الأقباط متحدون - عبدً إذا ملك
أخر تحديث ٠٧:٠٣ | السبت ٢٣ مايو ٢٠١٥ | ١٥بشنس ١٧٣١ ش | العدد ٣٥٦٩ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

عبدً إذا ملك

بقلم الباحث / نجاح بولس
يحدثنا سفر الأمثال عن ثلاثة تضطرب الأرض تحتهم ، وأربعة لا تحتمل وجودهم ، أولهم عبدً إذا ملك ، والعبد غالباً ما يملك بعد مؤامرة أو خيانة ، ومثله يصبح أقسى الملوك وأكثرهم طغياً وتعسفاً ، فلا أصل او هوية له ولا مبادئ يستند عليها حكمه ، والعبودية كمفهوم شامل لفقدان الهوية والجذور الحضارية لا يقتصر على الأفراد بل يمتد ليشمل الأمم والشعوب ، وقد شهد التاريخ امم وحضارات أصيلة قادت العالم وآثرت ثقافته وحفظت تراثه ، الى أن صعدت قوى أخرى مغايرة سيطرت على مقدراته وفرضت نفوذها في كل أرجائه ،

مستندة على كيان مادى وثقافة تفتقد للأصول التاريخية والحضارية يرجع تاريخها الي أقل من خمسة قرون من الزمان هى عمر العالم الجديد بعد إكتشافه بمعرفة "كريستوفر كولومبوس" في اكتوبرٍ1492، فتوافد عليه جميع المحبطين والمهمشين والفارين من الضيق الإقتصادي والإستبداد السياسي والإضطهاد الديني في اوروبا ، فضلاً عن السجناء اللذين خُيروا للهجرة إلي العالم الجديد بدلاً من قضاء مدة العقوبة في السجون الأوروبية ، فتمكن هؤلاء المهاجرون متعددى الجنسيات والثقافات والديانات عام 1733 من تأسيس 13 مستعمرة علي ساحل المحيط الأطلسي كانت هي النواة الأساسية لقيام الولايات المتحدة الأمريكية التي ظهرت كقوة عظمى في العالم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ،

وبدأت تمارس نشاطاً واسعاً على الساحة السياسية الدولية يرتكز على قوة اقتصادية وعسكرية لم تتأثر بالحرب كما تأثرت الدول الأوروبية التي عانت مشكلات إقتصادية وعسكرية وإجتماعية أدت إلى تراجع دورها ونفوذها على الساحة الدولية لصالح القوى العظمى الجديدة التي تمدد نفوذها حول العالم القديم فلم تحترم تاريخه الحضاري ، بل إتخذته مسرحاً لممارسة أنشطتها العسكرية والإقتصادية دون أى مسئولية أو وازع أخلاقي ، وحينما وجدت أن ما خلفته الحضارات القديمة من تراث ثقافي وموروثات أخلاقية يمثل عائق أمام طموحاتها الإمبريالية للسيطرة على العالم قررت تطوير خططها التوسعية من خلال إحتلال العقل بديلاً عن إحتلال الأرض ، واستعانت بالغزو الثقافي بديلاً للغزو العسكري ،

فروجت لمفهوم العولمة القائم على توحيد نمط المعيشة والثقافة عالمياً ، ولما كانت الولايات المتحدة الأمريكية هى القادرة على فرض هذا النمط أو ذاك عالمياً ، فصار بذلك مفهوم العولمة هو أمركة العالم ، وهو طموح أمريكي قديم ، فقد قال الرئيس الأمريكي "غروفر كليفلاند" 1893 (أن دور أمريكا الخلاق هو تحضير العالم ليصبح أمة واحدة تتكلم لغة واحدة ) ، وقد عبر عن هذا الطموح فيما بعد بعبارة "النظام العالمي الجديد" الذي كان شعار الدولار الأمريكي في نهاية القرن التاسع عشر ،

ومارست لتحقيق ذلك الطموح كل أشكال الغزو الثقافي لطمس الهوية الثقافية لشعوب العالم القديم المستمدة من حضارات ضاربة في جذور التاريخ ومحصنة بتراث إنسانى وقيم وموروثات راقية تفتقدها الثقافة الأمريكية الجديدة التي يحاولون تصديرها للخارج وتعميمها عالميا" وحقيقتها ليست سوى ثقافة مادية استهلاكية لا تستهدف العقول والوجدان بقدر ما تستهدف البطون والنزوات والإحتياجات البشرية لحث الشعوب على إستهلاك المزيد من المنتجات الأمريكية ، ولم تقتصر محاوالات الهدم الثقافى للحضارات القديمة باستمالة العقول فحسب ، بل طالت التراث التاريخى الموروث عبر قرون طويلة متمثل فى الاثار التاريخية والمخطوطات القديمة التى تعد الواقع الأكثر تعبيرا عن تلك الحضارات ، فأسست ومولت جماعات رأديكالية معادية لهذا التراث ، وغضت النظر عن ممارسات عدوانية بحق كنوز اثرية فى الشرق تحدت التاريخ الى أن دمرتها جماعات موالية لقوى عظمى جديدة معادية أيضا لهذا التراث ليس لشئ سوى أنه يفضح وضاعة حضارتها وركاكة ثقافتها ، فقامت حركة طالبان المدعومة من أمريكا لقتال الإتحاد السوفيتى بتدمير جميع التماثيل الأثرية المرتبطة بالثقافة البوذية ،

والتى تعود الى حقبة ما قبل الاسلام فى افغانستان ومنها تماثيل بوذا العملاقة المنحوتة فى الصخر والتى يبلغ ارتفاع أحدها 55 مترا ، ثم انتقل الصراع ضد الحضارة الآشورية فى العراق بعد سقوط نظام الرئيس العراقى الأسبق صدام حسين بدخول القوات الأمريكية بغداد عام 2003 ، فتعرض المتحف العراقى وهو اكبر المتاحف فى العراق واقدمها ( تأسس عام 1923 وسط بغداد ) الى عمليات نهب وتدمير متعمد تحت مرائ ومسمع من القوات الأمريكية المحتلة وربما بإيعاز منها فقد على اثره 15 الف قطعة اثرية ،

واخير ظهر تنظيم الدولة الاسلامية فى العراق والشام ( داعش ) الارهابى الممول من دول وجهات ليست بعيدة الصلة بالمخابرات الامريكية ليعبث ويدمر ما خلفته الحضارات الاشورية والسريانية فى العراق وسوريا ، فقامت على سبيل المثال لا الحصر بتدمير أغلب التماثيل الأثرية فى متحف الموصل بالعراق ، وتدمير أجزاء كبيرة من سور نينوى الذى يعود الى عام 1080 قبل الميلاد ، وكذلك قام التنظيم بتدمير إحدى أقدم الكنائس في الشرق الأوسط وهي الكنيسة الخضراء بتكريت التى يعود تاسيسها الى القرن السابع الميلادى ،

بخلاف أثار إسلامية ودينية أخرى تم تدميرها بالكامل على يد التنظيم مثل مزار الأربعين صحابياً ، وقبر النبى يونس ، وقبر إبن الاثير ، وكل ذلك التدمير الذى حدث للتراث الانسانى لحضارات الشرق وسط تواجد كثيف لقوات اكثر من اربعين دولة فى تحالف عسكرى ضد تنظيم داعش بقيادة أمريكية ، إنما يشير الى تورط واضح وخطط أمريكية ممنهجة لإزالة ما تبقى من ذلك التراث الذى يعود الى حضارات أثرت فى الإنسانية بثقافاتها الغنية ، وميزت منطقة الشرق الأوسط فكان مطمع لكثير من القوى الاوروبية المحتلة على مدار قرون طويلة ، إستباحت أرضه وإستنزفت خيراته ، ولكنها حفظت تراثه الحضارى ، بل وساهمت فى فك رموزه القديمه ، وإعتبرته كنزً لا يقدر بثمن ملكً للإنسانية كلها ، لياتى أخيراً تدخل القوى الأمريكية الجديدة محملة بثقافة المماليك ، حيث القوة المادية والجبروت العسكرى بلا سند إنسانى أو حضارى ، فلم تستوعب دروس التاريخ ، ولم تدرك معنى الاصالة والتراث .


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter