الأقباط متحدون - ليس بالخبز وحده!
أخر تحديث ١٦:٠٣ | الخميس ٢٥ يونيو ٢٠١٥ | ١٨بؤونه ١٧٣١ ش | العدد ٣٦٠٢ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

ليس بالخبز وحده!

مكرم محمد أحمد
مكرم محمد أحمد

سوف يكون إنجازاً تاريخياً ضخماً إن ركز الرئيس عبدالفتاح السيسى، مع بداية عامه الثانى فى الحكم، على إحداث تغيير ملموس فى علاقة الدولة بالمواطن المصرى، يعيد له اعتباره، ويحفظ كرامته، ويعلى حقوقه، ويعترف بحقه فى معاملة كريمة وبيئة نظيفة ودولة قانونية تنتفى منها كل صور التمييز بسبب الجنس أو اللون أو الدين، ويتحقق فيها تكافؤ الفرص بين الجميع، وتنهض بمسئوليتها فى إقرار عدالة ناجزة تجتث كل صور الاختفاء القسرى للأشخاص وتنهى سوء استخدام الحبس الاحتياطى لتعويق العدالة، وتقوم فيها معايير المفاضلة بين مواطن ومواطن على الكفاءة والخبرة والإتقان والقدرة على التعلم والابتكار وليس على الثقة والقرابة والوساطة، وتتعلم فيها البيروقراطية المصرية أن المواطن هو السيد وأنها خادمة للشعب، وأن المصريين الذين صبروا طويلاً على صور عديدة من التعنت والقهر ينبغى أن يستعيدوا حقوقهم كاملة، بحيث تتحول شعارات ثورتى يناير ويونيو فى الخبز والحرية والكرامة إلى برنامج عمل ملزم، سوف يكون عائده المؤكد دولة ناهضة قوية تقوم على أكتاف مواطنين أقوياء يملكون إرادتهم، يفخر الجميع بالانتماء إليها، تؤكد للعالم أجمع أن المصريين يستحقون حياة أفضل وأنهم قادرون على صنع ديمقراطيتهم، ويستطيعون المنافسة فى العالم على الجودة والابتكار والتقدم، ولا يقلون شأناً وقدرة عن باقى شعوب العالم المتحضر، وفى مكنتهم إذا صلحت أحوالهم وصلح معها أحوال الحكم أن يصنعوا المعجزات.

لا أتحدث عن حلم مستحيل أو أهداف شاعرية تكاد تكون جزءاً من خيال، ولكننى أتكلم عن نهج جديد فى الحكم، يوحد إرادة الحاكم والمحكوم ويصهرهما فى بوتقة واحدة، وأتكلم عن طريقة جديدة لحياة المصريين تغير ما بأنفسهم، وتمكنهم من نهوض حقيقى يملأ وظيفة موقعهم العبقرى، جسراً قوياً لتبادل المعارف والمنافع بين جميع البشر، يفيد ويستفيد، ويختصر طريقهم للقضاء على الإرهاب والفقر والفساد والبيروقراطية الرذيلة، ويأخذهم إلى طريق النهضة والتقدم، لأنه يجمع إراداتهم الوطنية فى قبضة قوية متماسكة تباركها عناية السماء، وأظن أنها وصفة سحرية خبر المصريون معدنها الأصيل فى أيام مجيدة من تاريخهم، وحدت إراداتهم لتصبح جزءاً من إرادة إلهية قادرة على صنع المعجزات، حدث ذلك يوم بناء السد العالى ويوم العبور العظيم ويوم خرج المصريون فى أكبر تظاهرة عرفها تاريخ البشرية يرفضون حكم المرشد والجماعة، ويوم حملوا مدخراتهم إلى البنوك المصرية لبناء قناة السويس الجديدة استجابة لطلب من الرئيس السيسى.

وثمة شواهد عديدة تؤكد أن الفرصة سانحة للتكرار، وأننا نعيش بالفعل إرهاصات واضحة تؤكد أن الهدف ممكن وقابل للتحقيق، بين هذه الإرهاصات الاعتذارات المتكررة التى قدمها الرئيس عبدالفتاح السيسى لبعض فئات المجتمع المصرى وشخوصه الذين وقعوا تحت طائلة ظلم الإدارة المصرية وإجحافها بما يؤكد مسئولية الرجل، وبين هذه الإرهاصات قرار العفو الذى صدر أخيراً عن 165 شاباً من كل التيارات خرقوا قانون التظاهر رغم تحفظات أجهزة الأمن، وبينها أيضاً إشاراته المتعددة إلى رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب ووزير داخليته بضرورة أن تعيد الإدارة المصرية النظر فى طرق تعاملها مع الناس، لأن هذا الشعب لم يجد من يحنو عليه أو يبدى اهتماماً حقيقياً بمشاكله.

