الأقباط متحدون - القمامة.. والحضارة!!
  • ٢٢:٢٤
  • الأحد , ١٩ فبراير ٢٠١٧
English version

القمامة.. والحضارة!!

مقالات مختارة | عاطف بشاى

٤٧: ٠٧ م +03:00 EEST

الأحد ١٩ فبراير ٢٠١٧

عاطف بشاى
عاطف بشاى

لى صديق وجار يعمل مهندساً للديكور مصاب بـ«فوبيا النظافة»، فيرى أنها ليست فقط من الإيمان لكنها سر الحياة ولغز الوجود وجوهر الحضارة وأصل الإنسانية ومغزى التقدم والرقى والنهضة.. ودائماً ما يفخر بأن المصريين القدماء هم أول من اخترعوا «المراحيض».. ثم تدمع عيناه فى تأثر وهو يقول لك إن أحفادهم الآن يتبولون إلى جوار تماثيلهم العظيمة فى الأماكن الأثرية.

صديقى هذا كوّن ائتلافاً اسمه «النظافة أولاً»... هو رئيسه... وعضوه الوحيد... يمارس من خلاله إرهاباً علينا؛ فهو يحصّل منا مبالغ إضافية لنظافة العمارة، ويجبر البواب على تنظيف السلم ثلاث مرات فى اليوم.. وتسبب بذلك حتى الآن فى فرار ثلاثين بواباً من العمل فى خدمة العمارة.

وفى إحدى المرات فتح باب شقته خلسة وشاهد ساكناً يسحق عقب سيجارة تحت قدمه فاشتبك معه وحرر له محضراً فى قسم البوليس بتهمة «ازدراء» النظافة وتمجيد القذارة.

- ابسط يا عم.. لقد قضيت عمرك كله ساخطاً على قذارة وجه «مصر» الملطخ بالقمامة والنفايات... ها هو رئيس الجمهورية يبدأ عهده بمشروعه النهضوى الكبير لنظافة «مصر» خلال مائة يوم... أعتقد أنك أسعد الناس بذلك...

ثم داعبته مردداً:

- لا أعرف لماذا لم يستعينوا بكفاءة مثلك فى هذا المجال...

قال فى تأثر:

- للأسف لم يتصل بى أحد.

ثم يبدى دهشته من ردود الفعل الكثيرة التى قرأها حول هذا المشروع والتى تركزت كلها فى أن المائة يوم غير كافية... وقال إنهم لو كلفوه بتلك المهمة لأنجزها فى خلال أربعة وعشرين ساعة فقط.

وانتفض الشعب فى (30) يونيو وأزاح الإخوان ووضع رئيسهم وأذنابهم فى السجن وما زال يطارد الإرهابيين من فلولهم وجاءت حكومة «الببلاوى» فعينت «ليلى إسكندر» وزيرة للبيئة فتفاقمت تلال القمامة فى الشوارع والميادين وصارت القذارة عنواناً للعاصمة وسائر المحافظات وتوارى الحديث تماماً عن أى مجهودات تبذل لإزالة المخلفات..

فلما رحلت حكومة الببلاوى وأتت حكومة محلب تم مكافأة الوزيرة الهمامة بالبقاء رابضة فى مكانها الأثير.. ولأن آفة الناس النسيان فقد نسوا.. بل يبدو أن الجميع قد تكيفوا وقرروا التعايش مع القبح والقذارة.. وأنا شخصياً فى هذه الفترة لم أدهش ولم أتأفف حينما رأيت حماراً رابضاً فى نهر الشارع أمام سينما «ريفولى» يأكل ويتبول ويتبرز وقد فك صاحبه وثاقه وأخذ يلتهم طبقاً من الكشرى تناوله من بائع يقف بعربته إلى جواره بينما يحدق هو مبهوراً بأفيشات فيلم رخيص بطله «بلطجى» يدعى «عبده موتة».

لكن المفزع حقاً أن الإهمال ما زال متراكماً وأصبح التسيب، تلك السمة البغيضة، طقساً اعتيادياً متوارثاً يكشف عن جريمة تدمير تراث فنى وحضارة عظيمة شيدها الأجداد.. كشف عنها ملف خاص قرأته بجريدة «الوطن» يتحدث عن أكوام القمامة والحيوانات النافقة وقطعان الماعز والكلاب الضالة التى تحيط بكثير من المعابد والمناطق الأثرية فى الأقصر بعد أن ظلت صامدة على مدار (3) آلاف عام.. لكن الإهمال ضرب كل أرجائها فأصبحت مقالب للقمامة وبركاً للمياه الجوفية ومياه الصرف وسط صمت من وزارة الآثار التى تتحجج دائماً بعدم وجود ميزانيات لتطوير وترميم المعابد أو وضع حراسة كافية لحمايتها.. فمعبد (كومير) بمركز إسنا جنوب الأقصر والذى يعتبر تحفة هندسية تمثل أهم المعابد فى مصر وشُيد منذ ألفى عام تحول إلى خرابة كبيرة وأطلال تخفى معالمها منازل الأهالى وروث الحيوانات وتلال التراب.

أما أبشع ما جاء بالتقرير فهو ما حدث فى مدينة «أخميم» الأثرية فى «سوهاج» حيث معبد «رمسيس الثانى» الذى تم الكشف عنه فى عام (1981) عندما كان يتم بناء معهد أزهرى بالمنطقة.. بعدها تم إيقاف الحفر ليتم الكشف عن أكبر تمثال لسيدة فى العالم وهو تمثال «ميريت آمون» ابنة رمسيس الثانى الذى يبلغ ارتفاعه (11.5) متر ووزنه أكثر من (20) طناً.. لكن المشكلة الكبرى تمثلت فى أن المعبد يمتد أسفل مقابر ومنازل الأهالى.. وتم وضع خطة لإخلاء المقابر وبناء مقابر بديلة لهم فى منطقة «الكوثر» على الجبل الشرقى.. وتكلف ذلك أكثر من (150) مليون جنيه.. وتم وضع خطة أخرى لتهجير الأهالى من المنطقة.. لكن مع ثورة (25) يناير ذهبت كل الجهود سدى فبعد أن توقف دفن الموتى فى المقابر.. عاد الأهالى من جديد لدفن موتاهم فى المقابر القديمة والهدف من وراء ذلك استمرار أعمال السلب والنهب للآثار من داخل المقابر والمنازل التى تتم بشكل يومى حتى إن رجال شرطة السياحة والآثار والمباحث لا يتمكنون من ملاحقة عصابات التنقيب بسبب كثرة عملياتهم التى يقومون بها فى المنطقة واستخدامهم وسائل ومعدات متطورة فى الحفر.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع