الأقباط متحدون - تجديد الخطاب الروحى
أخر تحديث ١٣:٢١ | الخميس ٢ يوليو ٢٠١٥ | ٢٥بؤونه ١٧٣١ ش | العدد ٣٦٠٩السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

تجديد الخطاب الروحى

عبد الرحيم كمال
عبد الرحيم كمال

صباحات حزينة تمر على العواصم القديمة حين تنفجر السيارات المفخخة لتزهق روح رجل غافل صائم فى طريقه إلى عمله، وتعلو صيحات العامة والخاصة بضرورة الانتقام، وينطلق الجميع فى صراخ وعويل وهذيان، وتتعدد الآراء ويكون الصوت الأعلى هو المنادى بالثأر، لكن العواصم القديمة والبلاد الكبرى العريقة ليست نجعاً مظلماً فى القرن الماضى قتل فيه أحد أكابر النجع، إنها منظومة متكاملة وخطة معقدة التفاصيل، دولة تحارب فى أكثر من جبهة (ثلاث جبهات حدودية فضلاً عن الجبهة الرابعة الداخلية)، فعلى الجميع أن يتحلى بالوعى والمسؤولية والقدرة على التخطيط ولو فى أحلك الظروف حتى تستطيع أن تقدم الحلول؛ فالحل نفسه هو الأمن وليس الأمن هو الحل، وعلينا أن نجتهد كثيرا للوصول إلى ذلك الحل.

قتل النفس التى حرم الله قتلها إلا بالحق هو الخطيئة البشرية العظمى التى باء بإثمها أحد ابنى آدم وظلت هى الفخ البشرى المتوالى عبر السنوات، وحينما تسيل الدماء على الأرض تحل اللعنات على ساكنيها، ويدفع الجميع الثمن، التطرف والإرهاب هو إحدى تلك اللعنات الكبرى، والتطرف والإرهاب لا يشمل فقط قاتل النفس ولكن يمتد ليشمل من فرح فى القتل ومن أيده ومن أثنى عليه ومن صمت فى رضا.

اليأس من رحمة الله وقلة الصبر والانتصار للنفس وحدها هى ما يدفع للقتل فى البداية، فيقتل الشرطى المواطن ويقتل المواطن الشرطى ويقتل المواطن المواطن ويقتل رجل السلطة المعارض ويقتل المعارض رجل السلطة ويقتل رجل السلطة رجل السلطة المنافس ويقتل رجل المعارضة رجل المعارضة المختلف فى دائرة مرعبة تبدأ دائما بلحظة خوف وضعف. لقد قتل الخائف الضعيف غريمه بالتأكيد، ثم كان على ذوى القتيل أن ينتقموا من القاتل، ويستمر الثأر إلى أن تأخذ اللعنة نصيبها من الجميع، اللعنة المرهونة بأول قطرة دم تسيل والتى لن تقف إلا بتوقف الدم.

منذ أن ظهر الإسلامى الظاهرى الحريص على الزى والمظهر على حساب الإيمان والباطن السليم، ومنذ أن اعتلى المنابر الأكبر لحية والأعلى صوتاً والأقصر جلباباً، ومنذ أن تبدل نور الوجوه بنور الكاميرات، ومنذ أن تجرأ قساة القلوب على الأحياء والأموات فحاصروا الأحياء فى بيوتهم بالتهديد والوعيد بجهنم والعذاب وحاصروا الأموات فى قبورهم بهدم القباب والأضرحة، ومُدح الظالمون على المنابر، وتم سب سيدنا على بن أبى طالب وصالحى الأمة على منابر بنى أمية فكان الرد بعد سنوات بسب الصحابة الأكابر المكرمين على منابر الشيعة، وسالت الدماء باسم الله البرىء من كل دم حرام، وانقسم الدين إلى طوائف وملل ونحل وحلت اللعنات، لعنات لن تتوقف أبدا إلا بتجديد الخطاب الروحى لا الدينى؛ فالدين هو الدين، ولكن على أرواحنا أن تستفيق، علينا أن تكون نظرتنا إلى الله وأن تستعيد قلوبنا الثقة به والتخلق بأخلاقه، أن نقاوم القسوة بالرحمة، وأن نجاهد فينا ما سكن فى أنفسنا من ظلم. كل فرد على حدة، فهذا هو الجهاد الأكبر وأن نكون أكثر صبرا وأقل يأسا. الحلول ليست دائما فى مزيد من الغضب والأسلحة، لكنها فى التصحيح والاعتدال ونبذ الفتنة التى لن تصيب الذين ظلموا منا خاصة. إن تجاهل القيم الروحية والإنسانية والبعد عن سر وجودنا يقربنا من الموت ويبعدنا عن الحياة ويجعل القتل هينا سهلا فتقطع الرؤوس وتمزق الأكباد وتنفجر الأجساد وييتم الأطفال بسهولة وكأن ذلك هو حياتنا العادية. على كل فرد فى ذلك البلد العريق بخويصة نفسه أن يعيد حساباته مع روحه وخالقها قبل أن ينطق أو يدلى برأى. عليه أن يحسب المسافة بين نفسه وبين الصدق بين نفسه وبين العدل وبين نفسه وبين الإيجابية، إيجابية روحية تدفعه للبناء، إلى غرس فسيلة فى الأرض لعلها تنبت وسط تلك القيامة التى تقوم من حوله.

كان رمضان شهر القوة الروحية الكاملة، شهرا تتخلى فيه النفوس عن شهواتها وتنصت الأجساد لأرواحها فانتصر فيه المسلمون فى غزواتهم بصحبة الروح الأعظم صلى الله عليه وسلم ثم صار شهرا يترصد فيه الإرهاب أرواح الأبرياء لإزهاقها بحجة رضا الله. أيضا إلى أى منحدر ملعون انزلقت تلك النفوس وعطبت؟ إنه المنحدر الذى نندفع فيه جميعاً للأسف حينما تخلينا طوعاً عن خطابنا الروحى، عن جلستنا مع الله، عن إنسانيتنا فى النهاية، وصرنا نتنفس القبح ونستسيغه ونسعى إليه بل نقتل كل جمال يلوح فى أرواحنا لأننا نجهله.
نقلا عن المصري اليوم
 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع