الأقباط متحدون - الثقب الأسود وجاذبية السلطة
أخر تحديث ٢٣:١٤ | الجمعة ٣ يونيو ٢٠١١ | ٢٦ بشنس ١٧٢٧ ش | العدد ٢٤١٣ السنة السادسة
إغلاق تصغير

الثقب الأسود وجاذبية السلطة

بقلم:عزت بولس
ينشأ الثقب الأسود بانتهاء عمر أحد النجوم الكبيرة، فينفجر وينهار على نفسه متحولاً إلى تجمع صغير محدود جدًا للمادة المكثفة التي تجذب بدورها كل ما حولها إلى اللامعلوم.
راودني هذا التشبيه عندما تذكرت نجم "مبارك" كيف كبر وجذب معه الكثير إلى ثقب بلا قاع، لأتذكر كيف بدأ رؤساء مصر السابقين "ناصر والسادات ومبارك" حكمهم ببدايات مبشرة حيث تفاعلوا فيها خلال السنوات الأولى مع طموحات شعوبهم، عبر إزالة الفواصل بين من هم في السلطة وبين الشعب مما جعلهم يشعروا بنبض شعبهم الذي أحسسهم بدوره بالحب والتقدير.
أشترك الرؤساء الثلاث مبدئيًا في الهدف وهو "خدمة مصر والعمل على تقدمها وتنميه مواردها" وبدون العودة إلى مراجع التاريخ يمكننا القول أن الثلاثة قد حققوا في السنوات الأولى لحكمهم نجاحات ملحوظة،على الصعيدين الاقليمى والدولي وبالطبع الداخلي ،فاستطاع ناصر استعادة الكرامة المصرية بجلاء الإنجليز عن البلاد وإنشاء الصناعات الثقيلة، كما حقق السادات نصرًا عسكريًا وسياسيًا فائق المهارة بحرب أكتوبر، ليأتي مبارك بعده ويبدأ في تصحيح المسار الاقتصادي بعد عشوائية سياسة الانفتاح السابقة لحكمه.
ولكن لم تستمر فترة الإنجازات تلك للثلاثة طويلاً فسرعان ما تبع فترة التواصل بين القيادة والشعب حقبة "الخطوط الحمراء وتدني سقف المحظورات" ففقد الحاكم حاسة السمع في التواصل مع شعبة وحساسية جس نبض الشارع،لتبدأ المؤسسة الحاكمة في إصدار فرمانات صارمة إلى وسائل الإعلام مُحذرة إياها من الاقتراب أو محاولة تخطى بأي صورة أيًا من "الخطوط الحمراء" المملاة من السلطة الأرضية الحاكمة إليهم، كما لو كانت تلك السلطة تمتلك أوامر إلهية مطلقه لا يصح طرحها للمناقشة ناهيك عن نقدها.
وانصاع نساء ورجال الأعلام إلى تعليمات السلطة وتجنبوا بالفعل الاقتراب من الخطوط الحمراء تلك إما خوفًا من العقاب الصارم، أو لنقل على أقل تقدير حتى لا يتم وضع العراقيل المختلفة أمامهم مما يعوق مواصلة عملهم الإعلامي،وبالطبع لم يستطع على مقاومة تلك الخطوط الحمراء سوى قلة قليلة ارتضت أن تعيش خارج حدود الوطن أو التواجد داخله بالسجون.
روضت المؤسسة الحاكمة الوحش الإعلامي وقلمت أظافرة واستأنست العاملين فيه عبر تحويل غريزة الخوف بداخلهم إلى وساوس من الرُهاب والعقد،فارتعشت الأقلام وهرب الإبداع الفكري ليحل محله التملق والنفاق لرجال الحكم الذين "صالوا وجالوا" دون رقابة من السلطة الرابعة التي هي الإعلام.
وبهذا كله انقضت فترة التوافق والتواصل بين الشعب ورؤسائه،وبدأ شيطان السلطة في العبث بأمخاخ حكامنا وتضخمت الذات فاشتركوا الثلاثة معًا- كل بفترته- في هدم ما تم تحقيقه من إنجاز بسنوات الحكم الأولي بهمة وجدارة مُبتعدين عن الشعب فتوالت النكسات و"أتوكس" الشعب المصري بحكامه، لتأتي ثورة 25 يناير وتُخلصنا- نحن المصريين- إلى حد كبير من الخوف من بطش السلطة، وتبدلت الأدوار وأصبح رجال السلطة السابقين في انتظار حكم القانون من خلف قضبان السجون.
لندع عبق التاريخ هذا جانبًا وننتقل للحاضر إلى الحقبة الرابعة المتمثلة في" المجلس العسكري" والبداية رائعة مُعبرة عن تلاحم مثالي بين الشعب وجيشه،وأعتقد أننا مازلنا نعيش في مرحلة الغزل وشهر العسل مع السلطة الحاكمة لنا الآن، وأمل أن تسير الشهور القادمة على نفس النمط من التوافق والتناغم، حتى تُسلم السلطة إلى حكام مُختارين من الشعب ودستور حضاري يستحقه الشعب المصري،ذلك لأن رقى الشعوب يُقاس بمقدار تخليها عن الخطوط الحمراء التي يُشرعها لها حكامها، والتي يفرضها أفراد المجتمع بعضهم على البعض،فكلما قلت الخطوط أزدهر الفكر وتفتحت العقول.
ولهذا نتوقع من المجلس العسكري أن يترك سياسة "الخطوط الحمراء" التي أدت إلى تأخر مصر لتتخطاها بلاد مثل كوريا والهند والصين وماليزيا وبعض الدول الأفريقية، نأمل أن يرفع المجلس سقف الحرية لحدوده "السحابيه" وننتظر من رجال المجلس العسكري دعم الأفكار التقدمية ومناقشة رجال الفكر والاستعانة بخبرتهم المشهود لها من الكثيرين، وأن لا يُسمح لأصحاب الصوت العالي أن يطغوا على صوت العقل فهناك أغلبية صامتة وأقليات مختلفة تنتظر تحقيق أمالها وطموحاتها على أيدي أمينة وواعية.
لو نجح المجلس العسكري في ذلك فسوف يذكر له التاريخ إنه قام بالمساعدة على عمل نقلة نوعية أخرجت مصر من سيطرة الخيال وخضم الغيبيات إلى منتدى الحضارة العالمية.
نحن لا نريد العودة بالعجلة إلى الوراء لنقع تحت براثن رجال بثوب جديد يخفضون سقوف الحرية بوضع خطوط حمراء على حق التعبير، مُستبدلين كوب الليمون بفنجان القهوة.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter