طارق الشناوي
منح السينمائى'>مهرجان القاهرة السينمائى لـ«عرفة» جائزته الكبرى التقديرية التى تحمل اسم سيدة الشاشة فاتن حمامة

كل الفنون تحاول أن تحاكى فى التجريد الموسيقى، أنها تبحث عن السحر الخاص الذى يتجاوز المعنى المباشر للكلمة والنغمة واللون والحركة لتقبض عما يكمن فى الدلالات والظلال، وفى اللمحة الأخيرة ترسل لقلبك رسالة، تعيش من خلالها حالة من السعادة، أفلام شريف عرفة هى رسول المحبة والنشوة والدفء لقلوبنا، بها روح الطفولة التى تنضح بها الشاشة، التلقائية والبساطة وأيضا المشاغبة هى العناصر التى تتفاعل فى حالة انسياب لترسم لنا فى النهاية ملامح شريف عرفة.

منح الله لعدد محدود جدا من عباده الوميض الفنى، فهم محملون برسالة جمالية يقدمونها للبشر أجمعين، من بين هؤلاء المبدعون نجد نُدرة منهم يملكون إضافة ما، لديهم شىء خاص جداً، هم لا يكررون ما تعارف عليه من سبقهم ولكن لديهم مفردات مختلفة وأبجدية مغايرة وشفرة جديدة فى التواصل، تستطيع أن تعلن بمجرد أن ترى لقطات على الشاشة هذا حسن الإمام وذاك يوسف شاهين أو عز الدين ذوالفقار أو صلاح أبوسيف، وأضم لهذه السلسلة الذهبية شريف عرفة، أفلامه تحمل بكل قوة ووضوح فى كل تفاصيلها اسمه، ليس بالضروة أنه كاتبها على الورق، ولكنه هو الذى كتبها على الشاشة وبث فيها الحياة، فهى تحمل (جيناته) بصريا ودراميا وموسيقياً وإيقاعياً، يملك خصوصية فى الرؤية، الفيلم لديه قطعة منتقاة من الحياة يأخذها إلى عالمه الخاص فتراها نابضة بالجمال الفنى، نضحك ونبكى ونصفق لها.

ولد ليكون سينمائياً، حياته تبدو وكأنها شريط سينمائى، ينطبق عليه ما قاله يوسف بك وهبى عندما اقتبسها من وليم شكسبير (وما الدنيا إلا مسرح كبير)، بالنسبة لشريف عرفة، سنجد السينما هى الدنيا والدنيا هى السينما، لو تتبعت تفاصيل حياته ستجد أمامك كائنا يتنفس فقط أوكسجين السينما، وذلك بحكم التاريخ والجغرافيا، ليست فقط السينما هى عالمه الأسير بل هى عالمه الوحيد، حياته عبارة عن نقلات سينمائية، هذا هو العمر الزمنى الذى يعيشه، لن تجد لديه أياما وأسابيع وسنوات، ولكن أفلام ينتقل بها من محطة سينمائية إلى أخرى. تعرف على الدنيا فوجد أباه مخرجا سينمائيا، لم يكن يدرى قطعا وهو طفل معنى وظيفة مخرج، وكان عليه أن يكتشف، يعنى إيه مخرج؟ كانت كل الظروف مهيأة أمامه ليتعرف على الإجابة، الجغرافيا لعبت نفس الدور وساعدت التاريخ فى الوصول إلى الإجابة، عندما أطل من شرفة منزله وهو لا يزال يحبو متسلقا سور الشرفة، رآها أمامه ناصعة البياض تبتسم له، إنها شاشة السينما، كانت سينما صيفى اسمها (الجزيرة) تقع فى حى المنيل الذى هو أيضا بمثابة جزيرة، والغريب أنه قدم فى رحلته السينمائية فيلماً اسمه الجزيرة فى جزءين وهما من أنجح أفلامه.

أؤمن بمقولة يرددها أساتذة علم النفس (الطفل أبو الرجل)، أى أن طفولتنا هى التى تحدد مسيرنا ومصيرنا، وهكذا سيطرت على شريف نداهة السينما بحكم تاريخ الأب المخرج السينمائى سعد عرفة وموقع الشرفة جغرافيا، أمام شاشة السينما.

أتصور أنها من الحالات النادرة أن تجد لشريف حياة خارج الأستوديو أو المكتب، لا يفكر سوى فى مشروع سينمائى قادم، ليس شرطاً بالطبع أن يرى النور، أفلامه 24، وهو رقم من وجهة نظرى دون المتوسط، ولكن بالقياس لمخرجى جيله يعتبر رقماً معتبراً.

أنشط مخرجى جيل الثمانينيات هما الراحلان عاطف الطيب ومحمد خان تجاوزاً بقليل 20 فيلما لأن العملية متشابكة جداً ومرتبطة بقانون يفرضه النجوم، لا يكفى أنك تملك مشروعاً، يجب أن يتوافق مشروعك مع قانون السوق.

السينما المصرية ينطبق عليها نظرية الأوانى المستطرقة تتحرك وفقا لحركة النجوم، لا أتحدث هنا عن الخطأ أو الصواب، ولكن عن قانون مفروض على الجميع ولا أحد يفرض قانونه الخاص إلا فيما ندر، وبالمناسبة ستجد أن شريف عرفة واحدا من هؤلاء النادرين الذين حاولوا أن يصنعوا قانونهم الخاص، فلقد أدرك أن كبار النجوم أمثال النجم الشعبى الأول عادل إمام، ليس بالضرورة سيتحمس فى كل مرة للسيناريو الذى يحلم به شريف، وهكذا جاءت نقطة فارقة جدا فى المشوار، عندما اعتذر عادل عن بطولة فيلم (اضحك الصورة تطلع حلوة) الذى كتبه وحيد حامد، وكان من المفروض أن يصبح هو اللقاء السادس الذى يجتمع فيه الثلاثى شريف ووحيد وعادل والذى بدأ مع (اللعب مع الكبار) ثم (الإرهاب والكباب) ثم (المنسى) ثم (طيور الظلام) وصولا إلى (النوم فى العسل)، ولكن عادل لديه دائما حساباته ولهذا اعتذر فى اللحظات الأخيرة، على الفور أسند شريف الدور إلى أحمد زكى، وبعدها كان قراره الذى يعبر عن استراتيجية تتعلق بالسينما كصناعة، ووجد أن الحل يكمن فى ضرورة الدفع بنجوم جدد للساحة حتى تتعدد الأوراق التى بحوزته، وفى (اضحك) 1998 منح كلا من كريم عبدالعزيز ومنى زكى أدوارا رئيسية فى أول إطلالة سينمائية لكل منهما، لتثبت الأيام، أن شريف يلتقط بذكاء الموهبة ويعرف بالضبط مفاتيحها وكيف يوجهها، ويضعها على بداية طريق النجومية، ثم كانت القفزة الأهم له وهى منح البطولة المطلقة إلى علاء ولى الدين فى فيلم (عبود على الحدود) 1999 بين اندهاش كبار الموزعين والمنتجين، فكيف يضمن لفيلمه النجاح الجماهيرى، بينما ليس فى حوزته نجم شباك، يومها اعتبروه يحطم المنطق السينمائى، لأنه يراهن على جواد خاسر، واقترحوا عليه أن يسند الدور إلى محمد هنيدى، والذى كان قد تربع وبفارق ضخم على عرش الإيرادات بعد بطولته لفيلم (صعيدى فى الجامعة الأمريكية)، ولكن شريف كان قد قرر التحدى، ولم يستسلم للتحذير بأن الجمهور لن يقبل على قطع تذكرة لمشاهدة نجم سمين وأن مكان علاء كان وسيظل فى الدور الثانى صديق البطل، شريف كان يرى أن علاء نجم سمين نعم ولكنه أيضا ثمين، ولم يكتف بهذا القدر، بل دفع أيضاً للمرة الثانية بكريم عبدالعزيز فى دور رئيسى ثم لأول مرة بكل من أحمد حلمى والذى كان يقدم وقتها برنامجه للأطفال على شاشة التليفزيون المصرى، وأيضا الوجه الجديد محمود عبد المغنى، ونجح رهان شريف، وسط دهشة سدنة السينما المصرية من منتجين وموزعين، ثم كان الإصرار على منح علاء مجددا دور البطولة فى واحد من أفضل ما قدمت السينما المصرية خلال الألفية الثالثة وهو فيلم (الناظر) وبالفعل فى عام 2000 كان الناظر هو الأعلى إيراداً بين كل الأفلام بل وتغلب بالأرقام على محمد هنيدى الذى كان قد لعب وقتها بطولة (الواد بلية ودماغة العالية)، والأهم من المدلول الرقمى هو أن شريف منح المكتبة السينمائية، فيلما يثير شهيتك لتكرار المشاهدة وأنت تسأل هل من مزيد، وكانت الشاشة من خلال التكوين وزاوية الكاميرا والمونتاج الذى يقدمه المخرج تلعب دور البطولة فى إثارة الضحك، الكوميديا السينمائية مهما بلغت خفة ظل وحضور البطل، تظل مدينة لقدرة المخرج فى رسم (الكادر) وضبط الإيقاع، وهذا هو سر شريف عرفة.

ولم يكتف بهذا القدر بل ستجد أنه منح محمد سعد الدور الذى صار أيقونة أقصد طبعا (اللمبى)، والذى أدى فرط نجاحه، لأن يدفع بسعد للقمة، ولم يستمع إلى نصيحة عرفة الذى طلب منه ألا يكرره حتى لا يتحول الدور إلى مصيدة، ولهذا فإن شريف كما أحضر عفريت اللمبى فى (الناظر) استطاع بعد 17 عاما أن يصرفه فى (الكنز) الذى شارك فى بطولته محمد سعد، حيث إن شريف منح الممثل بداخل محمد سعد الفرصة، وهذا أيضا ما يؤكد على قدرة شريف على تجاوز الرؤية المباشرة والمتاحة للجميع ليقدم هو رؤيته للممثل محمد سعد، بعيدا عن اللمبى.

هناك ملمح مهم جدا فى سينما شريف عرفة وهو علاقته بالممثل، لا يوجد لدى شريف عرفة تلك الصرامة فى تعامله مع الممثل، فهو لا يفرض على ممثليه، أسلوب أداء، بل يمنح الممثل أكبر مساحة من الحرية فى التعبير، وبعدها يقرر كيف تتم إحالة إحساس الممثل إلى (كادر) سينمائى، قد يلتقط بذكاء لمحة يقدمها الممثل أثناء التنفيذ ومن الممكن فى هذه الحالة أن يزيد من عدد مشاهد الممثل، إلا أنه فى نفس الوقت يحرص على أن ينضبط الإيقاع، يكتب مشاهد إضافية فعلها مع أغلب الممثلين، لدينا مثلاً محمد سعد فى (الناظر) ثم تكرر الأمر مع إياد نصار فى فيم (الممر) أثناء التنفيذ وجد شريف أن إياد لديه الكثير من الإضافات التى تخدم الشخصية وتعمق رؤية الفيلم فكريا، فاستثمر مشاهده فى العديد من مواقف الفيلم، لا يتوقف شريف عن منح فرص لوجوه جديدة فى مساحات درامية مثل محمود حافظ (الممر)، هو من المخرجين القلائل الذين يجيدون فن قيادة الممثل ولهذا يضع النجم على (التراك) وبمنحه المفتاح للأداء ولا يحدد (الديكوباج) حجم اللقطة والزاوية إلا بناء على ما يحقق للممثل ذروة الأداء، ولهذا تشتعل المواهب فى سينما شريف عرفة وتقدم أفضل ما عندها، حتى المخضرمون مثل سناء جميل فى (اضحك الصورة تطلع حلوة) تجدها تمنح الدور ألقا، لديكم مثلا من الممثلين الكبار الذين تم سجنهم داخل دور واحد وهو الموهوب محيى إسماعيل شاهدناه مختلفا فى فيلم (الكنز)، أخذ منه نغمة مغايرة تماما لكل من سبقوه، والذين استوقفتهم الشخصيات (السيكودرامية) التى اشتهر بها فصارت ملعبه، شريف قرر أن يغامر مع محيى لأنه رأى بداخله موهبة ممثل متعدد النغمات، فقرر أن يعزف عليها، وهو (أسطى) فى الإمساك بتلك التفاصيل.

دائما ما يرنو للكمال، قد يصحو من نومه وقد استعاد لقطة وجدها لا تعبر بالضبط على ما أراده، فيقرر إعادة تصويرها، وهكذا مثلا فى مشهد هام وحيوى لأحمد زكى فى آخر أفلام أحمد (حليم) 2006، كان من المفترض أن يجرى أحمد زكى فى المشهد وحالته الصحية كما نتذكر جميعاً بسبب إصابته بالسرطان لم تكن تسمح بأى مجهود، ولكن بمجرد ان بدأ التصوير نسى أحمد المرض وكان يهرول فى مشهد داخل المستشفى، وتكرر الأمر مع خالد صالح فى آخر أفلامه (الجزيرة 2)، لم يكن خالد يصرح لأحد بخطورة حالته، وأن قلبه ليس فقط الذى يعانى، هناك أيضا مشاكل صحية متعددة من الجسد، كان المشهد يتطلب أن يجرى، بمجرد أن بدأ التصوير وجد خالد يجرى بسرعة وكأنه شاب فى العشرين.

إنه الباحث عما لا يزال فى الأفق البعيد، لا يكتفى أبدا بالعصفور القابع بين يديه يتطلع دوما للعصفور أو العصافير المحلقة على الشجر، وهكذا مثلا أعاد لنا طوال مشواره ممثلين مخضرمين مثل سامى سرحان الذى كنا قد نسيناه من الذاكرة وجدناه يتألق فى سينما شريف عرفة، ثم فجأة تذكر ممثل يبدو للوهلة الأولى وكأنه من أهل الكهف، ممثل عُرف بصوته الأجش، فى برنامج إذاعى شهير وهو (ساعة لقلبك) فى دور أطلقوا عليه (شَكل) طلب عرفة من مساعديه ضرورة البحث عنه، قالوا له إنه مات، ولكنه لم يصدق وكرر الطلب حتى عثروا عليه فصار وجها دائما فى أفلامه إنه محمد يوسف الذى كان يبدو أحد عناصر التوهج على شاشة شريف عرفة، فتمنحها ملمحا خاصا.

لديكم مغامرة مثل (إكس لارج) 2011 نجم كوميدى فى عز نجاحة يخفى ملامحه تحت قناع هكذا دفع بأحمد حلمى لتلك المغامرة، ووجدنا حلمى والذى قدمه شريف فى فيلمى (عبود) و(الناظر) يكشف عن ومضات متعددة داخل هذا الممثل الموهوب، لم يستطع أحد أن يمسك بها من قبل، حيث إنه تحرر وانطلق أكثر تحت القناع، وسوف يواصل شريف مغامرته مع أكرم حسنى فى الفيلم الذى يحمل رقم 25، سيدفع به بطلا على الشاشة، بعد أن قدم العديد من الأفلام لعب فيها دور صديق البطل.

الإيرادات التى تحققها أفلام شريف عرفة، تضعه فى قائمة مخرجى الشباك، اسمه يُشكل لدى الجمهور حالة من الثقة تدفعه لكى يقطع وهو مطمئن التذكرة، بغض النظر عن اسم البطل، وهذا هو ما يتيح له أن يقفز بين الحين والأخرى على الشاشة خارج الصندوق، المنتجون يضمنون أنه اسم جاذب للجمهور، ورغم ذلك فإن شريف لا يختار الفيلم بناء على أنه يمتلك مقومات تجارية، ولكن عندما يعثر على حلم خاص يحققه من خلال الفيلم والدليل مثلا فيلم مثل (الكنز) المؤكد أن الجمهور، لن يجد فيه المقومات التجارية المتعارف عليها، ولكن كان الفيلم هو حلم شريف، قبل سنوات فأصر على تحقيق حلمه، هو لا يضيف أبدا إلى رصيده فيلما ولكن حلم.

عمره الفنى كمخرج تجاوز 32 عاماً، ولكنك من الممكن ان تضيف إليها أيضا عشرة سنوات سابقة على ذلك، أكثر من أربعين عاما عاشها فى جنبات الاستوديو، عندما بدأ المشوار مجرد متدرب مع الكبار أمثال سعد عرفة وحسن الإمام وعاطف سالم ونيازى مصطفى، فلقد لحق بالقطار الأخير لهؤلاء العمالقة، وهو شديد الولاء للأساتذة الذين قدموا لنا السينما الرائعة التى لا نزال نعيش على ضفافها والتى ألهمت الكثيرين باستكمال الطريق وفى مقدمتهم قطعا شريف.

منذ أن قدم (الأقزام قادمون) عام 1987 وكان وقتها 27 عاماً، حتى آخر أفلامه (الكنز2) 2019، وهو لا يكف عن المغامرة، وهكذا مثلا نجده لم يستسلم لنجومية عادل إمام فى الأفلام الخمسة التى جمعت بينهما ليقدم بالضبط ما يريده عادل، ولكن كان شريف صاحب رأى ورؤية فى الأفلام ً، فهو ينطلق مستندا إلى شعبية عادل، إلا أن تلك القوة الجماهيرية التى يتمتع بها عادل، تلمح فيها وجهة نظر شريف، كما أنه فى تعامله مع كاتب كبير بحجم وحيد حامد فى ستة أفلام كانت أيضا له بصمته الواضحة، وحيد من هؤلاء الكتاب الكبار الذى يؤمن بأن المخرج يجب أن يقتنع أولا بالنص الذى يحمله بين يديه ولهذا يستمع إلى كل الملاحظات ومن الممكن أن يعيد صياغة المشهد طبقا لرؤية المخرج، لو وجد أنه يضيف للعمل الفنى، وهو ما فعله مع شريف منذ لقائهما الأول فى (اللعب مع الكبار).

كانت لشريف فى بداية المشوار ثنائية رائعة مع الكاتب ماهر عواد، كانا يحلمان معا بسينما مغايرة بدأت مع (الأقزام قادمون) ثم (الدرجة الثالثة) ثم (سمع هس) وكانت المحطة الرابعة (يا مهلبية)، صحيح أن شريف ذهب لمنطقة أخرى مع وحيد حامد ولكن ظل بداخله إحساس ومذاق تلك الأفلام لأنها تعبر عن شريف فى نوع من السينما يعشقها، حيث يصبح الموسيقى والرقص والمشاغبة بروح الطفولة هى الأبطال، وهكذا ستجد أن مصمم الاستعراضات عاطف عوض وواضع الموسيقى التصويرية مودى الإمام تواجدا فى عدد كبير من أفلامه لأنهما يعبران عن رؤية سينمائية يسعى شريف لتقديمها، مع الكاتب أحمد عبدالله، ستجد القالب الكوميدى هو البطل فى أفلام (عبود على الحدود) وصولا إلى (فول الصين العظيم).

فى ذاكرة شريف عرفة يقبع دائما هذا الفتى الذى لم يتعد بعد 16عاماً من عمره، وقرر أن يمارس المهنة، ما الذى تتوقع أن يفعله معه أبوه المخرج الكبير سعد عرفة؟

هل يحنو عليه مثل أى أب؟، على الإطلاق، هناك فارق بين البيت والاستوديو هو فى البيت طبعا له كل حقوق الأبناء، ولكنه فى الاستوديو عليه أن يقدم كل واجبات الوظيفة المنوط به أداؤها، إنه بالنسبة لأبيه سعد عرفة مجرد واحد من فريق العمل، أطلق شريف على نفسه فى هذه المرحلة لقب (بلية) المطلوب منه إعداد الطعام لفريق العمل، سوف يتشعبط فى سيارة نصف نقل ولا يتذمر هكذا تعلم أصول المهنة، أن (الكلاكيت) يؤدى مهنة أساسية لإنجاز الشريط السينمائى، لا يمكن أن يتجاهلها أحد، ربما ما أبعده عنها هو الطباشير فهو لا يتعامل بسهولة مع تلك الأداة، ولكن ظل وقتها يؤدى دور (بلية) وعن قناعة بأن هذا هو الطريق الصحيح، هكذا مارس المهنة من الصفر، والحقيقة أنه لا يوجد فى الفيلم السينمائى مهنة اسمها صفر وأخرى 10، ولكن النظام صارم عند جيل الكبار، وعندما احتل هو مكان المخرج أصبح له فريق من المساعدين، ستجد أنه يتمتع بتقديرهم واعتزازهم، بل هو فى أول فيلم أخرجه مساعده الأول سعيد حامد (الحب فى الثلاجة) حرص على تمثيل مشهد ضيف شرف، كان الجيل القديم لا يشرح فيه المخرج لمساعديه أسرار المهنة، يترك لهم أن يلتقطوا هم الأسرار، بينما شريف يحلل لهم ما الذى دفعه إلى تحديد هذه الزاوية أو حجم اللقطة أو حركة الممثل، ولهذا أتابع ما الذى يقوله عنه تلاميذه أمثال سعيد حامد ومحمد ياسين وعلى إدريس ومروان حامد وغيرهم، فتكتشف تلك المكانة الخاصة التى يحظى بها، بعد أن أصبحوا نجوما فى مجالهم، إلا أنهم يذكرون الأستاذ بكل حب واعتزاز وتقدير واستاذية.

التنوع واحد من أهم ملامح المخرج شريف عرفة ما بين فانتازيا وغنائى وكوميدى وأكشن وسياسى واجتماعى وحربى، هو مخرج متعدد الرؤى الإبداعية، لا تستطيع أن تضعه داخل إطار محدد، ولكنه صاحب البصمة مهما تعددت الأنماط التى يرسمها على الشاشة، وهو مؤهل بقوة لتقديم أول فيلم موسيقى مصرى، لأن روحه الموسيقية تبدو هى المسيطرة دائما.

أفلامه تمنحنا دائما طاقة إيجابية، تتحدى بعد مشاهدتها ضعفك وتصالحك على الحياة، أنت قبل الفيلم لست أنت بعده، فهو دائما مع هؤلاء الضعفاء الذين شاهدناهم منذ (الأقزام قادمون) وستجدهم فى (سمع هس) و(الإرهاب والكباب) وحتى (الكنز) و(الممر)، إنه يشير دائما إلى ما يملكونه من قوة فيهزمون من نتصور فى البداية أنهم لا يهزمون.

إنه (المايسترو) هكذا أراه فى أفلامه وكأنه يقود أوركسترا سيمفونى هو لا يمسك بآلة موسيقية، ولكن كل الآلات فى النهاية تخضع لرؤيته، تجد السيناريو والإضاءة والمونتاج وحركة الكاميرا وأداء الممثلين، والديكور والملابس والموسيقى هى الإطار الذى من الممكن أن يمنح العمق الإبداعى للفيلم، وفى نفس الوقت يصبح هو الإطار الخارجى له، شريف عرفة يقدم فى أفلامه رؤية موسيقية ينضبط فيها الإيقاع وتتعدد الآلات والأنغام التى تحمل فى النهاية بصمة وتوقيع (المايسترو)!!.
نقلا عن المصرى اليوم