والأكثر أهمية ما تكشف أخيراً لرئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب من تواطؤ وتباطؤ البيروقراطية المصرية وثباتها على حالها القديم، وإصرارها على أن شيئاً لم يتغير فى مصر بعد 30 يونيو، خاصة خلال زياراته الأخيرة لمعهد القلب وافتتاحه للمسجد الأزرق ومفاجأته لبعض الأحياء الشعبية، حيث شهد الجميع صوراً من الإهمال والتسيب والقذارة وغياب المساءلة وانعدام العقاب والثواب إلى حد مفجع، بعد عام من قيام ثورة يونيو وتولى الرئيس السيسى مسئولية الحكم رغم جولات رئيس الوزراء الميدانية التى لم تنقطع، ورغم النقد الشديد الذى توجهه أجهزة الإعلام والصحافة لإدارات الحكم المحلى ودواوين الوزراء والمحافظين لكن ما من مجيب، لأن الغالبية إن لم يكن الجميع يسدون آذانهم بالطين والعجين فى غيبة المساءلة الجادة والسريعة، الأمر الذى ينذر بخطورة أن يتكرر ما حدث فى عهد الرئيس الأسبق مبارك، بحيث يصبح الحكم فى وادٍ والشعب فى وادٍ آخر، وما يجرى على أرض الواقع لا علاقة له بخطب الرئيس وتوجيهاته.

صحيح أن الرئيس السيسى أدرك بذكائه عمق الصورة، واكتشف بسرعة حجم العالم الافتراضى الذى يريد البعض حصار الرئيس داخل أسواره، بدعاوى النفاق والقلق المصطنع على أمن الرئيس، لكن هدفهم الحقيقى إقامة العديد من الحواجز التى تحاصر الرئيس وتمنعه من رؤية الواقع، لكن السيسى اكتشف الملعوب وفهم الفولة، وأصر على ضرورة أن تراجع الحكومة نفسها بدلاً من إلقاء المسئولية على الشعب وتبرير الأخطاء بأسباب ملفقة غير صحيحة.

ومهما يكن اهتمام الرئيس بالمشروعات التنفيذية الكبرى وقدرتها على تحسين جودة حياة المصريين، فإن نجاح الرئيس فى النهوض بمصر، دولة مدنية قوية تتكافأ فيها حقوق الجميع دون تمييز، تحنو على فئاتها الأقل قدرة، سوف تبقى أولى الغايات الكبرى لحكم الرئيس السيسى التى يظل تحقيقها رهناً بقدرة الحكم على تغيير وتصحيح العلاقة بين الدولة والمواطن، وتبديل المعادلة، بحيث يصبح المواطن هو السيد يتمتع بكافة حقوقه الدستورية دون نقصان، وتدرك البيروقراطية أنها خادمة للشعب وليست سيداً عليه، يمتنع عليها مد أجل الحبس الاحتياطى لتعويق العدالة، كما يمتنع عليها كافة صور الاختفاء القسرى للأشخاص باعتبارها جرائم يحاسب عليها القانون، فضلاً عن ضرورة معاقبة من يتورطون فى الانحياز والتمييز غير القانونى بين المواطنين، وتجريم وتحريم كل صور الإكراه البدنى والنفسى، وكفالة حقوق المواطن فى الحصول على المعلومات من مصادرها الصحيحة وعقاب الممتنعين، والالتزام الصارم بمعايير حقوق الإنسان العالمية، وتطبيق كافة العهود والمواثيق الدولية التى وقعت مصر عليها، ووضع أماكن الحجز تحت إدارة القضاء، وكفالة حقوق التعويض للمواطنين الذين يلحق بهم ضرر مادى أو نفسى بسبب سوء معاملة أجهزة الدولة، وإرساء بنية قانونية جديدة للصحافة والإعلام تحفظ للمؤسسات حقها فى الحرية والاستقلال، وترسخ حريات التعبير والبحث العلمى والابتكار، باختصار، الارتقاء بحقوق الإنسان المصرى إلى مستوى المعايير الدولية فى إطار برنامج معلن يتم تطبيقه على مدى الأعوام الثلاثة المقبلة.

أعرف أن هناك من سوف يعترضون بادعاء أن المصريين يعانون من الأمية ويحتاجون للمزيد من الوقت كى يتعلموا الديمقراطية، لأن تعزيز الحريات العامة والخاصة فى غيبة سلطة الدولة القوية ورقابتها على الناس يمكن أن يقود إلى الفوضى! كما أن واحداً من المخاطر الكبرى التى تهدد الاستقرار الوطنى، أن الدستور الجديد يعطى حقوقاً بأكثر مما يفرض من الواجبات بما يؤثر على توازن السلطات، لكن هذه التعلات فى معظمها غير صحيحة، لأن المصريين يستحقون بالفعل ديمقراطية كاملة، ولأنهم يتوهجون قدرة وحماساً وإبداعاً إذا استشعروا بعض العدل وبعض الحرية، ووثقوا فى حاكمهم وأحبوه ورغبوا فى إنجاحه.

ولست أشك بعد عام من حكم السيسى فى أن المصريين لا يزالون على ثقتهم الكاملة بالرئيس، يريدون نجاحه، وهم على استعداد لأن يمدوا له حبال الصبر إلى أى أجل يطول، إن استشعروا أن اليوم يختلف عن الأمس، وأن الغد سوف يختلف عن اليوم، وأن أحوالهم تتغير نحو الأفضل والأحسن، وإن يكن ببطء، وأن المجتمع يشهد كل يوم أمارة جديدة على أن الحقوق محفوظة والعدل يستتب بعد أن أصبح المصرى السيد فى بلده تنصاع لإرادته الحرة كل مؤسسات الدولة والحكومة.
نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع