واحدة من أكبر أزمات جيلنا هى الأشياء التى تبدو جميلة وهى ليست كذلك، تبدو صحيحة وهى ليست كذلك.

 
تسطيح العلاقات الإنسانية وتفريغها من مضمونها، فهذه تبدو أسرة ولكن كل أفرادها منعزلون، وهذا يبدو أبًا ولكنه متفرج، وهذه تبدو أمًّا ولكنها مشغولة ومنزعجة طوال الوقت!
 
هذه تبدو صداقة لكنها مجرد «خروجات» وتجمعات موسمية لأشخاص يجيدون الصحبة لكنهم فى الحقيقة فى منتهى الوحدة وافتقاد الونس، علاقات تبهرها كلمات، مثل «إنتى بتاعتى، ملكى»!!، و«إنت كل دنيتى»، علاقات تبدو حبًا لكنها تملّك مريض ورغبة عجيبة فى السيطرة على كل الآخر لا إسعاده أو راحته.
 
تسطيح عجيب لمفهوم العلاقات الإنسانية.. مرعب إذا تعمقنا فى تفاصيله.. ربما كان السبب فيه التكنولوجيا وربما كان السبب فيه الضغوط المستمرة التى يتعرض لها الجميع بقدر متساو.
 
الجميل فى الأمر أن هناك قلة يقظة تحارب من أجل العمق ومن أجل علاقات حقيقية وسط أغلبية جارفة لن تفهم أصلا ما تعنيه بقولك عن علاقات عميقة وحقيقية.. عن دوائر مخلصة وقريبة، عن ود يشكل الوجدان.. تفسيرات تلك المشاعر لا ترد فى قاموس الذين ارتضوا علاقات مع إيقاف التنفيذ!!
 
تسطيح رهيب للعلاقات.. فيكثر عددها وتقل جودتها وتتعمق الوحدة لبشر مشغولين طوال الوقت بالناس!!
 
جيلنا يعيش نفس التجربة على مستوى النجاح والتحقق.. فمن الطبيعى أن تكون فترات حياة الإنسان فترات كفاح وتعب، ثم نجاح، ثم إخفاق، ثم تكرار المحاولة ونجاح آخر وتقدير للرحلة.. وهكذا.
 
دائرة حياة الإنسان فى طريقه للتحقق واكتشاف الذات.
 
لكن الحقيقة التى يعانى منها جيل بأكمله هى غياب القاعدة والمرجعية للتحقق.. فالنجاحات الباهرة سريعة وسهلة وليست لها قاعدة سوى أنها- فى معظمها- سطحية وغير مكتملة! ويفاخر أصحابها بشدة بفن ردىء أو عمل غير أخلاقى.. لكنه ناجح وله جمهور!
 
معظم التجارب الأصيلة والصادقة لا تجد شعبية ولا شيوعا بسهولة.. حرب رهيبة على المنطق وعلى فكرة الكفاح والنجاح والتحقق.. لذا فحتى النجاحات سطحية والمعارك ليست أخلاقية ولا تؤدى إلى انتصار عادل لأصحابها!
 
تسطيح النجاحات يقلل من قيمتها ولا يجعلها حتى جاذبة لأجيال جديدة.
 
فمن يفكر ولو بنصف عقل سيرفض كليهما.. نجاحا مزيفا أو كفاحا بلا أمل!!
 
تسطيح النجاحات وتسطيح العلاقات.. أزمتنا وتحدى جيلنا.
 
ولكن النجاح فيه ممكن.. يترتب على إدراك أهمية الدخول إلى العمق فى كل شىء.. فى العلاقات، فى العمل، وفى العبادة.
 
العمق سينقذ سفينتنا من التحطم على شاطئ الخيبات الكثيرة والمتكررة.. لكن العمق اختيار لمن يحب.. وهو اختيار فردى ونجاح شخصى.. لهذا هو وارد وممكن جدا.. فنحن بارعون فى النجاح الفردى.. حتى وإن أخفقنا أحيانا كفريق!!.
نقلا عن المصرى اليوم