الأقباط متحدون - «العصرة الاقتصادية».. والفتنة
أخر تحديث ١٣:١١ | السبت ٣٠ يوليو ٢٠١٦ | أبيب١٧٣٢ش ٢٣ | العدد ٤٠٠٥ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

«العصرة الاقتصادية».. والفتنة

د. محمود خليل
د. محمود خليل

يساق فى مدار تفسير أحداث الفتنة التى شهدتها بعض المحافظات مؤخراً، وعلى رأسها محافظة المنيا، العديد من الأسباب، من بينها: الجهل والتعصب، والتردى الذى أصاب الخطاب الدينى، وغياب قانون حاسم لبناء دور العبادة، وهى أسباب متجذرة فى الواقع، لم تتعامل معها الحكومات المتلاحقة بما يليق بمستوى خطورتها، وبإمكاننا أن نصف هذه الأسباب بـ«الأسباب النائمة للفتنة»، فهى أسباب قائمة ومتحققة فى كل العصور، وهى أسباب نائمة لأنها كامنة تنتظر فقط الأجواء المناسبة للظهور، لتظهر وتهدد المجتمع، ومثلها فى ذلك كمثل «الفيروس» الذى يمكن أن ينام فى الجسم سنين عددا، ليظهر دون سابق إنذار لعلة مفاجئة أصابته، هيأت الظروف للفيروس لكى ينحر فى الجسم. فى هذا السياق تستطيع أن تفهم حديث النبى صلى الله عليه وسلم: «الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها»، فالفتنة تخلد إلى النوم حتى يظهر سبب يمكن أن يوقظها، فما هو السبب الذى أدى إلى إيقاظ الفتنة، حيث استيقظت، مؤخراً؟

فى تقديرى أن «العصرة الاقتصادية» الأخيرة التى يعانى منها المواطن يمكن أن تكون السبب المباشر أو العلة المفاجئة التى أدت إلى اشتعال أحداث الفتنة، الكثيرون هذه الأيام يعانون عصرة غير مسبوقة جراء ارتفاع الأسعار، بدءاً من سعر علبة السجائر، وانتهاء بعلبة الدواء، وحدث ولا حرج على ما بينهما من سلع، قد يقول قائل المعاناة الاقتصادية ليست جديدة، وهى قاسم مشترك أعظم بين أجيال المصريين فى كل العصور، فمنذ متى اختفت المعاناة فى بر المحروسة، أو غيره من البرور؟ هذا الكلام صحيح بلا جدال، فما أكثر الطبول التى دقت على رأس هذا الشعب، لكن إحساس المواطن بـ«العصرة الاقتصادية» الحالية مختلف من عدة وجوه.

الوجه الأول أنها «عصرة» تجتاح كافة السلع والخدمات، الضرورية والكمالية، وتضرب فى كل الاتجاهات، فقد تمكنت من الطبقتين الوسطى والفقيرة، بل وأصابت برذاذها فئات أعلى، الوجه الثانى للاختلاف يرتبط بإحساس لدى المواطن بأن العصرة الاقتصادية الحالية لا تماثل ما سبقها من «عصرات»، تواصلت لفترات زمنية ثم اعتدل الحال. فالكثيرون يقدرون أنها ستعشش معهم فترة لا بأس بها، ولن يشهد المستقبل القريب حلولاً ناجزة لها، بل تمدداً جديداً لتأثيراتها إلى جوانب أخرى فى الحياة والمعيشة، وترتب على ذلك الدخول فى حالة يأس من فكرة الحل القريب. الوجه الثالث للاختلاف يتعلق بحالة «وقف الحال» التى يعانى منها المواطن خلال السنوات الأخيرة، نتيجة إغلاق بعض المصانع، واعتلال الاستثمار، وتوقف السياحة، فأى «عصرة اقتصادية» -مهما كانت حدتها- يمكن أن تهون إذا كان «الحال ماشى»، وبمقدور المواطن أن يجد مساحات للعمل يحصل من خلالها على دخل شريف يساعده على تحمل نتائج «العصرة»، وهو أمر غير حادث.

الضغط يولد الانفجار، والقهر يسبب العنف، والعصرة الاقتصادية الحالية يمكن أن تكون سبباً مباشراً لاستيقاظ الفتن التى شهدتها محافظة كالمنيا، وظنى أن تحسين شروط الحياة يؤدى إلى تنويم أى نزعات عنفية لدى الإنسان، لأنه يملك فى مثل هذه الأحوال ما يحرص على المحافظة عليه، لكن الأمر يختلف عندما يعيش حياة ضاغطة ومريرة، تبرر له الانفجار على أقرب رصيف من أرصفة العنف.. لأن كله محصل بعضه..!
نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع