الأقباط متحدون | لماذا أنا ؟؟ ولماذا يوم 20 سبتمبر ؟؟
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٣:١٣ | الثلاثاء ٢٠ سبتمبر ٢٠١١ | ٩ توت ١٧٢٨ ش | العدد ٢٥٢٢ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

لماذا أنا ؟؟ ولماذا يوم 20 سبتمبر ؟؟

الثلاثاء ٢٠ سبتمبر ٢٠١١ - ٥٣: ٠٩ ص +03:00 EEST
حجم الخط : - +
 

بقلم: صبحي فؤاد

 فى فجر مثل هذا اليوم 20 من شهر سبتمبر خرجت إلى الحياة مع أول شعاع من نور الفجر ولذلك أطلقوا على أسم " صبحى " . ولدت لام طيبة تخاف الله وتعمل بوصاياه ولكن كان تعليمها على قدر بسيط جدا واب فقير مثل الغالبية العظمى من المصريين . لم أكن وحيد أسرتى ولكن واحد من ضمن سبعة اولاد وبنت واحدة فقط .. كنا نتقاسم تقريبا كل شىء الملابس والاكل واماكن النوم والقليل من المال الذى كان المرحوم ابى يحصل علية من عمله كموظف صغير فى وزارة الصحه.

وفى حارة يوسف سليمان بحى الشرابية الذى كان يسكنه وقتها اغلب الغلابة من المصريين امضيت سنوات طفولتى احلم بانارة حارتنا وتنظيفها من القاذورات ومياه المجارى وزرع الاشجار على مداخلها ولكن الواقع كان يصدمنى فلم يكن هناك من يهتم بشىء سوى هذا الطفل البرىء الصغير الذى هو انا ..الكل كان مبسوط وراضى ويعيش حياته ويأكل ويشرب شاى ويتفرج على مباريات الاهلى والزمالك ويسمع ام كلثوم اخر النهار .

حاولت مرات ومرات تنظيف حارتنا وزرع شجر على مداخلها ولكن لم يكتب لمحاولاتى النجاح فكنت احزن فى داخل نفسى ولا اشكو لاحد . ومن فرط يأسى بدأت اتخيل نفسى اعيش فى بلد اخر غير ام الدنيا ..بلد ثانى يكون شوارعه واسعة ومضيئة ونظيفة وعلى جانبيها الاشجار .ولم اكن ادرى وانا طفل صغير ان شطحاتى وتخيلاتى سوف تصبح حقيقة وواقع اعيشة مهاجرا فى قارة استراليا . و بجانب ضيقى من عددم نظافة حارتنا كانت ظروف ابى المادية الصعبة - حيث كان مرتبة بالكاد يكفينا حتى منتصف الشهر - تنغص على حياتى وتسبب لى كثيرا من الالم ..كنت ارى الانكسار فى عينيه والارهاق والتعب واحيانا اليأس والاستسلام وللاسف لم اكن املك عمل اى شىء سوى الصلاة والتضرع الي صاحب الكون يوميا طالبا منه ان يساعدنى ان اقف بجوار ابى واخرجه من دائرة الفقر التى كان وكنا معه نعيش فيها . ولسوء حظه وحظى مات الرجل مقهورا مهموما وهو يبلغ من العمر 58 عاما بينما كانت مصر تحتفل بعيد قيامة السيد المسيح قبل الانتهاء من تعليمى والبدء فى العمل وبدون ان يعطينى الفرصة لكى ارد له ولو اقل من القليل من الذى اعطاه لنا ..مات ابى مقهورا مهموما وهو يكافح ويصارع من اجل تربيتنا وتعليمنا ورعايتنا بينما كانت مصر تحتفل بعيد قيامة السيد المسيح قبل عاميين فقط على احالته الى المعاش !!.

وانا طفل صغيركنت اهرب من واقع ظروفنا المعيشية الصعبة وحال حارتنا الذى لم يكن يسر عدوا او حبيبا بشراء المجلات والكتب من مصروفى الصغير وقضاء وقت الفراغ فى القراءة والكتابة والتوجه الى مقار الصحف المصرية لعرض ما كنت اكتبه على الدكتور لويس عوض ونجيب محفوظ واخرين غيرهما .. والمدهش انى كنت اجد رحابة صدر وتشجيع بصفه خاصة من الدكتور لويس عوض واديبنا الراحل نجيب محفوظ رغم بساطة ما كنت اكتبه واعرضه عليهم من اشعار وقصص قصيرة .

وتمر الايام والسنين ويشاء قدرى ان ادرس مهنة تركيبات الاسنان بالمعهد الصحى بالقاهرة رغم عن انفى لانى كنت ارغب فى دراسة الاعلام او الاخراج السينمائى وفور تخرجى كلفت من قبل وزارة الصحة بالعمل فى مدينة "بورسعيد" لكى اقوم انا وزميلى "مكرم فايق بشاى" من ابناء الفيوم بتأسيس اول معمل تركيبات اسنان حكومى فى تاريخ هذه المدينة العظيمة .

وبعد قضاء عدة سنوات فى العمل ببورسعيد والخدمة العسكرية الالزامية بصحراء ابو صوير انتقلت الى القاهرة وعملت بمستشفى امبابة العام (الموظفين)فى معمل تركيبات الاسنان .

وفى مطلع عام 1979 اذا بى افاجىء بزميلى مكرم فايق بشاى ياتى خصيصا من مدينة بورسعيد لكى يخبرنى ان الحكومة الاسترالية اعلنت عن حاجتها الى تخصصى فى تركيبات الاسنان وقام بتشجيعى للتوجه الى السفارة وتقديم طلب هجرة .

وخلال عام تقريبا انتهيت من جميع اجراءات الهجرة بما فيها موافقة وزير الصحة شخصيا على هجرتى لانه كان ممنوعا على خريجى قسم تركيبات الاسنان بالسفر خارج مصر لحاجة البلد اليهم . وبعد ان حصلت على تأشيرة الاقامة الدائمة باستراليا على جواز سفرى المصرى اكتشفت اننى لا املك مليما واحدا من ثمن تذكرة السفر بالطائرة وعندما علمت زميلتى " رفقة" بهذا الامر ذهبت وتحدثت مع زوجها بدون علمى واذا بى افجىء بحضوره الى مكان عملى ويعطينى اكثر من ثمن تذكرة الطائرة داخل مظروف مغلق وقال لى بعد ان توصل استراليا وتتحسن ظروفك المادية يمكنك اعادة هذا المبلغ مرة ثانية.

وهكذا وجدت جميع العقبات ازيلت تماما من طريقى لكى ارحل عن ام الدنيا فى يوم 29 فبراير من عام 1980 ودموعى تنهمر على وجهى وقلبى يتمزق داخل صدرى بينما كانت صرخات الراحلة امى تلاحقنى وتطاردنى وتتوسل الى ان اغير فكرى واتراجع عن قرارى بالهجرة .

كانت تللك وستظل اللحظات التى ودعت فيها امى واخوتى فى مطار القاهرة من اشقى اللحظات واتعسها فى حياتى كلها واصعبها تركت عندى احساس مستمر ودائم بالغربة والضياع حتى هذه اللحظة .

واذكر يومها وانا اخطو بخطوات بطيئة الى داخل الطائرة والدموع تسبقنى ان قلت داخل نفسى : لماذا انا ؟ اخى الذى كان يكبرنى بعاميين وكان من الاوائل على مستوى الجمهورية وفى كلية الهندسة تقدم بطلب هجرة الى استراليا ورفضوه بينما قبلونى انا من وسط 500 فرد تقدموا يومها الى الهجرة . اكيد هناك سبب لسماح الله لى بالخوض فى تجربة الهجرة وترك حارة يوسف سليمان بحى الشرابية لكى انتقل الى مدينة ملبورن التى اختيرت كافضل مدن العالم عدة مرات كان اخرها هذا الشهر .

ومرت السنين بعدها لكى اكون انا السبب وراء احضار امى وشقيقتى وثلاثة من اخوتى وتأسيس شجرةالعائلة فى استراليا ولكن للاسف ماتت امى واخى الاكبر منذ اعوام قليلة متغربين عن وطنهم الام وكانت امنية امى ان تموت على ارض اباءها وجدوها الا ان تدهور حالتها الصحية المفاجىء لم يسمح بتحقيق رغبتها .

واليوم وانا احتفل بينى وبين نفسى بعيد ميلادى بعيدا عن الصخب والضوضاء والحفلات اجدنى من جديد اتساءل فى حيرة من امرى : لماذا ولدت فى يوم 20 سبتمبر ؟ ولماذا لم يكن يوم 16 اغسطس مثلا؟ وهل لو كان يوم مولدى 20 مارس على سبيل المثال كنت ساصبح شخصا اخرا يعيش حياة مختلفة عن تلك التى عشتها اوالتى لازلت اعيشها ؟ ولماذا انا الذى اختيرت من وسط جميع اخوتى لكى اكون اول المهاجرين فى اسرتى ؟ وماذا لو لم اكن درست تركيبات الاسنان رغم انفى ودرست بدلا من ذلك الاعلام او الاخراج السينمائى هل كنت سأظل اعيش فى حارة يوسف سليمان بحى الشرابية ام اننى كنت اصبحت من مشاهير المجتمع المصرى ؟

ولماذا انا دائما مهموم ومشغول بمشاكل امنا مصر اكثر بكثير من انشغالى بمشاكل وطنى الجديد استراليا ؟ ولماذا ولماذا ولماذا ..عشرات الاسئلة تحيرنى وتجهد عقلى وفكرى لااجد لها اجابة مقنعة او معقولة واعتقد انها ستبقى لغزا غامضا فى حياتى حتى اخر لحظات العمر .


sobhy@iprimus.com.au




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :