سحر الجعارة
هذا الشاب أحبه، أحترم جهده وفكره ونضاله، وأحتقر خصومه وكل من قرر السطو على أفكاره ونسبها إلى نفسه لأنه «الأشهر والأمهر فى تسويق نفسه».. ولأن الخصم تصور واهماً أنه «عاجز ومعاق»، لا يملك وسيلة للدفاع عن وجوده ولا لصعود السلم لأنه «مغمور» أو لأنه سجين «الكرسى المتحرك» وأسير الشلل الرباعى، ولم يتصور الخصم أن «كل ذى عاهة جبار»! لم يتصور أن خلف شاشة الكمبيوتر قلوباً رحيمة وإنسانية وعقولاً تقدر أن جهد «H» يجعلنا مجرد «أقزام».. لأنه يفجر نفسه من التوتر والألم والفكر، وهو يكتب بـ«لسانه» كتباً قيمة.. ويملك أن يحرك العالم ويجعله ساحراً ومبهراً ومدهشاً بـ«لسانه» فقط.. بينما نحن نمتلك كل الحواس لكن البعض اغتال قلبه مع سبق الإصرار والترصد فى مقابل المال والشهرة والنجومية، وأغلق عقله على «قانون المصلحة».. ورفع شعار «أنا ومن بعدى الطوفان».. وهكذا عرفت «هشام نادى» فى حلبة مصارعة وهو مهزوم بعد أن سقط بالضربة القاضية من «كاتبة شهيرة»!

هل أكتب ألغازاً؟
القصة بدأت بمكالمة من صديقى «درى جمال» يطلب فيها المشورة الفنية لأحد أصدقائه من الكُتاب الشبان، إنه شاب تجاوز الـ 33، أصيب فى 2008 بشلل كامل بعد أن صعقه التيار الكهربائى فسقط من ارتفاع 7 أمتار، لفت انتباه الجميع بفيديو نشره على «اليوتيوب والفيس بوك» يرد فيها على ادعاءات الكاتبة الشهيرة بقرصنته لمصطلح «السلف الصالح».. وزعمها بأنها من قامت بصك المصطلح ونحته نحتاً وأنها ضيعت حياتها وأفنت نفسها وأهملت تربية أولادها، (إلخ تلك المبالغات الشعرية السخيفة)، لنشر هذا المصطلح.

وحتى تهندس الكاتبة تهمة السرقة على الشاب قررت الاتصال بى وبكل الأصدقاء لدعم حملتها الدنيئة فى اغتيال «كاتب معاق مغمور»! المهم نالها منا جميعاً ما تستحق من عقاب أخلاقى، وقمت بالاتصال بـ«هشام» وأرسل لى كتابه.. وقتها لم تكن قناة الـBbc قد عرفت الطريق إليه، لم يكن الإعلامى «عمرو أديب» تحدث عنه.. كان مثل عصفور كسير الجناح يقاوم السقوط ويصر على الطيران، ويحلق فى السماء بعقله بل ويحملنا معه إلى آفاق جديدة بكتاباته الآسرة.

لم أرَ الوجه الموجع لحياة «هشام»: عناية والديه به فى النظافة والملبس وتناول الطعام، كيف يحمله والده على كتفه بصبر وإيمان من الكرسى المتحرك إلى السرير؟.. كيف تخلع والدته بيديها الكريمتين ملابسه؟

بل رأيت إنساناً شجاعاً، يحرض على عشق الحياة، يحترف استثمار كل لحظة وكل معلومة وكل حرف.. رأيت شاباً إيجابياً خلوقاً ليس بحاجة ليد تسنده أو تطبطب عليه.. إطلاقاً، إنه بحاجة إلى مجتمع يعترف به، يمنحه فرصه التعبير عن أكثر 10% من ذوى الاحتياجات الخاصة فى مصر.. انضم إليهم «هشام» بعد أن كان منطلقاً فى الحياة يجرى ليسبق سنوات شبابه، يحلم بفتاة أحلام تبددت ملامحها الآن من ذاكرته، يتخيل «وظيفة» تليق بطموحه وقدراته «تلك التى فقد معظمها للأسف»!! كيف تفجرت أمومتى وأنا أسمعه، كنت أبكى فى صمت واحترام لأوجاعه ومرارة إحساسه بأنه متهم فى «خانة الدفاع» وليس «مناضلاً» انتزع لنفسه مكانه فى قلوبنا وحفر اسمه فى عقولنا.. وددت وقتها أن أضمه أن أقبل يد والدته وجبينها.. أن ألعن الكهرباء والعالم الغارق فى الترف والتفاهة ونزيف الوقت وتبلد المشاعر.. وكنت أرى «هشام» بصوته وأخباره وكلماته، «التى يكتبها بكوعه ولسانه على الفيس بوك»، واقفاً تعانق قامته زرقة السماء.

هكذا تورطت فى حبه.. أصبح صديقى الصغير سر وجعى ومصدر فخرى.. أحياناً من شدة الألم أبوح بتقديرى له فى كلمة واحدة: «يا قلبى».

إنه «هشام» الصامد.. الذى أصبح يمتلك برنامجاً على اليوتيوب اسمه «حصة تاريخ» يعده ويقدمه وينتجه بنفسه.. ويقول: «أنا من خلال الفيس بوك قدرت أخلق حياة لنفسى، قدرت أصنع شىء مفيد لعقلى».. والحقيقة أن «هشام» منح الحياة ثلاثة كتب (رسائل التاريخ، كتاب السلف الصالح، رواية السلف الصالح).. وأهدته الحياة «دكتوراه فخرية، ولقب سفير التحدى».. لكنه للأسف حتى الآن لم يحصل على «وظيفة» تليق بمؤهله ضمن نسبة الـ5% المخصصة لذوى العزم والإرادة.. ولا يزال يسير بالكرسى المتحرك 3 كيلومترات ليصل إلى أقرب مكتبة ليتناقش ويتحاور مع الناس.. ويزداد علماً ومعرفة.

سيادة الرئيس «عبدالفتاح السيسى».. ابنك «هشام» -سفير التحدى- صنع عالمه الخاص فى العالم الافتراضى.. لكن يحلم بمكانه فى «الواقع».. إنه جدير بموقع يحتوى طاقته فى العطاء.. وحدك -يا سيدى- تملك أن تحرره من أسر «الكرسى المتحرك».
نقلا عن الوطن