الأقباط متحدون - المهنية التلفزيونية وإعلاميو الموالاة
  • ١٨:٢٧
  • الخميس , ٣ نوفمبر ٢٠١٦
English version

المهنية التلفزيونية وإعلاميو الموالاة

سعيد السنى

مساحة رأي

١٧: ١٢ م +03:00 EEST

الخميس ٣ نوفمبر ٢٠١٦

سعيد السني
سعيد السني

 في مداخلاته طوال أيام «مؤتمر الشباب» المنعقد بشرم الشيخ (25 – 27 أكتوبر)، جدد الرئيس عبدالفتاح السيسي انتقاداته للإعلام، واصفاً إياه بالانفصال عن الواقع وتزييف وعي الناس، ومُلقياً عليه بالمسؤلية عن أزمة الدولار وصعوده الصاروخي على جثة الجنيه المصري، وإفساد «علاقات جيدة» تربطنا بدول أخرى.. ليست هذه هي المرة الأولى التي يتحامل فيها الرئيس على «الإعلام»، ويُعلِق في رقبته كل الخطايا الحكومية أو غالبيتها.. بل يكاد يكون مثل هذا القصف الرئاسي للإعلام، فقرة شبه ثابتة في خطاباته منذ توليه رئاسة البلاد.. فقد سبق للرئيس استنكار المعالجات الإعلامية لغرق الأسكندرية في السيول، وفي مناسبات عديدة سابقة تحدث عن الإضرار بالمصالح المصرية في قضايا سد النهضة ومقتل الإيطالي جوليو ريجيني وسقوط الطائرة الروسية بسيناء، وغيرها، من خلال ترويج الوسائل الإعلامية للاكاذيب والإدعاءات.. يُحسب للرئيس في هذا الهجوم المتواصل أنه يكون معاتباً، مؤكداً على حُسن النية لدى الإعلاميين، مُستبعداً سوء القصد.. لكن هذا التسامح الرئاسي لم يمنع «الميليشيات الإليكترونية» الموالية على الإنترنت، من تخوين وإهانة الإعلاميين بكل أنواع السباب والشتائم.

هذه «الاتهامات» التي يسوقها «الرئيس السيسي» للإعلام والإعلاميين، حتى وإن كانت مغلفة في عتابات رقيقة أحياناً وغاضبة في حالات أخرى، ربما استناداً إلى تقارير يتلقاها سيادته ترى الأمور على غير حقيقتها، سواء عن قناعة من محرريها، أو تستراً على أخطاء يقعون فيها، ويستسهلون تحويل الإعلام إلى «شماعة» يعلقون عليها فشلهم.. يمكن تسجيل بعض المآخذ على معاتبات الرئيس للإعلام تحريراً لها من التشوش والخلط العالقين بها.. إذ يدعو الرئيس في كل مرة إلى التزام «المعايير المهنية» في التناول الإعلامي، وهو مطلب لا خلاف عليه.. تفكيكاً للمسألة.. فإن الصحافة المكتوبة ( الصحف ومواقعها)، هي الوحيدة المحكومة بتشربعات تنظم شئونها، إذ يحكمها قانوني «تنظيم الصحافة»، و«نقابة الصحفيين»، و«ميثاق الشرف الصحفي»، وثلاثتهم يحوي معايير مهنية صارمة، وهذه التشريعات على كثرتها، لا تضمن للصحفي الحصول على المعلومات والإحصائيات والأخبار من مصادرها، بل مجرد عبارات إنشائية لا تُلزِم الجهات المعنية بإجابة الصحفي إلى طلبه أو استفساراته (المواد أرقام 8، و9، و10 بقانون الصحافة)، بما قد يفتح الباب لوقوع الصحافة فريسة للتضليل أو االمعلومات المغلوطة حين تلجأ مضطرة إلى مصادر غير مختصة أو خفية، وهنا فإن اللوم يكون على الجهات الحكومية الرافضة لتداول المعلومات والحيلولة دون وصولها للرأي العام.. رغم هذه القيود والعقبات الخانقة لعمل الصحفي، فهناك ترسانة من النصوص العقابية بقوانين العقوبات والكيانات الإرهابية كفيلة بسجن الصحفي وتغريمه وتشريده، ناهيك عن حالة التربص بالصحافة واقتحام نقابتها وملاحقة الصجفيين وسجنهم، بفعل وتأثير هذه الانتقادات الرئاسية التي ليست في محلها بالنسبة للصحافة المقروءة على الأقل.. إذ يتم تجاوز «المعايير المهنية» بالفعل، بل واغتيالها في غالبية «برامج التوك شو» التلفزيونية المسائية، وربما غيرها.. الإشكالية هنا، تكمن في أن المتجاوزين من مقدمي هذه البرامج، ينتمون إلى «فريق الموالاة»، يرافقون الرئيس في جولاته الخارجية، وهم يستظلون بحماية وحصانة من الملاحقة القانونية والمحاسبة عند التجاوز.. فلماذا لايلزمهم الرئيس بالمعايير المهنية المرجوة، إن وجدت هذه المعايير، لأنها غير موجودة بالاساس.. فهناك فراغ تشريعي بشأن الإعلام المرئي والمسموع يفتح مجالاً للتجاوز المهني، بينما الدولة تماطل في إصدار التشريعات اللازمة.. ربما لأن هؤلاء الذين نتحدث عنهم، مطبلون، راقصون على كل الحبال، آكلون على موائد كل الأنظمة يحظون بالرضا.

من زاوية أخرى.. فإن الذي قاد الهجوم الإعلامي على الدولة الصديقة المقصودة في كلام الرئيس، هم «إعلاميو التوك شو»، وضيوفهم، وهم موالون كما سلف القول، ومعلوم أنهم لاينطقون عن الهوى، انما بوحي من أجهزة خفية وراء الأستار.. فإذا كانوا أو المحركون لهم قد أساءوا التقدير وأضروا بعلاقاتنا مع الدولة المشار إليها، فهذا ليس ذنب الإعلام.. فإذا انتقلنا إلى أزمة الدولار، فهي نتيجة نقص الصادرات وتحويلات المصريين وغياب السياحة، والفشل الحكومي في معالجة هذه الاسباب، وكذا الحال، بشأن قضايا ريجيني، الطائرة الروسية، و«سد النهضة». 
 
لايفوتنا أن هذا الهجوم الرئاسي المتكرر على إعلامنا، يجرده من المصداقية خارجياً، وهو مالا يمكن أن يكون مقصودا أو مرغوباً رئاسياً، سيما وأن هذه «التجاوزات المهنية» التلفزيونية صرفت المشاهدين عن فضائياتنا، الخاصة والحكومية على السواء، لصالح قنوات الإخوان التي تبث من تركيا، وغيرها بحثاً عن الرأي الآخر.. من الملائم أن يتوقف الرئيس السيسي عن توجيه سهامه إلى الإعلام، والتركيز على مراجعة الأداء الحكومي المتدني والفاشل، الذي اغرقنا في الأزمات والمشكلات بشكل غير مسبوق.. وليترك الإعلام ينير الطريق ويساعده على تحري السلبيات وعوائق النهوض من كبوتنا. 
 
نسأل الله السلامة لمصر.