الأقباط متحدون - الإجهاد الحرارى.. والإهمال الاختيارى
أخر تحديث ١٨:١٧ | الاثنين ١٧ اغسطس ٢٠١٥ | ١١مسرى ١٧٣١ ش | العدد ٣٦٥٥السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الإجهاد الحرارى.. والإهمال الاختيارى

 د.محمود خليل
د.محمود خليل

ما يقرب من مائة قتيل، ومصابون يعدون بالمئات، سقطوا خلال أسبوع، بسبب موجة الحر الأخيرة التى اجتاحت البلاد. مصر ليست استثناء فى ذلك، فقد سقط ضحايا للحر أيضاً فى عدد من الدول، أقربها بالنسبة لنا هى السودان. «الصحة» فى مصر أتحفتنا بوصف لافت لسبب الوفاة، حيث حدثنا المسئولون بها عما يسمى «الإجهاد الحرارى»، وأنه السبب المباشر وراء هذا العدد الكبير من الضحايا، وهو إجهاد ناتج عن التعرض لحرارة الشمس لفترات طويلة، بما يؤدى إلى أن يفقد الجسم ما فيه من سوائل وأملاح، وبالتالى يمكن أن نستنتج من كلام «الصحة» أن الضحايا تعرضوا للشمس لفترة طويلة، الأمر الذى تسبب فى إجهادهم حرارياً!

العلاقة بين المواطن ووزارة الصحة فى مصر ليست على ما يرام، وأبرز معالم توتر هذه العلاقة يرتبط بعدم تصديق البعض للأسباب التى تسوقها الوزارة لسقوط مثل هذا العدد من الضحايا، خصوصاً أن من بينهم شباباً لا يعانون مما يعانى منه كبار السن من أمراض تهيئهم لعملية الافتراس الحرارى، ورغم كثرة ضحايا ما يسمى «الإجهاد الحرارى» بمحافظات الوجه القبلى، فإن ثمة ضحايا أيضاً فى محافظات يعتبرها المصريون مصايف، مثل محافظة الإسكندرية والإسماعيلية التى ظهرت بها بعض الإصابات مؤخراً، كما أن البعض لا يستطيع أن يبرر أن يزيد عدد ضحايا الإجهاد الحرارى فى مصر عن العدد المعلن عنه فى دولة مثل السودان، يعيش أهلها على خط الاستواء!

لقد بلغ الذعر بالبعض حد الحديث عن وجود وباء مجهول يحصد الأرواح، وأن وزارة الصحة تتحدث عن الإجهاد الحرارى لتتستر على ما هو أخطر. وهذا الكلام غير منطقى ويفتقر إلى المعقولية، لأن مصر ليست الدولة الوحيدة التى سقط فيها ضحايا جراء الارتفاع غير المسبوق فى درجات الحرارة، بل هناك دول كثيرة حدث بها ذلك، من بينها السودان، كما ذكرت لك. والسؤال: أين تكمن العلة، وما هو السبب وراء كثرة عدد الضحايا فى مصر؟ مؤكد أن السبب معلوم للجميع، وهو الإهمال الذى يعد ملمحاً أساسياً من ملامح الأداء داخل المستشفيات العامة والخاصة فى مصر، وهو جزء من ثقافة عجيبة وجدت طريقها إلى المصريين، تدفعهم فى بعض الأحوال إلى استرخاص حياة بعضهم البعض، يدعم من هذه الثقافة عدم وجود آليات للمساءلة أو العقاب من جانب السلطة المسئولة. العلة فى أن الحياة أصبحت رخيصة فى نظر البعض، وبالتالى لا داعى لإجهاد النفس فى علاج آثار الإجهاد الحرارى، خصوصاً إذا كانت أغلب الحالات التى تعانى من ذلك تنتمى إلى محافظات الصعيد وأهله المغلوبين على أمرهم! إن هيئة الأرصاد تصدع أدمغتنا ليل نهار ببيانات عن ارتفاع درجات الحرارة، وأظن أن المسئولين لا يهتمون بمتابعة مثل هذه الأخبار، لأنهم لو كانوا يهتمون لأعدوا العدة لمواجهة الآثار المترتبة على ذلك، وإنقاذ أرواح البشر الذين يمكن أن يتأثروا بها. من الوارد فى الظروف العادية أن يهمل الإنسان بعض الشىء، وجل من لا يسهو، لكن أن يهمل الإنسان فى الظروف الاستثنائية والطارئة، فذلك هو الإجرام بعينه، وهو إجرام يصح أن يتواصل، إذا لم تكن هناك مساءلة عليه. إن السبب الأخطر لسقوط ضحايا الحر فى مصر هو الإهمال الاختيارى.. وليس الإجهاد الحرارى.

نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع