان كثيرة، بدءاً من العصر الفرعونى وحتى دخول الإسلام، وفى كل الأحوال كان التعبير الدينى يعد تنويعاً على أصل واحد، هو الأصل الفرعونى، فأصل الأبراج والقباب والمآذن فى مصر يرتد بجذوره إلى المسلة الفرعونية التى ترمز إلى المعابد فى هذا العصر، هذه المسلة تحولت إلى برج من فوقه صليب تعبيراً عن الكنيسة، وتحولت بعد ذلك إلى مئذنة فوقها هلال تعبيراً عن الإسلام، الأصل دائماً لدى المصريين واحد، مهما تنوعت أشكال التعبير الدينى لديهم، فنحن شعب يجيد تطبيق مبدأ «الوحدة فى إطار التنوع»، هذا المبدأ المنغرس فى قلب وعقل الثقافة المصرية يقف شاخصاً وراء أنغام وتعابير قصيدة «الثلاثية المقدسة».

ثمة سؤال يتعلق بما حدث للمصريين منذ السبعينات التى شهدت إنتاج هذه القصيدة والفترة الحالية، كيف كان قبول الآخر والاحتفاء بفكرة التنوع والاستمتاع بها أمراً طبيعياً خلال هذه الحقبة، ولم يعد كذلك اليوم؟ هل يمكن أن يكون نمط الأغانى هو السبب؟ قد يكون.. فصالح جودت الذى كتب «من مهبط الإسراء فى المسجد.. أسمع فى ركن الأسى مريما.. تهتف بالنجدة للسيد»، يختلف عمن يكتبون اليوم. صالح جودت كان صحفياً وشاعراً وقصاصاً ومثقفاً لامعاً، «راجل متكون» غير «ناقصى النمو» الذين يملأون حياتنا سخفاً هذه الأيام، ورياض السنباطى عاش راهباً فى محراب فنه، لم يكن ظاهرة تليفزيونية أو دعائية مثل أناس، بل كان مترفعاً عن اللهاث وراء الإعلام أو السير فى ركاب الحكام، ما كان يشغله مثل أبناء جيله هو النجاح فى التعبير عن الوجدان الشعبى، وترجمته إلى فن قادر على تغذيته من جديد، أما أم كلثوم، فلا كلمات تكفيها.. يكفى فقط أن نذكر الاسم.

الكثير من الأزمات التى نعيشها هذه الأيام تعبر فى جوهرها عن حالة ثقافية أصابها العطن، وتعكس سنين طويلة من اجتهاد قوى شيطانية فى نحر وتجريف قيم هذا الشعب، فأفقدته مرونته، واحتفاءه بالتنوع، وترحيبه بالمخالف له فى الفكر أو العقيدة.. وسلم لى على الأزهر ووزارة الثقافة!
نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع