يتميز الإنسان بأنه كائن اجتماعى يحيا فى اتصال مع الآخرين بشكل مستمر، ومن خلال هذا الاتصال يتحقق وجوده، ويمارس إنسانيته. ولكننا الآن أصبحنا نرى بعض الشباب فى حالة من الاغتراب عما حوله، فكثير من الشباب مغترب عن المجتمع، لا يشعرون بهمومه أو قضاياه، وليست لديهم مساحات وقنوات للاتصال مع الآخرين سواء فى: الأسرة أو المدرسة أو الجامعة أو العمل.. أو حتى على المستوى الفردى مع الأصدقاء! لهذا أصبحنا نرى بعض الشباب مستمتعين للغاية، وهم فى حالة من الانعزال عن الآخر، الذى لا يهتمون بالتواصل معه. والبعض الآخر يعيش أنانيًا، محباً لذاته ولذاته، فيحيا الغربة، ويتغرب عن نفسه وأعماقه وربه!.

 
ويمكنك أن ترى هذا، حين تلاحظ ذلك الموقف المتكرر لشباب، يضع فى أذنيه سماعات (الوكمان) - فى أى مكان- منفصلاً بالكامل عن الآخرين، وذلك رغم خطورة هذه السماعات، التى غالبًا ما تتلوث بميكروبات، تدخل بها إلى الأذن الوسطى، ثم المخ، وتحدث الكثير من المشاكل. أو تجده يقضى الساعات على الموبايل، والإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعى، وينعزل بذلك عن أسرته ومجتمعه!! وقد ارتبط هذا الاغتراب بنوع من الأنانية فحين يفقد الشخص تواصله مع الآخرين، يفقد اهتمامه بهم.. ويحيا فى سجن الذات!!! ونستطيع أن نرى هذا وسط قطاعات عديدة من الشباب، الذى يحيا بمبدأ: «أنا ومن بعدى الطوفان»!! إن الروافد التى تغذى هذه الظاهرة (ظاهرة الاغتراب والتقوقع حول الذات) متعددة، ولكن من أهمها التنشئة، والتربية غير السليمة، وسوق العمل أحيانًا.
 
 
1- ونقصد بها الأسرة، والمدرسة، الجامعة. فالبداية هى الأسرة: فمع حالة الاضطراب التى سادت المجتمعات فى العقود الأخيرة، أصبحت الأسرة تنشئ أبناءها على الخوف من كل ما هو خارجها، وعلى الاهتمام فقط بسلامتهم ومصلحتهم الخاصة، دون النظر إلى الآخرين أو المجتمع.
 
2- ثم تأتى المدرسة والجامعة، لتعزز هذه الفكرة أحيانًا، فتشعر تلاميذها بالخوف من الآخر، أو تدفعهم إلى الانطواء والتقوقع، ولا تحاول تربيتهم وتدريبهم على العمل الجماعى.
 
3- وتظهر هذه المشكلة بشكل أكثر حدة بين بعض المتفوقين الذين يتم تربيتهم لا على أن يكونوا متفوقين وسط متفوقين آخرين، ولكن على أن يكونوا متفوقين وسط فاشلين (كما يتوهمون)!!
 
4- والنتيجة أنهم أحيانًا يحاولون أن يجعلوا من الآخرين فاشلين ليصعدوا على فشلهم!
 
إن المشكلة هنا أننا لا نربى على أن نعمل معًا – كل على قدر طاقته - لتحقيق مستوى أفضل، ونتقدم كلنا معًا، سواء على المستوى الفردى، أو المجتمعى، أو على مستوى الوطن.
 
■ ثانيًا: سوق العمل
 
1- فى ظل مجتمع واقتصاديات السوق، وتحول الفرد العامل إلى جزء من التكلفة - بالنسبة إلى صاحب العمل - وفى ظل زيادة المعروض على المطلوب، أصبحت الأجور غير متناسبة مع المجهود المبذول، مما عمق فى نفوس الشباب الشعور بالظلم والإحباط، وأيضًا الخوف من المستقبل. وهذا دفع الشباب لأن يعمل طوال الوقت ليؤمن لنفسه حدًا أدنى من الحياة الكريمة.
 
2- وفى ظل هذا يصبح الحديث عن الآخر أو الوطن نوعًا من الرفاهية التى لا يملكها.
 
3- والنتيجة هى أن بعض الشباب أصبحوا مجموعات من الجزر المنعزلة، بداخل بحر المجتمع الاستهلاكى الجديد.
 
4- وقد يوجد الشاب مع الآخرين فى نفس المكان والزمان، ولكنه فى الحقيقة هو مغترب عنهم، يحيا بداخل مشاكله الخاصة.
 
5- ونظرًا لأن الإنسان كائن اجتماعى لا يستطيع أن يعيش فى جزيرة معزولة من الأنانية والعزلة الداخلية، بل يريد أن يكون محبًا ومحبوبًا.
 
6- وإذا لم يحقق هذا يحدث ضغوطًا نفسية وعصبية فى حياته، وما يتبع ذلك من آثار نفسية وجسمانية فى نواحى كيانه النفسى وأعضائه الجسدية.
 
7- بينما الإنسان الذى يحيى التوافق مع الآخرين إنسان سوى نفسيًا واجتماعيًا وجسديًا، ولا يحيى الاغتراب عن النفس، حيث يجد نفسه فى وظيفته ودوره، وفى إسهامه فى البناء العام والكيان المتكامل.
 
■ هكذا رأينا أن الشباب قد يقع فى محل «المتفرج»، «والفاعل» هنا قد يكون مؤسسات التنشئة، أو الإعلام، أو سوق العمل أو كلها مجتمعة. وهذا «الفاعل» يضغط على الشباب بشكل شديد، فيدفعه للإحباط، وأن يحيا حياة مليئة بالمظاهر الكاذبة، دون أن يشعر بسعادة داخلية حقيقية. إن هذا «الفاعل» يدعم ثقافة السوق، والنتيجة هى الحالة التى نرى عليها بعض الشباب الآن.
 
ختامًا: الأمل الوحيد يكمن فى الخروج من هذا المأزق، هو أن يقرر الشباب أن يعودوا لوضعهم الطبيعى، أقصد محل «الفاعل الإيجابى والمؤثر»، أى أن يقرروا أن قيمتهم الحقيقية ليست فيما يرتدون أو بما يظهرون، أو بما يملكون من مال، ولكن بما يحملونه من فكر ومشاعر، وما لديهم من مواهب ووزنات وإمكانيات معينة تختلف من شخص لآخر، قادرين أن يجعلوا حياتهم، وحياة الآخرين أفضل.
 
■ إن الوطن فى انتظار «أجيال الشباب» القادرين على هذا:
 
1- التواصل مع الآخر.
 
2- والتفاعل معه
 
3- والتكامل معًا.
 
* أسقف الشباب العام
 
بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية
نقلا عن المصرى اليوم