د. مينا ملاك عازر

القارئ لكلمات ترامب التي قالها بخصوص أن الوطن العربي هو المنطقة الأقرب للهدم، وأن أمريكا شركة وليست شرطة، والأهم بيع السلاح، وأنه يخطط للسيطرة على منطقة النفط، يدرك تماماً أن أقنعة البراءة التي كانت ترتديها أمريكا لم تعد ذات جدوى في أن تخادع أُناس عرفوا كيف يخادعوا أنفسهم، ويخدعون شعوبهم ويبيعونهم، ترامب قال أن المهم هي المصالح، عرفت هذا منذ زمن بعيد، صرح به وزير خارجية النمسا منذ أكثر من مئتي عام، وقال لا توجد صداقات دائمة ولا عداوات دائمة، ولكن توجد مصالح، والمصالح متغيرة وليست دائمة، ترامب أطلقها صريحة قل وقحة، الأهم المصالح.

المصلحة في الوطن العربي النفط، والمصلحة الثانية الهدم، لكي يكون سوقاً رابحة للسلاح والتجارب، منذ حرب أكتوبر لم تدخل المنطقة حرب تستحق الدخول بحق، كلها حروب تمهد لها الدول الكبرى لتجرب أسلحتها، فالعراق تحارب إيران دون هدف، وتنتهي الحرب دون فائدة لأي أحد، من الآخر العراق تجتاح الكويت كذلك وتخرج منها بدون جدوى اللهم إلا السيطرة على النفط العراقي من جانب الدول الغربية، التي وضعت برنامج النفط مقابل الغذاء، ناهيك عن أنهم سيطروا على نفط السعودية والكويت من باب رد الجميل، حميناكم وردناكم زعماء وحكام لبلادكم، ثم تجتاح أمريكا العراق بداعي السلاح النووي والكيمائي، فلم نجد شيء، ومن قبلها أفغانستان، إذا فتحنا حدود المنطقة لنضمها، كل هذا في إطار تجارب، كذلك صدام حزب الله والإسرائيليين تجده لا طائل منه سوى تجارب سلاح وهدم البنية التحتية، ثم تأتي الثورات الربيعية لتهدم في المنطقة، ولا تثمر أي ثورة تقريباً عن نظام يرضى عنه شعبه حتى في الديمقراطيات الناشئة لكنها ترضي الدول الكبرى ذات المخطط الهدام، وانظروا لتونس ورئيسها الذي بدى ليس إخوانياً ثم أعلن عن لحيته التركية ومبادئه النهضاوية، لينتمي في حقيقة الأمر لجماعة لا تؤمن بالأوطان تعمل بنفس فكر ترامب أن الوطن العربي الأولى بالهدم.
 
ترامب لم يكن وقحاً ولا بجحاً بل صريح للدرجة التي جعلني أشعر أن أقنعة أمريكا التي وضعتها لسنوات طوال لم تعد ذات جدوى، وكل ما حاولت شرحه في مقالاتي وبرامجي لم يعد إلا ذكرى أعود لها مفتخر بأنني قد قرأت أمريكا جيداً، بل أحسنت فهم السياسة التي دأبنا في عالمنا العربي على التعامل معها بشرف النبلاء، وفروسية الفرسان، وأخلاق الرجال، في حين أنها لا تعرف سوى المصالح، السؤال الأخطر هنا بعيداً عن وصف ما قاله ترامب وفكره الذي عبر عنه، هل سيأخذ الحكام العرب حذرهم؟ هل سينتبهوا؟ هل سيستوعبوا الدرس المجاني؟ الذي لقنه لهم الرئيس الأمريكي الذي بات واضح أنه يراهن على غباء الكثيرين، وثقة القليلين فيه حتى أنه قال ولم يهمه أن يتداركوا خطأهم.
 
المختصر المفيد انتبهوا يا سادة أمريكا تكشر عن أنيابها في سفور واضح.