بقلم / عزت بولس
تنص المادة الأولى من الدستور المصري على أن"  مصر  نظامها جمهوري ديمقراطي، يقوم علي أساس المواطنة" ما هي المواطنة ؟ هي العلاقة التي تربط الفرد ودولته، شريطة أن تضمن لكل المواطنين المساواة والعيش المشترك والنظام الديموقراطي عبر القوانين التي يقرها الدستور.

هذا وقد مرت " المواطنة" في مصر بمراحل متعددة، أدت لما نعانيه الأن من نقص حقوق المواطنة الكاملة.  فالنظام السياسي الحالي يحاول الوصول بنا للمواطنة الكاملة لكنه في ذات الوقت يتحمل تبعات تاريخ المواطنة المنقوص الذي عشناه منذ سنوات طويلة. ولنبدأ بمراحل المواطنة منذ محمد على حتى الأن.

" محمد على"
قبل محمد على لم يكن هناك تعريف حقيقي للمواطنة فقط كانت معاناة للمواطن المصري مع عصر المماليك والاستعمار التركي. مع محمد على أخذت المواطنة في الصعود ولكن بزاوية صغيرة نسبيًا، وتجلى الصعود في عدد من القرارات وهى.

•    إلغاء القوانيين السابقة الموضوعة بهدف اضطهاد المسيحيين، مثل قانون الزي، الذي يفرض على الذميين- اليهود والنصارى- لبس أنواع وألوان معينة من الملابس لتمييزهم عن المسلمين.

•    إلغاء الجزية على بعض الأقباط بحكم عملهم في الحكومة-والتي كام يدفعها الأقباط منذ الفتح العربي لمصر سنة 641م، فمثلاً صدر أمرسنة 1831م خاص بالذين يعملون بترسانة الأسكندرية، جاء فيه:

حرية العبادة وممارسة الطقوس الدينية.... وكذلك السماح ببناء كنائس جديدة وترميم القديم منها.

ورغم تبدل حال الأقباط إلى الأفضل في عهد محمد علي، إلا أن المساواة الكاملة- بالطبع- لم تتم؛ لا على المستوى الرسمي أو على المستوى الشعبي.
"ثورة مارس 1919 "

تجلت أجمل صور المواطنة في القرن العشرين في عام 1919 حيث أتحاد القوى السياسية الفاعلة بالمجتمع مع مثيلاتها الاجتماعية للمشاركة في تحقيق التكامل الوطني بين المسلمين والمسيحيين بطريقه غير مسبوقة، حيث تحير المستعمر الإنجليزي ووجد صعوبة في التمييز بين المسلم والمسيحي، لدرجه استفزته وجعلته يُوكل الوظائف القيادية لمواطنين من الشام وليس الأقباط.

هنا أستطاع حزب الوفد في ذلك الزمن في بلورة المواطنة على نحو من الصعود مع تذبذبات بسيطة حتى بداية الانتكاسة.


"ثوره 1952"
وسأتحدث هنا بصراحة ومن منطلق وطني وليس ديني. فأنا مصري أولا وأخيرًا وكوني مسيحي حدده والدي وهو صفة مكتسبه بأي حال من الأحوال بالنسبة لي.

المواطنة تراجعت كثير ًا في مصر مع انقلاب يوليو 1952 الذي دعي بعد ذلك كثورة شعبية. ليبقي سؤال لماذا انتكست المواطنة بعهد الرئيس الراجل جمال عبد الناصر؟ لأنه قرر إنشاء كليات عملية قاصرة على المسلمين فقط، وهذا القرار بداية الشرخ في النسيج الاجتماعي المصري، حيث جامعة لا تقبل المسيحي المصري لا لشيء سوى لكونه مسيحي. وهنا أنا لا أتحدث عن جامعة الأزهر المعنية بالفقه الإسلامي وإنما جامعة الأزهر التي تضم كليات كالطب والتربية وغيرها تمول من ضرائب الجميع المسيحي والمسلم وينتفع بعلمها المسلم فقط.

أحب هنا أن أؤكد أن مصر كانت جميلة إجتماعيًا بين المسيحيين والمسلمين، بمرحلة الخمسينات والستينات وعشت مرحلة الجمال تلك بحكم عمري ولكن تلك المرحلة لم تكن نتيجة ثورة يوليو إنما نتيجة ما تم زراعته قبلها، وببداية حصاد يوليو بدأ المجتمع يجنح للتطرف والكراهية.

" عصر السادات"
منحنى خط المواطنة يواصل الهبوط. فعلى الرغم من تقديري لدور السادات التاريخي في تحرير أرض سيناء ودهاءه السياسي بسياساته الخارجية إلا أن سياسته الداخلية دعمت بشكل مطلق الجماعات الدينية وبدأت التفرقة بين المسيحي والمسلم تتخذ منحي اجتماعي خطير.

أصبح المد الإخواني يكبر ويكون له تأثير على قوى على الرأي العام ذو الأغلبية المسلمة، ولمزيد من كسب الود الساداتي للتيارات الدينية تم إدخال المادة الثانية من الدستور والتي كانت تؤكد للمسيحي إنه لن يكون مواطن كامل المواطنة. فمصر أصبحت بلد إسلامي بنص الدستور بلد له دين.

"عصر مبارك"
تعثرت المواطنة في عهد مبارك لانشغاله ببناء الفجوة الاقتصادية الرهيبة بين المصريين وبعضهم البعض، وترك الشارع للإخوان المسلمين وغيرهم من التيارات الدينية وتحديدًا السلفيين، وبدأنا نسمع مباشرة أنه ليس للمسيحي المصري الحق في بناء كنائس أو الاعتراف بأعياده الدينية. تغير وجه الشارع المصري بعهد مبارك وأصبح من السهل جدًا التمييز بين المسيحي والمسلم رجل كان أو امرأة. نهاية بتفجير القديسين ونهاية عهد مبارك بما يستحقه.
 
"بدايه الأمل السيسى"
بعد فتره تعتبر من أسوء ما مر بمصر وهى فترة حكم "الاخوان المسلمين " وانتفاضه الشعب المصري ضد فاشيتهم الدينية والسياسية. تسلم الرئيس السيسي تركه ثقيلة جدًا لمجتمع مليء بالرفض الديني والمدارس الدينية السلفية التي تعج بالكراهية والرفض لكل ما هو مختلف. ولكن الرجل صادق في دعمه لقيم المواطنة وظهر ذلك في جرأة خطاباته عن تجديد الخطاب الديني بالإضافة لأفعاله أيضًا، حيث إفتتاح كاتدرائية بجوار مسجد كبير في المدينة الأهم " العاصمة الإدارية. إضافة لزيارته الكنيسة ليلة الميلاد وهو التقليد الأول من نوعه لرئيس مصري مع مواطنيه من المسيحيين.

تبرز المواطنة أيضًا لدى السيسي ونظامه في محو العشوائيات وتوفير حياة كريمة للمصريين البسطاء، إضافة للحملات الطبية التي تنظم للتخلص من أمراض متوطنة لدي المصريين ظلت تنهش أجسادهم لعقود طويلة.