يلخص الكاتب المغربى سعيد ناشيد فى كتابه «الطمأنينة الفلسفية» بعض نماذج الحاجات الروحية للإنسان من وجهة نظر الفلسفة على النحو التالى: الحاجة إلى المعرفة والتأمل والصداقة بحسب فلسفة أبيقور، الحاجة إلى النمو وتحقيق الذات والفرح بحسب سبينوزا، الحاجة إلى الحرية روسو، الحاجة إلى الكرامة كانط، الحاجة إلى الاعتراف والاعتراف المتبادل هيجل، الحاجة إلى رفض الاستغلال والعدالة بين البشر ماركس، الحاجة إلى الطموح والإبداع والتفوق نيتشه، لكن كيف سيكون حال الفلسفة فى القرن الحادى والعشرين؟، يجيب «ناشيد» بأن الفلسفة حاجة روحية، وصارت الحاجة إليها أكثر إلحاحاً فى عصر صار فيه التشدد الدينى مصدر اكتئاب، نحتاج إلى الفلسفة لأجل العلاج الروحى، لأجل التربية على الحياة، لأجل تحديد أخلاقيات العلم، يظل الأمن الروحى هو مهمة الفلسفة، وتظل معايير الحياة الجيدة أى الحكمة، ومعايير السلوك الجيد أى الفضيلة، تتحدد من خلال النشاط الفلسفى، من خلال المصالحة مع الذات واستعادة الأمن الروحى من خلال تلك النصائح التى يقدمها الكتاب: ١- أحب قدرك، ٢- كن أنت، ٣- اعرف نفسك بنفسك، ٤- لا تعمل إلا ما هو ضرورى، ويؤكد المؤلف أنه لا يوجد تدين صحيح أو خاطئ، ولكن هناك تديناً يلبى أو يعيق نمو الفرد، بالنظر إلى ممكناته ومتطلباته، وكل تدين يخالف الطبيعة البشرية لا ينتج سوى منافقين ومرضى، فالمعادلة بسيطة حين يصر المرء على أن يصبح ملاكاً، سيتنكر لطبيعته البشرية، سيفقد إنسانيته، ومن ثم يستيقظ الوحش الراقد فى أغوار الغرائز البدائية، ويجيب «ناشيد» عن فقدان الهوية والطمأنينة عند قبيلة الإسلام السياسى، ويعيدها إلى مفهومين، الاقتلاع والاجتثاث، فك الارتباط مع ذاكرة الأرض من خلال تدمير الأضرحة والمزارات والآثار على سبيل المثال، وصولاً إلى تصور افتراضى لأمة الإسلام التى بلا جغرافيا محددة، وكما خرجنا من التاريخ نخرج الآن من الجغرافيا، وليس الإنسان الفاقد للوعى سوى إنسان فاقد للقدرة على التموقع فى الزمان والمكان، الوصفة الأساسية للفلسفة هى تنمية القدرة على الحياة، يقول «روسو»: من المستحيل أن يتحقق السلام بين شخصين يعتقد كل واحد منهما بأن الله غاضب على الآخر!، وهنا يأتى دور الفلسفة فى إصلاح الكينونة التى يراها المؤلف من أعظم المهام الفلسفية، وتتم من خلال إصلاح العقل بإخراجه من حالة الخمول والتسليم، إصلاح الغرائز وتخليصها من الانحطاط، إصلاح العقيدة بالدين الإنسانى لا التسلطى، وبالفلسفة سنهزم أكبر مصدر للانفعالات السلبية وهو الخوف، الذى هو أصل المكر والنفاق، والذى يفقدنا القدرة على الحب وعلى التفكير وعلى الاحترام، فالخوف لا يصنع الفضيلة ويعطل العقل ويشل الإرادة ويغتال الرغبة، غاية الفلسفة ببساطة هى السعادة.

 
كتاب «الطمأنينة الفلسفية» لا يمكن تلخيصه برغم حجمه الصغير، بل يمكن الإشارة إلى بعض مناطق الدهشة والجمال فيه.. تحية إلى قلم سعيد ناشيد الذى جعل الفلسفة برشاقة أسلوبه عصيراً شهياً سهل الهضم حلو المذاق.
نقلا عن الوطن