«أحبها وأعشق ترابها» مصطلح مصرى أصيل يُستخدم مرارًا للتأكيد على حب الوطن رغم أحواله الصعبة، التى عبّرت عنها العبقرية المصرية بـ«التراب». إنهم يقصدون تلك الحالة من قبول العيوب والرضا بها.. والمفاجأة أن الأجيال الجديدة لا تردد نفس الشعار.. وعلينا أن نتعامل معهم بنضج.. أن نكف عن محاولة إقناعهم بأمثالنا وقناعاتنا.. وأن نحترم منطقهم لأن فيه الكثير من الصواب..

 
صرت فى كل مرة تشرق فيها شمس هذه الأرض الحلوة أردد أننى «أحبها وأعشق سماءها».. أجيال توقفت عن التعامل بمنطق «أمى أو أبى»، اللذين أحبهما (رغم) عيوبهما!
 
وتتعامل مع فكرة حبها كعلاقة ناضجة بين وطن ومواطن! لا نثقل عليها بأكثر من ذلك ولا نرضى لها بأقل من ذلك!
 
المصريون الآن فى حالة تخبط فى تحديد الهوية.. الغالبية، باستثناءات ضعيفة جدًا، لا يعرف ماذا يريد تحديدًا.. يريد كل شىء فى نفس الوقت.. يريد إنجازات لا يشارك فى تحقيقها.. يريد الكذب والشرف! يريد سلطة بلا محاسبة! يريد خدمة بلا قانون! يريد مكاسب دون جهد!
 
كيف نتعجب ممن سرقوا ما صار متاحًا لهم! ونحن لم نهيئ «معيارًا عامًا للسلوك» يصبح مَن يخالفه تحت سلطة القانون أو تحت سلطة المجتمع، الذى يرفض بشدة هذا السلوك الفردى؟!
 
الطبيعى أن تكون الفكرة البديهية بشأن السلوك اللائق معروفة لدى الجميع.. لكن الواقع أكثر إيلامًا، هناك حالة من التشوه السلوكى تجتاح مجتمعنا بشكل مرعب، تجَوّلْ فى المناطق الشعبية تحديدًا، والتى كانت حتى وقت قريب مصنع الشهامة والأصول والأخلاق والترابط.. ترَ واقعًا (مرعبًا) لا يمكن حتى أن تتصور أنه يحدث.. لكنه حادث بالفعل، وسيتزايد قوة وانتشارًا.. فلم يعد هناك هذا «المعيار العام» للسلوك! للصواب والخطأ! الحقيقة أن الدولة فى سابق عهدها اعتمدت تمامًا على المؤسسات الدينية فى ضبط معيار الصواب والخطأ لدى الناس!! وخاب رجاؤها لأنه وبكل صراحة.. حتى المؤسسات الدينية متخبطة فى هويتها ورسالتها، تتشابك سياسيًا واجتماعيًا وغاب عنها الدور الأصلى فى تهذيب أرواح الناس، والذى بالطبيعة يهذب سلوكهم شيئًا فشيئًا.. فنرى صورة متدينين غاية فى الفظاظة والقسوة! غاية فى التشدد والعنف!! وللأسف غاية فى الفساد!
 
مصر فى طريقها للتحول إلى دولة مؤسسات- حتى وإن لم تبلغ ذلك بعد- وفى هذا الطريق يجب على تلك المؤسسة العظمى أن تعلن بوضوح عن هويتها: مَن نحن «هويتنا»؟ ما رؤيتنا؟ ما مهمتنا؟؟
 
التغيير أن نعلن ونكرر الإعلان عما هو مقبول وما هو غير مقبول.. أن نواجه الخطأ الأول، ونحاسب الخطأ الثانى، ولا نقبل بحدوثه مرة ثالثة.. هكذا ترتقى الأمم..
 
الواقع أنه بينما يتطلع بعضنا أن يحب الناس سماءها.. البعض غارق فى حب التراب وعالق فى كل ما يتعلق به من سلوكيات! وحتى تلتقى الفكرتان سنتخبط كثيرًا!
نقلا عن المصرى اليوم