هاني لبيب
منذ أيام، تقدمت النائبة غادة عجمى، «عضو مجلس النواب»، بمشروع قانون، بشأن «الذوق المصرى العام»، وهو مكون من 11 مادة ومذكرة تفسيرية. وقد عرّفت الذوق العام بأنه «مجموعة السلوكيات والآداب التي تعبر عن قيم المجتمع ومبادئه وهويته، بحسب الأسس والمقومات المنصوص عليها في الدستور والقانون». وهو هدف نبيل تقصد به نائبة الشعب الارتقاء بالذوق العام، وهو المهمة الأصيلة للعديد من مؤسسات الدولة، بداية من التنشئة والأسرة، مرورًا بمناهج المراحل الدراسية المتعددة وسياق التعامل والمعايير المُتَّبعة داخل المؤسسات التعليمية، وصولًا إلى دور الإعلام في التوعية غير المباشرة للارتقاء بالذوق العام، فضلًا عن وجود قوة القانون والعدالة الناجزة فيما يمس الحصول على الحقوق أو استعادتها السريعة من خلال تنفيذ الأحكام القضائية.

توقعت أثناء قراءتى مقترح القانون أن أجد إجابات محددة لبعض الأسئلة المنطقية، ومنها:
ما مواصفات الشخص المتجاوز للذوق العام؟ وما معايير الملابس المتسقة مع مقترح مشروع «قانون الذوق العام»؟ وهل يندرج التحرش تحت هذا المشروع، وما يعنى ذلك من تقييم سلوك المتحرش بغرامة بين 500 ج و5000 ج حسب تقدير نسبة التحرش اللفظى والجسدى؟ وما القواعد المحددة لما يمكن أن نقول عليه احترام القيم والعادات والتقاليد والثقافة السائدة.. خاصة في الفروقات بين الريف والحضر، أو بين المحافظات ذات الفلكلور الشعبى في ارتداء الملابس وأسلوب تزيين السيدات؟ وعلى أي أساس يمكن تقييم الصور والأشكال والعلامات الموجودة على الملابس.. إذا ما كانت تتسق مع الذوق العام أو ضده حسب المادة الرابعة من مقترح القانون؟ وهل مقترح القانون أساسًا بهذا الشكل موجه للمرأة المصرية المتبرجة حسب التعريفات المتشددة أم أيضًا موجه للرجال، وما يرتديه بعضهم من ملابس لا يمكن تصنيفها إذا كانت (رجالى) أم غير ذلك بسبب تصميماتها الغريبة؟ وما طبيعة الأشكال أو التصرفات التي يمكن أن نحددها باعتبارها خدشًا للحياء العام؟

أعتقد أنه من المفيد إعادة النظر في مثل هذه القوانين المقترحة، التي تعيد مصر إلى عصور الظلام ومحاكم التفتيش. وهى في الحقيقة قوانين تسىء للدولة المصرية أكثر مما تدعم مسيرتها نحو المستقبل سواء في صورتنا السياسية أمام دول العالم، أو في سبيل ترسيخ أسس وقواعد الدولة المدنية المصرية.. دولة القانون والعدالة والمساواة.

في تقديرى، الأفضل دائمًا هو الجهود المبذولة في التربية، وليس الجهود الموجهة للعقاب وتغليظ العقوبات.. فستظل الغرامة المادية هي أقل العقوبات تأثيرًا في تعديل السلوك وتقويمه. وهو ما يأتى في سياق كلام الرئيس عبدالفتاح السيسى عندما تناول في أكثر من سياق المسؤولية عن القيم والمبادئ والأخلاق والدين. هو سياق المسؤولية الأدبية من خلال مؤسسات الدولة في ترسيخ قيم التربية والأخلاق في المدارس، وفى التعامل من أجل بناء الدولة ومواجهة جميع أشكال الفساد، وهى مسؤولية سياسية وأدبية ووطنية أصيلة على رئيس الجمهورية باعتباره المسؤول التنفيذى الأول عن متابعة قيام مؤسسات الدولة بهذا الدور الإيجابى.

نقطة ومن أول السطر ..
تم إعدام سقراط، «الفيلسوف اليونانى الشهير»، سنة 399 ق. م من خلال محاكم التفتيش بسبب تهم مماثلة لسياق مقترح قانون الذوق العام.
نقلا عن المصرى اليوم