الأقباط متحدون - الربيع.. والحب فى «طلخا»
أخر تحديث ٠٨:٢٣ | الاثنين ٩ مايو ٢٠١٦ | ١بشنس ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٢٣ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الربيع.. والحب فى «طلخا»

عاطف بشاى
عاطف بشاى

أريد امرأة.. أى امرأة.. الجملة السابقة هى استهلال بليغ بدأ به الأديب الكبير قصته.. «الحب فوق الهضبة».. هى صرخة مدوية لشاب يزعم أنه مواطن بدرجة مقبولة.. شهد رأسه حواراً طويلاً عن الفقر والتخلف والأمن والديمقراطية والإرهاب والعلاقة بين العالم المتطور والعالم الثالث.. ما إن ختم حياته الدراسية حتى التحق بالوظيفة.. فعرف الفراغ والبطالة.. تضخمت همومه الشخصية.. الجنس أصبح محور حياته وهدفها، فهو قوة مطاردة ومهددة رغم بعده عن المجون ورفضه للإباحية وأمله فى حياة شرعية مستقرة.. يعيّن «على عبدالستار»، وهو فى السادسة والعشرين، بليسانس حقوق فى مصلحة حكومية. موظف زائد على الحاجة، فلما انبثق الجنس.. انفرد به فى عصر الفراغ.. ومن زجاج نوافذ المصلحة يتطلع إلى شرفات العمارة المقابلة مترقباً ظهور أنثى وطيلة الوقت يتخيل مواقف ومناظر جنسية.. يتسلل إلى شارع «قصر النيل» مع الضحى.. لا يعنى إلا برصد النساء.. هن همه وحياته.. ينقل نظراته المحمومة من السيقان إلى الصدور إلى الأعين.. لا يغيب عنه ما يقال عن الزواج وتكاليفه «يلزمنى قرن من الزمان لاقتصاد نفقات زيجة عادية.. إنه طريق مسدود تماماً»..

يلتقى «على» فى مقهى بوسط البلد بالصحفى القديم.. يقف أمامه مردداً: أريد أن أستشيرك فى أننى أعانى أزمة جنسية.. الزواج مستحيل، والانحراف خيالى التكاليف.. ما العمل؟!..

- لا يوجد جواب جاهز.. يمكن أن ننتقد تقاليد الزواج السخيف.. يمكن أن نتحدث عن واجب وزارة الإسكان.

- وهل أنتظر أنا حتى يتم هذا الإصلاح.

- ماذا أقول؟!.. كم من الأجيال أجهضت فى تاريخ البشرية.

تقتحم حياته موظفة جديدة جذابة.. يتعلق بها.. يتعاهدان على الحب والزواج.. يعلنان خطوبتهما متحديين أن يفرق بينهما شقة وأثاث ومهر.. ثم يعلنان التحدى الأكبر: الزواج.. رغم رفض الأهل.. يختلسان الحب فى حجرات فنادق رخيصة وبنسيونات.. اليأس والاكتئاب يسيطران عليهما.. ويحسان بالإهانة.. ويعاملهما شرطى بارتياب من يضبط امرأة رخيصة وذئب متحرش.. يصبح الطلاق حتمياً، ويقذف «على» ببدلته فى وجه الهرم..

تمر سنوات القهر بطيئة ويجرى فى النهر مياه كثيرة.. وتتغير العهود وتتجدد الصرخة المدوية يطلقها الفقر حيث ترتفع الأسعار وهم ينخفضون.. كانوا طبقة وسطى فأصبحوا طبقة دنيا.. والمتحرش الصغير كالكبير يسقط فى براثن «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر».. وثقافة الحلال والحرام..

الحياة عبء ثقيل خاصة للشرفاء.. والرغبة الجامحة لم تعد حقاً إلا للقادرين.. سوف ينقضون عليه متلبساً بالتحرش أو عازماً عليه.. أو متهيئاً له.. لن ينتظروا عليه حتى يطفئ ناره المتأججة..

إنه هذه المرة شاب مصرى يبلغ من العمر (38) سنة.. وليست له مهنة ثابتة.. يشكو أن عدم وجود شقة لديه هو سبب إلغاء الخطبة كلما تقدم لإحدى الفتيات..

انقض فجأة على عضوه الذكرى وقطعه على مرأى ومسمع من العشرات ممن كانوا موجودين على كورنيش الإسكندرية بمنطقة المنشية منذ عدة أشهر..

يحدث ذلك بعد ثورتين تدثرتا برداء العدالة الاجتماعية شعاراً لهما.. لكن الثورات التى تقوم باسم الفقراء ويستخدمون وقوداً لها حين يحين وقت الحصاد وقطف الثمار لا يلقى لهم حتى بالفتات.. بل يتفحمون داخل قطارات صدئة وتتناثر أشلاء صغارهم على مزلقانات الموت، ويغرقون فى عبارات متهالكة منذ «مبارك» وحتى اليوم.. ثم يتفشى الإرهاب وينتشر العنف.. ويسود القبح.. ويسيطر فقهاء التكفير والإقصاء ويوضع أصحاب الفكر فى السجون.. وتتفاقم الأزمة الاقتصادية وتظل العشوائيات رابضة شاهدة على الظلم الاجتماعى.. وأولاد الشوارع تتخم بهم الشوارع والأرصفة.. ويأتى الربيع هذا العام فيصطبغ بصبغة كابية مقبضة ويبدو وكأن حلوله من حماقات الطبيعة وتطفل منها على مناخ كئيب لا يناسبه ولا يليق به.. فأى ربيع ذلك الذى يأتى متآخياً مع عيد الحرية العالمى.. بينما القبضة الأمنية تقتحم معقل الحريات.. وقد أصروا على أن يكون يوماً للرثاء لا البهجة.. ومع ذلك.. ورغم اليأس.. ورغم القتامة.. يخرج بسطاء الوطن إلى الحدائق والمتنزهات فى كل أرجاء مصر يوم عيد شم النسيم.. يروّحون عن أنفسهم المجهدة عسى أن تمر نسمة مرطبة أو تطل بسمة عابرة..

لكن حتى حيوانات حديقة الحيوان بالفيوم لا تنعم بلحظة سلام أو أمان فقد شهد رواد الحديقة حادثاً فريداً عقب نشوب مشاجرة وتدافع بين إناث «السيد قشطة» الثمانى أثناء وجودها فى المياه بالمكان المخصص لها فى الحديقة، حيث تنقض سبع منهن على الثامنة الحامل فى موسم التزاوج (متوسط عمرها من 12-13 ووزنها 2 طن)، وتفتك بها على أثر اشتعال نار الغيرة والحقد عليها لاستئثارها بحب وعطف (السيد قشطة) الذى يتوق شوقاً إلى مولود جديد..

لكن هناك شلة من شباب المحبين فى «المنصورة» يحاولون أن ينتصروا للحب والحياة.. ويبحثون عن ضوء خافت فى نهاية نفق الأيام الممرورة.. يستنسخون فكرة وضع أقفال حديدية على الجسر بكوبرى «طلخا» يكتبون عليها أسماءهم ويقذفون بالمفاتيح فى النيل لتوطيد وتقوية وترسيخ علاقات الحب بينهم.. والحفاظ عليها على طريقة الحب الفرنسى و«جسر الفنون» المطل على نهر السين بباريس الشهير بأقفال الحب للعشاق.. يذهبون إلى هناك فى أعياد الحب والربيع ويختلسون من الزمن لحظات سعادة.. ما إن قرأت الخبر فى جريدة حتى تبدد اكتئابى المزمن.. وانفرجت أساريرى.. وتصورت أن زمن الرومانسية الجميل قد أطل من جديد على استحياء، تمهيداً لأن يعم فى القريب أرجاء البلاد ويضم فى أحضانه البشر.. كل البشر.. مبشراً بيوتوبيا جديدة يسودها الحب والوئام.. وشفافية الروح وعطر الأحباب ورحيق الوله والهيام ولهيب الأشواق ولهفة اللقاء.. وذوبان الحبيب فى المحبوب وأشعار «رامى» وشدو «حليم» والشعر الحرير على الخدود بيهفهف.. و«أم كلثوم» وأخاف أسرح تفوتنى لمحة منك «و «عبدالوهاب» وجفنه علم الغزل.. وانتصار «نزار قبانى» للعشق والجنون.. وتبشير «إحسان عبدالقدوس» «بجمهورية الحب».. وبكاء «العقاد» الجبار بين يدى «مى زيادة» متوسلاً مغفرة الخيانة ومتلهفاً لمعاودة الوصال وخلود رسائل «جبران خليل جبران» لها.. ورسائلها إليه..

لكنى صدمت، وأنا أتابع ردود الأفعال من شباب هذا الزمان الفظ.. زمن أصبح فيه الحب الرومانسى ذو الطابع السينمائى الشاعرى -من وجهة نظرهم- «عبطاً» و«غباء».. و«خيالاً مريضاً».. وأصبح التعبير عنه -إذا وجد- يتم بأسلوب غليظ وألفاظ سوقية سواء فى الواقع أو على شاشة السينما من عينه: «باحبك فشخ» و«أديك فى الجركن تركن»..

على صفحات التواصل الاجتماعى، كتب أحد الشباب ساخراً من الفكرة: «من البداية حياتهم كلها أقفال وعقد ومشاكل» وكتبت فتاة: «هبل وتقليد ماسخ»..

المصيبة أن الحرامية المحششين ممكن يفتكروها أقفال محلات ويكسروها، وأضافت أخرى: طيب.. جسور فرنسا بتتحمل وجود أقفال.. ورغم ذلك زاد الحمل أوى اليومين دول.. فبدأوا يشيلوا شوية علشان يقللوها.. بالنسبة لنا الجسور بتقع من غير حاجة.. حايحطوا كمان أقفال؟!..

وذلك بالإشارة إلى أن «فرنسا» بدأت فى إزالة الأقفال التى امتلأ بها.. جسر الفنون.. الملقب «بجسر الحب» خوفاً من انهيار الكوبرى بسبب زيادة الأحمال.. وزيادة الأحمال.. بالطبع تعنى زيادة أعداد المحبين والعشاق الذين يتنفسون وداً ووئاماً وصفاءً.. وتصالحاً مع النفس وتكيفاً مع واقع أكثر نقاء وسلاماً وإنسانية..

فهل نلوم شبابنا الذى لم يعد قادراً على تجاوز قبح زمانه وقسوته.. فجاراه قبحاً بقبح.. وازدراء بازدراء.. فكيف يولد «الحب» فى رحم وطن يجهض الأحلام المشروعة.. ويخنق شموع التنوير.. ويصادر نسائم الربيع؟!.
نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع