الأقباط متحدون - ما وراء مبدأ اللذة
أخر تحديث ٢٠:٤٠ | الأحد ١١ اغسطس ٢٠١٣ | ٥ مسري ١٧٢٩ ش | العدد ٣٢١٥ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

ما وراء مبدأ اللذة

الكاتب علي سالم
الكاتب علي سالم
بعد الحرب العالمية الأولى، ترددت على العيادة النفسية حالات لجنود يقومون من نومهم مفزوعين بعد رؤيتهم لحلم متكرر بنفس التفاصيل والملامح لواقعة مؤلمة حدثت لهم أثناء القتال. اهتم فرويد بهذه الظاهرة، خاصة أنها لا تتفق بل وتضاد ما وصل إليه عن الأحلام من أنها تهدف إلى حماية النائم أثناء نومه، تماما كالحارس اليقظ الذي يحرص على إبعاد كل ما يزعجك. ثم لماذا يتكرر هذا الحلم بمشاهده المزعجة عند هؤلاء الجنود، من أين - داخل العقل - يأتي هذا التكرار؟
 
بملاحظة ظاهرة التكرار عند البشر، اكتشف أن الطفل على استعداد، بعد أن تقص عليه جدته حكاية طريفة، أن يطلب منها إعادة حكايتها مرة أخرى. ولكن البالغ قد يشاهد فيلما ويعجب به، ولكنه ليس على استعداد لكي يراه مرة أخرى فور انتهاء العرض. من الممكن أن يراه بعد أيام أو بعد شهور. الطفل وحده هو من يشعر بلذة الحكاية حتى بعد أن يسمعها كل يوم. هناك إذن داخل العقل ميل قوي (Tendency) للتكرار، وهو ما يصنع مبدأ اللذة. (مبدأ) هنا بمعنى دافع أو محرك أو قاعدة. إنه جبر التكرار. غير أن هذا المبدأ ليست له السيادة المطلقة على العقل، وإلا كانت كل أفعال الإنسان تجلب اللذة، هو مبدأ قوي غير أنه معاكس بغريزة الموت، أي إن غريزة الموت تقف له بالمرصاد وتحرمه من ممارسة نشاطه بحرية مطلقة.
 
وأنا أعتقد أنه يحدث أحيانا أن يستسلم مبدأ اللذة لغريزة الموت فتمارس عملها من خلاله. أي يصبح الموت نفسه مطلبا باعثا على اللذة. موت الشخص أو موت الآخرين. لا بد أن ذلك يحدث داخل العقل في غياب الإحساس بالاحترام الكافي للحياة وللبشر الناتج عن الجهل واحتقار الذات. هذا هو الإرهاب كما أراه من وجهة نظر التحليل النفسي. لقد قابلت الكاميرا عددا من الأطفال في ميدان رابعة العدوية وسألتهم: لماذا أنت هنا..؟
 
فكانت إجاباتهم جميعا أنهم جاءوا ليستشهدوا، كانوا جميعا يشعرون بالبهجة ويتكلمون باستهانة عن الموت: «هي موتة يعني وللا اتنين»، «فيها إيه يعني لما الواحد يموت.. فيها حاجة دي؟». هكذا تم إسكات مبدأ اللذة بداخلهم، وتغليب غريزة الموت فتكلموا عنه بصدق وعذوبة. هذا هو المجال الحيوي الذي يجيد المتطرف العمل فيه، أن يدفعك ببطء بكل قدراته الذهنية لكي ترى في الموت شيئا جميلا.
 
لقد نصب أعضاء جماعة الإخوان فخا للدولة ولمريديهم وللباحثين عن بهجة الموالد المفتقدة، لكي يجدوا أنفسهم فجأة في مواجهة الموت. إن بناء دشم عسكرية في منطقة «رابعة» تحول المنطقة واقعيا وفعليا إلى ميدان قتال. هي دشم ذات مزاغل (فتحات)، الهدف منها أن تطلق النار على عدوك من موقع أكثر قوة. بينما هو مكشوف أمامك.. هو ليس اعتصاما، بل مصيدة لموت الناس.

نقلا عن الشرق الأوسط
 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع