الأقباط متحدون - هل تُخيفكم رؤوسُ التماثيل؟!
أخر تحديث ١٣:٥٤ | الجمعة ٢٠ يونيو ٢٠١٤ | بؤونة ١٧٣٠ ش ١٣ | العدد ٣٢٢٦ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

هل تُخيفكم رؤوسُ التماثيل؟!

تمثال طه حسين
تمثال طه حسين

صعقتُ هذه الليلة 19 /6 بخبرٍ أفزعني كثيرا اذ اقدم مسلحون على هدم نصب مهيب على شكل تمثال لشاعرنا الكبير حبيب بن أوس الطائي والمكنّى بأبي تمام في وسط مدينة الموصل والذي عمله النحات المعروف نداء كاظم وتبعه ايضا هدم ضريح كاتب ومؤرخ من صفوة ادبائنا في العصر العباسي وهو ابو العباس محمد بن يزيد المبرّد صاحب ومؤلف كتاب " الكامل في اللغة والادب " هذان الاديبان يعدّان من ابدع كتّابنا وشعرائنا اللامعين في العصر العباسي والجميع يعرف كيف كان خصوم ابي تمام يبيّتون لشاعرنا المكائد ويتهمونه بالسرقات الادبية لسبب بسيط وهو انهم لايطالونه لقزمٍ في عقولهم، هذا الشاعر لم يفهمه الجهّال وطارئو الادب مثلما يجهل الان زمرة من المخربين قيمة تاريخنا الشعري الحافل بالمبدعين مثل ابي تمام سأله خصومه يوما لقصورٍ واضح في عقولهم: لمَ تقول مالايفهم؟ فأجابهم بقوة بديهيتهِ: ولمَ لاتفهمون مايقال أعجب ما الذي يجعل مثل هؤلاء يخافون التماثيل مع انها منحونات فنيّة صامتة لاتصرّح بأيّ شيء يبدو ان القوة والغطرسة والعنت أقوى من الفكر والرأي السديد والعقل الراجح في ايامنا الحالكة السواد، تماما كما قال يوما شاعرنا المجدد حبيب الطائي بان " السيف اصدق انباءً من الكتبِ " قبل هذه الحادثة التي آلمتني جدا، قام المسلحون بهدم تمثال ابي العلاء المعري في سوريا وسرقة تمثال طه حسين بمصر فبين طه حسين والمعرّي وشائج وعرى لايمكن فصمها او فكّ وثاقها فكلاهما انصهرا في اتون التنوير وكانا مثالَين ساطعين في الكشف عن كل ماهو شائن في فكرنا وإظهار وتزويق اللامع في تراثنا وغربلة ماعلق من فكر ضارٍ في عقولنا  وزعزعة الكثير من الثوابت التي كنا نتعكز عليها، كانا يحملان عقلا قلقا وروحا متمردة على الغثّ وخطل الرأي وكانت بصيرتهما توقظ بصرنا المائل وتدلّنا على مأوى الجمال ومثوى الابداع والصدق بأسلوب غايته الاقناع بطرائق عقلية ناضجة بعيدا عن التزمّت والكراهية وهوى النفس النازعة للاعوجاج والميل عن السداد والاستقامة في هذا الزمن الوغد،

ودون ايّ استحياء او خجلٍ يعتلي مجموعة من الهمج الرعاع القاعدةَ الهرمية لتمثال يمثّل عميد الادب العربي الدكتور طه حسين ويسرقون رأسه؛ بعد ذلك حطموا القاعدة التي كان يستند عليها نهضت مدينة ( المنيا ) الواقعة في صعيد مصر صباحا ولم تجد تمثال ابنها البار النابه طه حسين في الميدان؛ كان شارع الكورنيش كئيبا غاصّاً بالبكاء الى حدّ الجهشة والسابلة في حيرة من امرهم مذهولين متسائلين ما الذي جرى؟؟ والنسوة يبكين في نواح وأنين واضحين وأعرف ان الموصليين الآن في حزن شديد على ماجرى لأسلافهم الصالحين وقبل تلك الحوادث المؤسفة ارتقى رعاع اخرون تمثالا اخر ولكن في مدينة اخرى اسمها معرّة النعمان في سوريا وقطعوا تمثال شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء ابي العلاء المعري. فهل يعلم ان هؤلاء السرّاق ودعاة الهدم انهم بفعلتهم هذه قد افسدوا كل مباهج الحياة وهشّموا الرقي والجمال وحفروا قاعا لكل ماهو بهيٍّ وممتع؟ هذان الخالدان المعرّي وطه حسين اورثانا لمعان التنوير وابرزا شعاع الرقيّ والنماء في عقول جيلهم والأجيال اللاحقة ولايمكن ان تمحى ابداعاتهم بضربة فأس او معول هدم أتساءل متحسّرا؛ لماذا تريدون ان تفسدوا كل ماهو جميل، لماذا تكدّرون معين مائنا بأطيانكم القذرة؟! لاعجب ان يتمّ قطع رأسَ المعرّي وسرقة رأس طه حسين وهدم نصب ابي تمام والإطاحة بمثوى المبرّد؛هل هؤلاء المجرمون بفعلتهم الشنيعة -- بكل بساطة -- جهلة وفاقدو البصيرة فالإنسان عدوّ ماجهل كما يقال أم ان هناك خططٌ مبيّتة للحطّ من مبدعينا ونخبتنا السامية؟؟!،امّا بصرُهم فلا يرى سوى السخام والنفايات وسواد الرأي وقتامة الفكر .

اجل انّ ابا العلاء وطه حسين  ابتليا بالعمى لكنهما اوقدا نفاذ البصيرة في نفسيهما وما العيون الكامنة في تلك البصيرة الاّ مصابيح الروح وقناديل الفؤاد وهي التي تضيء الطريق وتبعث النور في العقل ويستحيل ان يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون والذين أوتوا العلم درجات عاليات مثل هذين العبقريين في فتوّتي قرأت كتاب " مع ابي العلاء في سجنه " لطه حسين وأتذكر اني اعدت قراءته مرات ومرات في مراحل لاحقة من حياتي وكنت اتحسس ان شيئا ما او رباطا مقدّسا يربط هذين العملاقين اذ يشتركان معا ويجلسان في احضان العبقرية الامّ وكل واحد يرضع من ثدييها وكلاهما اغلق بصرَه عن الغثّ من مشاهد الحياة الكئيبة والصور الكريهة الصادمة للعقل وعفّ بصره عن كل ماهو بذيء ومقزز ومثير للاستهجان نكاد نختنق من هذا الدخان الذي يتصاعد في سمائنا والغبار النقع الذي يعلو رؤوسنا حين نرى مبدعينا يطاح بهم وبتماثيلهم التي تذكّرنا بهم كلما مرّت ذاكرتُنا بمثواهم وأتساءل في سري:لماذا نفتح نوافذنا لنستقبل خناق الدخان الذي يكاد يقتلنا؟؟

يحضرني وانا اكتب هذا المقال بيتان لجدّتنا الشاعرة المخضرمة الخنساء الموجوعة بفقدان اخويها صخرا ومعاوية في العصر الجاهلي – كما يسمونه مؤرخو الادب-- واستشهاد ابنائها في الفتوحات الاسلامية وهي تندب زمنها العاثر ان الزمــان وما يُفني لــهُ عجَبٌ...... أبقى لنا ذنَبا واستؤصلَ الراسُ ان الجديدين في طول اختلافهما......لايفــسدانِ ولـكن يفسـدُ النــاسُ أعجب وأعتصر ألماً وحسرةً وأتساءل؛ هل غدونا فاسدين لاننا نشتُم ُ قدوتنا ونرمي سهامنا على اجسادهم ونطيح بتماثيلهم التي تذكرنا بهم، اذا كان حدسنا صحيحا فالطامة الكبرى آتية بلا ريب وهذا هو الشوط الاول للخطر الذي بدأ يداهمنا لأننا نسيء لرجالنا العظام وهذا لعمري اول المفاسد وأكثرها بذاءةً  وانحطاطاً

jawadghalom@yahoo.com

نقلا عن إيلاف


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع