محمد حسين يونس
لقد ثار الناس .. عبروا عن ضيقهم .. هاجوا ضد الظلم .. كسروا التابو .. و هتفوا ضد الرئيس و عائلته و عصابته .. قاوموا الشرطة .. إنتصروا في معارك جزئية .. قدموا الشهداء .. ماذا كانوا يريدون ..؟

لقد ثار الناس ضد المرشد و بطانته .. عبروا عن مخاوفهم .. هاجموا مقرات الجماعة و حرقوها .. إنتصروا في معارك جزئية .. إلتفوا حول قواتهم المسلحة .. طالبوها بمحاربة الإرهاب .. و إعادة الأمن للشارع المصرى .. لماذا إختاروا الجيش .. و ماذا كانوا يريدون منه ؟

واقعتين من 25 يناير 2011 حتي 11 فبراير .. و أخرى بعد سنتين 30 يونيو 2013 .

اليوم بعد ثمان سنوات .. ماذا حصدنا .. هل حققنا الأهداف .. أم كانت سنوات عجاف .. زاد فيها الهم و القهر و الإستلاب .. حتي أننا نسينا الأهداف ..!!

خليفة السادات عندما شاهد اغتياله قرر رعبا تحويل مصر الي دولة امنية تحكمها قوات البوليس السياسي من امن دولة ورقابة ادارية واعلام موال...

وهكذا حكمت مصر لثلاثين سنه عصابات من البلطجية و اللصوص تركت السرطانات الساداتية تنمو وتستفحل وتسود .. فاستولت الاصولية علي فكر وروح الشعب، والفساد علي اقتصاده والبلطجية علي امنه وامريكا واسرائيل علي ارادته الدولية والمحلية .

المصرى علي مدى نصف قرن فقد الاحساس بالعدالة انه دائما الطرف المغضوب عليه، الضال الذى يتخطاه من يمتلك علاقة ما بالسلطة او المال .

وعمت الرشوة و الوساطة واهمل المواطن .. لا يجد مكانا في الاوتوبيس او المترو او الشارع ، ولايجد عملا يحافظ علي ادميته الا الوقوف في طوابير العيش ..

لا مدرسة مناسبة او مستشفي آدمية.لقد حرصت انظمة الحكم المتتالية علي تأصيل الاحساس بعدم الامان والظلم لدى المواطن .. و لم تترك له منفذا إلا الغضب و الإنتفاض و تدمير بيت أبيهم بعد أن أنسوهم حب الوطن .

هؤلاء الذين يسرقون الاثار ويعرفون ضعف اماكن تخزينها واسلوب تسويقها هل يحبون مصر !..

هؤلاءالذين ينتمون لجماعات يمولها بترول وهابي يحرقون بلدهم بنزاعات إثنية هل يحبون بلدهم !..

هؤلاء الذين أطلقوا بلطجيتهم المدربين علي مهاجمة اقسام الشرطة والسجون هل يحبون بلدهم!

هؤلاء الذين لا يعملون واذا عملوا لا ينتجون واذا انتجوا جاء منتجا متخلفا عن السوق هل يحبون بلدهم !

لقد حدث تشوة واضح في سلوكيات وتوجهات الانسان المصرى بسبب حكم متواصل لعسكر استولوا علي السلطة دون مبرر مفهوم لاستمراره رغم ان تاريخهم لا يحمل الا الهزائم والنكوص.

كاتب هذا المقال الذى عاش علي أرض مصر لما يقترب من الثمانين سنة عمل خلالها في اكثر من موقع يتصور ان الجهاز البيروقراطي المهترئ الذى يضخ فسادا وغباءً وجمودا هو أصل الداء.

لقد ساهم في صنعه ثلاثة حكام كان كل منهم يتصور انه الهبة الالهية الذى لا يجانبه الصواب ابدا، فهو ملهم يعمل لصالح شعب لم يبلغ الرشد ويحتاج الي وصاية مستمرة، وهكذا جاء جهاز دولتهم قبضة حديدية ترتبط مصالح افراده بدوام النظام حتي لو كان اداة لكسر ارادة الشعب.

الاتحاد القومي ثم الاشتراكي ثم الحزب الوطني ثم شلة المستفيدين كانوا دائما ما يحملون مفاتيح الجنة الجالبة للمال والنفوذ ..فالجهاز تم تكوينه واختيار كوادره من مدير عام فما فوق باسلوب يضمن ان يسود ويصبح في دائرة اتخاذ القرار، كل من كان متخلفا امعة لا يتقن الا قول كلمة موافقون ، حاضر ، برقبتي يا ريس .. وينحي كل من كان له راى مخالف او قدرة علي إبداع نهج مستقل لصالح المؤسسة ..

ان الاختيار المتعمد من اجهزة الرقابة الادارية والامن وشلل المنتفعين للعناصر الضعيفة الخائفة المتخاذلة التي تطيع الاوامر أدى للاضرار بالجهاز البيروقراطي عصب الدولة، وتسبب في شله وعدم قدرته علي مواكبة العصر ... وهكذا عندما احتاج المجتمع له تسرب من بين الاصابع.

الداخلية ( البوليس ) لم يكن فى يوم ما من زمن حكم السادات او مبارك يعمل على حماية الشعب ، لقد كانت وظيفته حماية الرئيس وعائلته.

الخارجية لم تكن فى يوم من أيام حكم الرؤساء الثلاث لها حرية رسم سياستها أو التصرف دون توجيهات سيادته .. الإعلام ، الثقافة ، التعليم، الرى ، الاسكان، العدل كلها أدوات بيد الرئيس عاجزة عن إتخاذ قرار أو تحقيق سياسة ، بما فى ذلك السيد رئيس الوزراء مهما كان إسمه أو حجمه .. فتحول جهاز الدولة الى جهاز لا قوام له ، مائع ، خائف ، عاجز، غير قادر.. إنها الدولة الرخوة التى تعصى على الاصلاح ، تنهب وتسطو ويراكم أعضاؤها المليارات وتترك المصريين دون تعليم ، صحة، ثقافة ، فكر .. تستهلكهم الأمراض والتخلف والعوز ، ويستقطبهم كل أفاق مدسوس تحركه الدولارت والريالات والدنانير.

هذا هو ما كنا علية يوم خرج الملايين مطالبين بالتخلص من الأرهاب .. كنا هدفنا أن نتغير .. نكشف عوراتنا و سوئاتنا و نعالجها .. نتعلم من الأخطاء .. ندرس خطط الخلاص .. نجتمع علي كلمة واحدة

نخوض معركة بين "فسطاط" الاستعمار الثلاثى والبلطجة والفساد و"فسطاط" الحداثة والمعاصرة.

فسطاط يتلقى إشارات أمريكية إسرائيلية ، فيهادن ويغرق المجتمع المصرى ، وفسطاط لا يمتلك إلا عقل يخاطر ويتعلم ويتوق لمستقبل معاصر.(( نكمل حديثنا باكر ))