الأقباط متحدون - فى مواجهة «داعش»
أخر تحديث ١٣:٠٩ | الاثنين ٢ مارس ٢٠١٥ | ٢٣أمشير ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٨٩ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

فى مواجهة «داعش»

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

بقلم   د. عماد جاد
أقدم تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام على ذبح واحد وعشرين مواطنا مصريا على ساحل طرابلس، وكان المشهد بشعا بكافة تفاصيله، ومثل فى الوقت نفسه إهانة بالغة للدولة المصرية عبر مشاهد الذبح وإلقاء الجثث فى البحر، ولم تمر ساعات حتى شنت مصر غارات جوية مركزة على مواقع للتنظيم فى مدينة «درنة» الليبية

وهى غارات تكررت من خلال توظيف مبدأ حق الدفاع الشرعى عن النفس والمواطنين. وتحركت مصر سريعا طالبة الدعم السياسى من الجامعة العربية فتحفظت قطر، وذهبت إلى مجلس الأمن الدولى فوجهت واشنطن، باريس، لندن، روما، مدريد وبرلين رسالة واضحة مؤداها الاعتراض على مطلب التدخل العسكرى الدولى، فغيرت مصر من طبيعة المطلب ليكون رفع الحظر المفروض على تصدير السلاح للجيش الوطنى الليبى وهو المطلب الذى لم تستجب له القوى الكبرى التى ردت بأن الحل لابد أن يكون سياسيا

ومن خلال إدماج كافة الحركات والجماعات الليبية فى الحوار والعملية السياسية، وهو المطلب الذى يعنى دمج جماعة فجر ليبيا، الجناح العسكرى لجماعة الإخوان، واستيعاب ناحرى البشر من الإرهابيين المتواجدين على الأراضى الليبية. هنا عادت مصر مجددا إلى الإطار العربى فى محاولة لتشكيل قوة تدخل سريع عربية تتولى القيام بمهام مواجهة الجماعات الإرهابية والتصدى للمخاطر التى يتعرض لها الأمن القومى العربى، وهو حق مصرى أصيل من منطلق تعريف الجامعة العربية باعتبارها منظمة إقليمية يفترض أن تتولى مهام حفظ الأمن والاستقرار ومواجهة المخاطر فى إقليمها أولا، وفى حال فشلها فى ذلك ترفع الأمر برمته للمنظمة الدولية وتحديدا مجلس الأمن كما سبق أن فعلت ذلك عقب غزو العراق للكويت، وطلبا للتدخل العسكرى فى ليبيا لإسقاط نظام القذافى.

السؤال هنا هل يمكن لمصر قيادة تحرك عسكرى عربى لمواجهة تنظيم «داعش» يكون نواة لقوة تدخل عربى تتعامل مع مصادر تهديد أمن الدول العربية؟

الإجابة تقتضى أولا تفكيك القضية وتحديد مسؤوليات الدول العربية عن هذه الظاهرة ومدى استعدادها للمشاركة فى عمل عسكرى ضد هذا التنظيم، ونبدأ بالقول إن التنظيم الذى ظهر فى العراق والشام واجتاح مناطق واسعة فى البلدين، حصل على دعم هائل من دول عربية لاعتبارات سياسية وطائفية، فهناك نظم حكم عربية لم تغفر للرئيس السورى بشار الأسد تطاوله على رموزها إبان الحرب بين إسرائيل وحزب الله عام ٢٠٠٦

ورأت فى سقوط نظام الأسد مصلحة ودرسا له ولغيره، أيضا لعب البعد الطائفى دورا كبيرا فى دعم دول عربية للتنظيم، فدول عربية سنية خشيت من اكتمال «الهلال الشيعى» الإيرانى، العراقى، السورى وصولا إلى جنوب لبنان، ومن السيطرة على منطقة ممتدة وتهديد التواجد السنى فى هذه المنطقة إضافة إلى التطلع لضم مناطق ذات غالبية شيعية فى دول أخرى مثل شرق المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين إضافة إلى شمال اليمن، من هنا قدمت دول عربية عديدة الدعم للتنظيم باعتباره الأقدر على مواجهة التمدد الشيعى. ثم توالت الأنباء عن انتصارات سريعة حققها التنظيم فى سوريا والعراق لاسيما بعد انضمام عشائر سنية للتنظيم فى العراق تحديدا للتخلص من حكم المالكى الطائفى

وتميز التنظيم عن القاعدة فى أنه فتح أبوابه أمام المسلمين من مختلف أنحاء العالم بصرف النظر عن الجنسية والخلفية الدينية أو العقائدية، فجذب آلاف الأوروبيين والأمريكيين والآسيويين، ولعبت قطر دور الممول لعناصر التنظيم، ومثلت تركيا الحاضن السياسى والعسكرى، كما أمد النظام السودانى التنظيم بسلاح متنوع ومتطور.

تواترت الأنباء عن انتصارات التنظيم السريعة والخاطفة وعن البشاعة التى يقتل بها التنظيم من يعتبرهم خصومه من أفراد الجيشين السورى والعراقى، ثم أعمال القتل بحق المسيحيين والأيزيديين، وتصريحات قادة التنظيم باستهداف المنطقة ككل بما فى ذلك المملكة العربية السعودية، ثم توجيه التهديد للولايات المتحدة الأمريكية بعد قيام طائرات أمريكية باستهداف مواقع للتنظيم.

هنا بدأت الدول التى كانت تمول التنظيم تشعر بالخطر الشديد من تمدده، وقدرت أن الدول التى يعمل فيها التنظيم وتخضع لنظم حكم شيعية أرحم كثيرا من التنظيم، ويمكن التفاهم معها والتوصل إلى تفاهمات على النحو الذى حدث فى العراق بإخراج المالكى وصيغته الطائفية. المعادلة العراقية والتحرك لوضع أساس نظام أقل طائفية، نفس الأمر ينطبق على الحالة السورية، فمهما كان فساد واستبداد نظام الأسد فهو نظام مسؤول يمكن توقع سياساته وتحركاته، كما يمكن التوصل إلى تفاهمات معه.

من هنا تسارعت التحركات فعقد حلف شمالى الأطلنطى (الناتو) اجتماعا لمناقشة الخطوات المطلوبة ضد التنظيم، وبادر الرئيس الأمريكى أوباما بالتأكيد على أن العمل ضد «داعش» لا يتطلب قرارا من الحلف، بل اتفاق عدد من الدول الأعضاء على عمل مع الولايات المتحدة عبر توجيه ضربات جوية مكثفة لمفاصل التنظيم بهدف إضعافه وتسهيل مهمة القوات العراقية والسورية فى مواجهته، ويرجع تمسك أوباما بعدم الحصول على تفويض من الحلف لإدراكه أن التفويض يتطلب صدور القرار بالإجماع فى وقت يعلم فيه تماما أن تركيا (عضو الحلف) هى مصدر تمويل التنظيم وتجنيد الشباب للعمل فى صفوفه، فعلى الأراضى التركية تتواجد معسكرات التنظيم ومنها يدخل السلاح الممول قطريا إلى سوريا والعراق، وأخيرا ليبيا.

المؤكد أن «داعش» يحقق مخططا أمريكيا لتفتيت المنطقة، عجزت واشنطن عن تنفيذه مباشرة فلجأت إلى مخطط سبق أن استخدمته عام ١٩٧٩ ضد القوات السوفييتية فى أفغانستان، وكررته فى البوسنة وكوسوفو فى نهاية تسعينيات القرن الماضى ولم تبال بالكوارث التى ترتبت على توظيف الجماعات الجهادية، لكل ذلك تبدو الرؤية المصرية الداعية إلى تشكيل قواتها سريعا هى الحل العملى الناجع فى التعامل مع هذه الظاهرة، وعلى الدول العربية التى بنت مواقفها فى العراق وسوريا على أسس شخصية ورؤية طائفية ضيقة أن تتراجع سريعا

والتواؤم مع الرؤية المصرية التى تسعى إلى تشكيل هذه القوة تحت مظلة الجامعة العربية وهو حق عربى أصيل يتوافق والقانون الدولى، ولا تملك أى من القوى الكبرى سندا قانونيا لمواجهة هذا الطرح، المهم هنا هو توافق مصرى سعودى إماراتى أردنى يتبنى فكرة تشكيل قوة عسكرية عربية وصدور القرار بالغالبية، وهى القوة التى ستتعدد مهامها وتحفظ أمن الدول العربية فى الداخل وعلى أطراف الإقليم.
نقلآ عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع