الأقباط متحدون | مهندس العقول عدلي أبادير
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٢١:٠٤ | السبت ١ يناير ٢٠١١ | ٢٣ كيهك ١٧٢٧ ش | العدد ٢٢٦٣ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار
طباعة الصفحة
فهرس مع رئيس التحرير
Email This Share to Facebook Share to Twitter Delicious
Digg MySpace Google More...

تقييم الموضوع : *****
٢٤ أصوات مشاركة فى التقييم
جديد الموقع

مهندس العقول عدلي أبادير

السبت ١ يناير ٢٠١١ - ٠٠: ١٢ ص +03:00 EEST
حجم الخط : - +
 

بقلم: عزت بولس
بالأمس ومع احتفالات العالم باستقبال عام جديد، يكون بذات الوقت مضي عام كامل على رحيل المهندس عدلي أبادير يوسف عنا بالجسد، نعم هو رحيل جسدي فقط فأفكار راحلنا الحبيب التي زرعها كانت ومازالت وستظل باقية لنا وللأجيال القادمة التي تُريد أن تتعرف على نموذج بشري جسد عبر حياته كلها  القيم الإنسانية العالية التي تحتاج عند تنفيذها لجهاد طويل مع النفس لإستياعبها أولاً ومن ثم تنفيذها.
 أبادير هو ذلك الرجل الذي ظل طوال سنوات حياته مثال حي للرجل المصري الأصيل حيث العزيمة الصلبة التي لا يمكن أن تضعف تحت وطأة أي ظرف حياتي صعب أو مرض عضال يؤلم النفس قبل الجسد،إضافة لإرداته الفولاذية في الدفاع عن الحقوق الإنسانية دون خوف من مواجهة مُحترفي زراعة الكراهية والبغض، وسارقي حقوق الآخرين بضمانات مناصبهم وسلطاتهم التي جعلت سرقتهم تلك للحقوق تتم بمهارة "النشال المحترف" الذي يأخذ منك ما يريده دون أن تشعر أن يده تتسلل إليك لسرقتك وإفقداك أشياءك الثمينة.

رحل أبادير لكن البذور التي ألقاها ونمت كزرعة صغيرة أثناء سنوات حياته الأخيرة،بدأت الآن تزهر وتأخذ مناحي جديدة أكثر نجاحًا وفاعلية مستمدة قوتها في وجه أي ريح تحاول اقتلاعها من روح زارعها القوية الذي منحها نفحة حياة صلبة...جادة...متجددة...واعية...ثرية.
أبادير عن جدارة يستحق أن نصفه بأنه" مهندس العقول" ذلك لأنه أتي إلينا بالكثير من الأفكار التي يمكننا أن نُطلق عليها"أفكار سابقة لزمانها" وبإطار نهجه الفكري المتجدد هذا، لم ينزعج أبادير يومًا  من المُنتقدين له ولشكل أسلوبه بطرح أفكاره أو نمط علاقته مع الآخرين،وقد نجح رغم كل شيء في أن يصل بشخصيته تلك التي لايخشي منتقدي نهجها من الوصول لقطاعات كبيرة من المصريين أولاً، والذين تفهموا جيدًا مطالباته الحقوقية التي تعكس خلل تطبيق" المواطنة" في مصر مما يؤثر بالسلب ليس فقط على المسيحيين أصحاب المشكلات وإنما على الوطن ككل.
طوال السنوات الخمس الأخيرة بحياة راحلنا الحبيب أبادير اقتربت من شخصه ولمست وفهمت كيفيات تعامله مع الصعوبات المختلفة التي كانت تواجهه وهو بسن بحاجه للراحة أكثر من أي شيء أخر،مما أكد لي أن ذلك الرجل شديد الصلابة نفسيًا و قوي الإيمان- أقصد المعني الواسع للإيمان أي الإيمان بالقيمة والمعني والحق- ولو عدنا لسنوات حياته الأولي وخاصة أثناء تواجده كرجل صناعة واقتصاد بالمجال الأول لأستنتجنا الكثير من الأشياء.

فلنتصور حجم الآمال التي أتت بها ثورة أو انقلاب 1952 لفكر رجل صناعة مصري صميم كراحلنا الحبيب أبادير،وكيف تحطمت تلك الآمال سريعًا جدًا عندما أظهرت الثورة الانقلابية وجهها الحقيقي القبيح المليء بتجاعيد التعصب والكراهية والرفض للأخر الديني،تلك التجاعيد التي كانت أقوي من كل عمليات التجميل التي حاول البعض إجرائها لإخفاء حقيقة ثورتهم الانقلابية تلك.
أتخيل حجم نجاحات المشروعات الاقتصادية لأبادير قبيل بدء زراعة الطائفية في مصر مع 1952 وكيف تناقصت إلى أن أختفت، عندما بدأ "عسكر الثورة" كما كان يطلق عليهم راحلنا في تخريب هويتنا المصرية واختراقها لصالح بناء هوية جديدة تسمي" القومية العربية" تلك التي تنمو بتهميش دور المسيحي المصري، وكأنه كائن لا يستحق سوى العيش في ظل الحياة بكافة مناحيها السياسية والاقتصادية وغيرها.
ذلك المُناخ البغيض الذي تكون في منتصف 1952 لم يستطع أبادير التعامل معها كمصري أولاً ورجل صناعة ثانيًا للتعامل معها طويلاً فجاء قراره الصعب بمغادرة مصر لسويسرا وتحديدًا "زيورخ" تاركًا وراءه سنوات طويلة من النجاح الاقتصادي والإنساني أيضًا حيث كان له عدد كبير من أصدقاء غير مسيحيين وغير ملوثين بأفكار 1952 الظلامية.

أتي أبادير لبلد الدقة وتحفيز الإبداع والابتكار واستيعاب القدرات "سويسرا" ومنحه ذلك الموطن الجديد  ما فشل النظام بوطنه الأم في منحه إياه فنجح وأكتسب احترام وثقة كل من تعامل معه ليؤكد للجميع بأنه كان إضافة لسويسرا مثلما منحته هى فرصة حياة جديدة،وذلك النجاح بالقارة الأوربية العجوز لم يمنع أبادير عن متابعة أحوال وطنه مصر فارتباطه الوجداني بها أكبر من حدود المسافات الجغرافية، ولهذا وفور إعلان الرئيس السادات عن سياسات "الانفتاح الاقتصادي" حتى عاود أبادير مزاولة نشاطاته الاقتصادية بالقاهرة وظل برحلات مكوكية بين القاهرة وزيورخ أنجز خلالها عدد من المشروعات الاقتصادية الهندسية الطابع..ولنا أن نتخيل هنا حجم السعادة التي كان يشعر بها ذلك الرجل آنذاك حيث العودة للوطن ومزاولة أنشطة اقتصادية ناجحة بعد انقطاع سنوات طويلة.
 
تلك السعادة لم تستمر طويلاً حيث هبت ريح عاتية من داخل الوطن مصر على أبادير ومؤسساته الاقتصادية حيث تم اتهامه زورًا في قضية عرفت بأسم" الرشوة الكبرى" ليصدر حكم ببراءته بعد قضاء نحو ثمانية عشر شهر بالسجن المصري،ورغم قسوة التجربة إلا إنها لم تنل من عزيمة وصلابة راحلنا العظيم...ولكم أن تتخيلوا معي حجم قسوة تلك التجربة على رجل كان وقتها بالستينات من العمر أعتاد على شكل معين من الحياة وفجأة يجد ذاته نائمًا على "البرش" لا لذنب ما أقترفه أو أمانة خانها.
عايشت بذاتي حجم عطاء أبادير للمُحتاجين من حوله أو السائلين لدعمه المادي لإكمال دراستهم أو علاج من مرض عضال،العجيب والمؤسف بذات الوقت أن بعضًا من هؤلاء كانوا يقابلوا إحساناته تلك إليهم بنكران للجميل،بل أن بعضهم وأقولها وغصة شديدة بحلقي استخدموا فيما بعد كأدوات للهجوم الشخصي عليه،وهو ورغم ذلك القبح الإنساني منهم كان دائمًا متفهم لدوافع نفوسهم المريضة التي جعلت يسلكون بنهج غير سليم مع إحساناته معهم،ولهذا ظل دائمًا محافظًا على عطاءه مع الجميع رغم كل شيء،وعندما كان ينتقده أحدهم  لنهجه هذا مع المسيئين له ممن أحسن هو إليهم كان يقول "أنت رائيك استشاري ولكن مش ملزم لي أن أعملة، أنا ماشى بمخي مش بمخك " وذلك ليس معناه أنه كان يصر على آراءه لأجل الإصرار بحد ذاته وإنما لاقتناعه الشخصي بصحة رأيه هذا الذي يمكن أن يُعدل عن اعتناقه متى أقتنع بأخر بديل.

لراحلنا الحبيب أبادير مقدار عجيب من رباطة الجأش في مواجهة كافة أنواع الأزمات التي لم تهزه نفسيًا مهما كان حجمها،وذلك لأنه كان يجيد التعامل مع الأزمات بكافة أنواعها ويُحسن التعامل معها بقدر عالي من الحنكة والحكمة معًا،ولمست ذلك جليًا عندما عايشت نمط عمل وإدارة أبادير في تنظيم مؤتمره الأول بزيورخ عام 2004 حيث المجهود الضخم المبذول من شيخ بالثمانين وأتحدى أن يقوم بمثله شاب في الثلاثين،لكنه الإيمان نعم الإيمان بفكرة وقيمة ومبدأ يدفع صاحبه لبذل طاقات غير محدودة مهما كانت المعوقات لتحقيق ما يؤمن به،وبالفعل نجح أبادير وعقد مؤتمره الأول الذي شمل نشطاء متخصصين في شئون الأقليات من قارات العالم الخمس.
أكد أبادير لنا جميعًا بتحريكه للمياه الراكدة في مجال حقوق المسيحيين داخل مصر بأن قاموسه لا يعرف مصطلحات الهزيمة أو اليأس،والدليل أن خطوة المؤتمرات الأكثر حديثًا على كافة المستويات السياسية منها والإعلامية لم تكن محطته الوحيدة بسنوات عمره الخمس الأخيرة،وإنما أعقبها تأسيس "الأقباط متحدون" كجريدة إليكترونية يمكنني أن أسميها بالصخرة التي بنى عليها أبادير أماله لتصدير القيم الحقوقية الرفيعة للعالم أجمع وللمصريين بشكل خاص.

الخمس سنوات من حياتي التي تلامست من خلالها عن قرب مع أبادير كانت مرحلة رائعة بحياتي، كنت أتمني أن تكون أطول لكن القدر لم يمنحني أمنيتي تلك وبالنهاية إرادة الله فوق إراداتنا البشرية.
الله أحب عبده أبادير ومنحه الكثير من القدرات الفطرية في التواصل مع الناس والتأثير فيهم وذلك ما يسمونه"الكاريزما" إضافة للروح الطيبة والذاكرة الجيدة والذهن الواعي حتى أخر لحظة بشيبته الصالحة والجميع يعلم قدرة ذلك الرجل الذهنية التي لم تتأثر بالعمر، حيث تذكر الأحداث وأسماء الأفراد جيدًا بغض النظر عن موقعهم الزمني أو الاجتماعي بحياته.
م. عدلي أبادير يصعب على أن أصفك بالراحل ولهذا عزائي بأنك حي في حياتي بذكرياتي معك خلال أخر خمس سنوات بعمرك،ولن أنسي ثقتك التي منحتها لي ولم ولن أحيد على ما أوصتنا به لحماية صخرتك"الأقباط متحدون" طوال سنوات عمري القادمة.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تقييم الموضوع :