الأقباط متحدون - أمانة «الفساد»..!
أخر تحديث ٠٥:٢٦ | الاثنين ١٧ اغسطس ٢٠١٥ | ١١مسرى ١٧٣١ ش | العدد ٣٦٥٥السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

أمانة «الفساد»..!

مصطفى حجازي
مصطفى حجازي

مصر فى لحظة تطهر إنسانى توجبت.. وليس لها أن تتأخر أو تتململ..!

ولأن كل أمة أرادت أن تبقى أو أن يكون لها مكان فى التاريخ بدأت بأن تطهرت إنسانيا.. توجب علينا أن نناقش بغير تشنج ولا تنطع استحقاقات هذا التطهر.. وإلا نكون قد فرطنا..!

سمعنا فى السياسة وإدارة الشأن العام عن أمانة «التنظيم» وأمانة «السياسات» وأمانة «الإعلام» للأحزاب.. فهل سمعنا عن أمانة «الفساد» من قبل ياتُرى..؟!!

وقابلنا فى شأن المجتمعات والدول مصلحة «الأمن» العام ومصلحة «النقل» العام.. فهل قابل أحدنا مصلحة «الهزل» العام..؟!!

قبل أن تضحك وتظن أننا نتحدث عن أمور عبثية.. أقول لك إنى لا أعتقد أننا سمعنا عن أى منهما.. لا لسبب إلا لأننا مجتمعات نحيا بهما كالهواء لا نكاد نراه..!

ونحن من أصلّ قاعدة أنه لا بقاء لـ«فساد» سلطة أو «فساد» محكومين بغير مناخ مؤسسى من «الهزل» والخفة ومجافاة المنطق يجعل منهما فلسفة حياة ومنهاج عمل ومعيار تقييم..!

الفساد والهزل فى موضع الجد نقيصتان إنسانيتان ليستا حكراً علينا مصريين وعرباً.. ولكن ما تفردنا به أننا مأسسنا كل منهما..!

فبغير تَزَيُّدٍ.. مؤسستا «الفساد والهزل» هما إبداع مصرى متأخر وبامتياز..!

«الفساد» ياسادة.. ليس فقط فى التربح بغير حق أو الرشا أو سرقة أقوات الشعوب.. الفساد هو كل إدارة للأمور- من سلطة أو محكوم - بغير أهلية وعلى غير ما جُعِلَت له..!

الفساد هو فى انتحال صفات ليست من حق منتحليها.. وفى احتكار ما ليس من حقهم احتكاره.. فاحتكار «الدين» فساد.. واحتكار «الوطن» فساد.. واحتكار «الحُلم» فساد.. واحتكار «الأمل» فساد.. انتحال «المظلومية» فساد وانتحال «الكمال» فساد..!

«الفساد» لا يخشى شيئا أكثر من خشيته «الجدية»..!

فالفساد يعرف أن «الجدية» تستدعى المنطق ووزن الأمور والمساءلة والمحاسبة.. وأن «الهزل» هو مدخل للهرج ولقتل المنطق بالصخب وللتدليس والمجون السياسى والابتزاز العاطفى والوطنى..!

«الفساد» لا يقوى أن يعيش.. إلا بمحيط إنسانى «قابل للاستغفال» وبقدر محنك من «التغابى» يعينه على التَسَيُّد.. ولا مدخل لخلق القابلية للاستغفال لدى الجموع.. أو للإعانة على التغابى إلا بإشاعة مناخ «الهزل» العام..!

و«الهزل» ليس بسطحية تعريفه كأنه السخرية.. فالسخرية أحيانا من الهزل ذاته تكون عين الجد..!

ولكن «الهزل» هو ألا تفكر وألا تتأمل ولا تسأل نفسك عن منطق وجدوى ما يدور حولك أو ما أنت ضالع فيه.. أو عن قيمية حالة أنت فى وسطها..!

«الهزل» فى أن تُساق مع الجموع أو تَسوق الجموع غير عابئ بوجهة.. أكثر من اهتمامك بالحشد والمسير.. أو غير مكترث لِعِبَرِ تاريخ وسنن لترقى الشعوب أو ضياعها..!

«الهزل» أن باسم كل قيمة نُضَيِّع ذات القيمة.. فباسم استعادة الثقة نعمق جذور التوجس.. وباسم إحياء الانتماء نميت كل أسباب اليقين بملكية الوطن..!

«الهزل» أنه باسم الانتصار للخُلُق نُسَيِّد أَعلام البذاءة والبلطجة وبغايا السياسة على وجدان الناس بل ويصيرون هم المرجع والمبتغى ومحلاً للقبول الرسمى وعلامات الهدى لمستقبل قُدِمَت من أجله أرواح طاهرة ونور أبصارٍ لمصريين كان كل جُرمُهُم أنهم حَلِمُوا بغد أفضل..!!

و من هزلنا فى شأن «الأمل».. أننا نبتذله من مرتبة «الإلهام» إلى درك «الإلهاء»..!

فبعد أن أهدتنا مصر ولم تزل لحظتين لأمل مستحق فى يناير ٢٠١١ ويونيو ٢٠١٣ لكى ننفض غبار التدنى والتراجع والكذب.. لحظتين من فرط تفردهما يكاد يَصدُق فيهما وصف بن رشد وكأننا خرجنا من الـ«ليس» إلى الـ«أيس» (أى خرجنا من العدم الى الوجود).. فإذا ببعضنا يأبى إلا أن يحرمنا من سويعات سكينة نتدارك فيها ما فاتنا لنعرف كيف قامت دول مثلنا من عثرتها.. فإذا بها سويعات صخب وبذاءة ومحاولات بائسة لاحتكار وطن وحلم..!

فبدلا من أن نُقِر بأننا ليس لنا من قاعدة علم أو فلسفة يُرجى فيها الملاذ كالتى كانت لفرنسا قبل ثورتها أو لألمانيا واليابان قبل دمارهما.. أو ملامح رؤية جادة كالتى كانت لسنغافورة أو ماليزيا حال نشأتهما.. إذا بنا نستزيد من اللغو وننتصر بثقافة الدهماء للوطنية ادعاءً..!

ومن هزلنا فى شأن «البناء».. بأننا ونحن لا نَملّ من التغنى بأننا نحن البناءون العظام.. مجدنا أهرامات ومعابد وأديرة ومساجد.. نسينا مجد البناء وأصبح المجد لـ«الأسمنت»..!!!

تثاقلنا أن البناء فكرة.. رؤية.. تصور.. حكم على النفس بالرقى أو التدنى.. بالسعادة أو بالشقاء

قبل أن يكون مواد البناء وسرعة البناء..!

مادة البناء.. ليست هى البناء.. وآلية البناء ليست هى البناء.. وسرعة البناء ليست هى البناء..!

فمادة وآلية البناء.. لا مجد فيهما إلا لمن طورهما أو اخترعهما أما قيمتهما لمن يستخدمهما فى تفرد رؤيته فيما يبنيه!!

وليس من عجب أن قال أحد وزراء مبارك - وهو يتزلف له يوماً - أن كميات الأتربة فى أحد محاور الطرق هى ثمانية أضعاف أتربة السد العالى.. فكأن الوزير المنافق فى وصلة هزل عام يقول إن بـ«مجد الأتربة».. مبارك له ثمانية أضعاف مجد «سد عبدالناصر العالى» بكل ما كان فيه من انتصار للكبرياء والإرادة الوطنية..!!

أخيراً فلنعلم أن «الجدية» هى أولى خطوات الصدق وأن الصدق هو أول خطوات الحقيقة نحو مستقبل نرجوه أو ندعى ذلك على الأقل..!

ولأننا فى مصر الآن تجاوزنا التناصح فى مجتمع على شفا الجنون توتراً.. لن أطالب بالصدق إلا من يقوى عليه.. فالصدق ثقيل.. كاشف.. مكلف.. وسيكون فقط كل ما أطلبه هو بعض «الجدية» احتراماً لأنفسنا.. وأملاً فى رؤية الحقيقة..!

وأما من لا يزال يجد فى الكذب السلوى والملاذ.. حتى صار معتقده ومسلكه ومنسكه ولغته ولا يستثقل أن تفضحه كذباته.. وشأنه كشأن الماجنة حين قالت «افتضحنا فاسترحنا».. فلن أطلب منه شيئاً.. ويكفيه مآله.

يقينى أن هناك من سيقوى على الصدق ولن يقبل بفُحش «الهزل» طريقا للمستقبل.. و«لن ينكر خالق الناس.. ليأمن خانقو الناس» كما يقول أحمد مطر.. وأن بيننا من لن يخشى الفكر أو يؤثر الكفر بحقائق بنت أمما ودولاً قبلنا.. وأن فينا كُثرا ممن لن يقبل أن يكون من أمناء «الفساد» أو معيناً لمؤسسة «الهزل» العام..!

هؤلاء موجودون.. ويعول عليهم..

فكروا تصحوا..
نقلا عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع