الأقباط متحدون - نحن والإرهاب والإعلام
أخر تحديث ١٠:٥٧ | الجمعة ٣ يوليو ٢٠١٥ | ٢٦بؤونه ١٧٣١ ش | العدد ٣٦١٠السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

نحن والإرهاب والإعلام

ياسر عبد العزيز
ياسر عبد العزيز

لقد تعرضت مصر لسلسلة من العمليات الإرهابية الخسيسة على مدى الأسبوع الحالى، وهى العمليات التى تضمنت اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات، والهجوم الشرس على جنودنا فى سيناء، والذى أوقع عشرات الشهداء والجرحى، فضلاً عن عدد من التفجيرات فى أماكن أخرى متفرقة من البلاد.

إن تلك العمليات الإرهابية الدنيئة لا يمكن أن تنال من عزيمة الجيش المصرى العظيم، ولا يمكن أن تسلب المصريين إرادتهم، أو تزعزع يقينهم فى دولتهم ومؤسساتها، أو تحبط استعدادهم الدائم للدفاع عن أرضهم وهويتهم الوطنية والإنسانية والحضارية.

ليست تلك العمليات الإرهابية، وما تؤدى إليه من تضحيات كبيرة ومؤلمة، سوى الثمن الذى تدفعه مصر فى طريقها للتخلص من الفاشية الدينية، والإرهاب المتدثر بالدين، والكيد والتدبير الشرير اللذين تنسجهما قوى إقليمية ودولية، ترغب فى تقويض أركان الدولة، ونشر الخراب والفوضى فيها.

لقد زادت تلك العمليات الإرهابية الحقيرة المصريين تصميماً على دحر الإرهاب والانتصار للحياة وحماية الوطن والمواطنين وصيانة المؤسسات، كما وحدت القطاعات الغالبة فيهم خلف القيادة السياسية، وأكدت قدرتهم على تحدى الصعاب ومغالبة المحن كما تعودوا عبر التاريخ.

وبسبب الشماتة والعداء اللذين ظهرا فى معالجات سياسية وإعلامية عديدة صادرة عن بعض الجماعات والدول والمنظمات ووسائل الإعلام، ونتيجة لعوار مهنى ومؤسسى خطير فى البنية الإعلامية المصرية، وقعت أخطاء كبيرة فى تغطية الإعلام الوطنى لتلك الأحداث الإرهابية وتداعياتها المؤسفة.

وبصرف النظر عن محاولة تشخيص تلك الأخطاء، التى بات قطاع مؤثر من الجمهور والمختصين يدركها، ثمة مجموعة من الاعتبارات التى تجدر الإشارة إليها والتذكير بها، كخطوة أولى ضرورية، لتجاوز مثل تلك الأخطاء، وصولاً إلى درجة من الأداء أفضل وأكثر وفاءً بالمهمة.

أولاً: ترتبك المؤسسات الإعلامية فى أعرق الديمقراطيات وأكبر الدول عند مواجهة عمليات إرهاب واسعة النطاق، أو عند انخراط الجيش الوطنى فى معارك مع عدو خارجى أو داخلى، وهو أمر تترتب عليه أخطاء معلوماتية، ودرجة من التعتيم أحياناً، وصعوبة فى ملاحقة الأحداث، لكن المجتمعات الأكثر تنظيماً تضع قوانين ومواثيق شرف وقواعد وإرشادات تحريرية لمساعدة الجسم الإعلامى فى التصدى لتلك المهمة الخطيرة بأقل قدر ممكن من الأخطاء. وللأسف الشديد فمصر لم تنجح فى تحقيق ذلك حتى الآن.

ثانياً: يظل الهدف الأهم لأى منظومة إعلامية وطنية تتصدى للتغطية أثناء الأحداث الخطيرة والحروب والنزاعات والعمليات الإرهابية أن تظل «مصدر الاعتماد الأول والأكثر موثوقية لدى الجمهور المحلى»؛ بمعنى أن يعتقد هذا الجمهور فى صدق ما تبثه وسائل إعلامه الوطنية بخصوص الأزمة، ومن ثم لا يلجأ إلى مصادر أخرى أجنبية، قد تكون جزءاً من الحرب النفسية ضد بلاده. إن إخفاق المنظومة الإعلامية الوطنية فى تحقيق هذا الهدف يحدث عادة بسبب خلطها الرأى بالخبر، أو عدم تحليها بالدقة، أو فرضها حالة من التعتيم، أو افتقادها القدرة الفنية اللازمة للوفاء بدورها.

ثالثاً: إن نجاح منظومة الإعلام الوطنى فى التصدى لتغطية ناجعة لمثل تلك الأزمات الكبرى لا يمكن أن يتحقق من دون دعم كامل من السلطات السياسية والجهاز الإدارى والمؤسسات المعنية، وأبسط صور هذا الدعم تتجلى فى ضرورة تقديم المعلومات اللازمة فى الوقت المناسب من دون تشويه أو تعتيم؛ لأن الإخفاق فى تقديم تلك المعلومات يفتح الباب غالباً أمام «العدو» الذى ينفرد بعقل الجمهور ووعيه وإدراكه، وأحياناً وجدانه.

رابعاً: يخوض الإعلاميون الذين يتصدون لتغطية مثل تلك الأزمات اختباراً صعباً؛ إذ يشعرون أن تخليهم عن «دعم الوطن» و«مهاجمة المجرمين والإرهابيين والأعداء» عبر المواد الإخبارية التى يبثونها قد يكون «نكوصاً» عن مساندة الوطن، وإظهاراً لحس بارد وغير وطنى. إن مهنة الصحافة والإعلام تجنبنا مثل تلك المشكلات إذا تحقق الإخلاص لمعاييرها الفنية والأخلاقية؛ فلدينا كإعلاميين وصحفيين الفرص الكاملة فى مواد الرأى للتعبير عن مواقفنا وبث آرائنا وتقديم انطباعاتنا للجمهور. أما الأخبار فيجب أن تبقى بمنأى عن أى تلوين أو خلط، لأن هذا التلوين، حتى ولو كانت النوايا الوطنية الحسنة تدعمه، سيكون السبب الرئيسى لانصراف الجمهور عنا، ولجوئه إلى منصات «غير وطنية» للتزود بالمعلومات والحقائق، وقد تكون تلك المنصات تابعة لـ«العدو» نفسه. خامساً: لدينا تجربة إعلامية مريرة حدثت بموازاة هزيمة 1967، وهى تجربة لن تتكرر بمشيئة الله، لكن علينا أن نستخلص منها العبر والدروس اللازمة، وعلى رأسها أن الحقائق يمكن أن تُخفى أو تُشوه أو تُجمل لبعض الوقت، لكن سرعان ما يتم كشف تفاصيلها فى وقت ليس بعيداً، وعندها يكون الثمن أفدح من نتائج تم كشفها بدقة فى وقت حدوثها. سادساً: لقد تغيرت بيئة الاتصال على مستوى العالم أجمع، وقد أثمر هذا التغير عاملاً فى غاية الأهمية مفاده أن الجميع بات يملك منصات إعلامية، وأن الجميع أصبح قادراً على الوصول إليها، وهو أمر لا يجعل الدولة قادرة على التحكم المركزى فى الرسائل الإعلامية كما كان فى عقود سابقة.
نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع