محمد طه
"بيت الجيران بيتحرق.. ياللا اجهزوا علشان لما بناتهم ييجوا، ننام معاهم.."

ده بالظبط اللى بتقوله كمية التعليقات السخيفة والمسيئة من بعض (الذكور) على اللى بيحصل مؤخراً فى لبنان.. من قبيل "محدش يتجوز.. لبنان والعة واللبنانيات جايين".. و"تحسين النسل".. وغيرها كتير للأسف..

مش عارف كلامى هايفرق واللا لأ.. ولا ليه أصلاً فايدة واللا مالهوش.. بس أعمل إيه.. ده اللى أعرفه..

خلينى أقولكم باختصار وببساطة كمية العقد والبلاوى النفسية اللى بتعبر عنها مثل هذه التعليقات..

- فيه عرض نفسي شهير بيكون موجود فى الأمراض النفسية الصعبة والمستعصية على العلاج.. اسمه Lack of Empathy.. يعنى مايكونش عندك القدرة على الإحساس بالآخرين.. ماتقدرش تحط نفسك مكان حد.. كل علاقتك بالعالم هى علاقتك بنفسك فقط.. ماتحسش بألم حد.. ولا تتفاعل مع حزن أو فرح أو وجع حد.. العرض ده بيكون موجود فى اضطراب الشخصية النرجسية، واضطراب الشخصية السيكوباثية، وبعض حالات الفصام (السكيزوفرينيا)..

أول حاجة بتقولها هذه التعليقات.. ان اللى كاتبينها (وهما كتير)، وصلوا من النرجسية والفصامية والسيكوباثية انهم مايحسوش ببلد بتخرب -حرفيا- جنبهم.. ولا حتى يتفاعلوا مع ناسها وأهلها أقل أنواع التفاعل الإنسانى.. التعاطف.. بالعكس.. دول قاعدين مستنيين - بدم بارد- انها تخرب.. علشان يناموا مع بناتها..

مش بس كده.. دول ماحسوش وماحطوش نفسهم مكان بناتهم واخواتهم وزوجاتهم هما شخصياً، اللى قالولهم ضمنيا بتعليقاتهم السخيفة: انتوا مالكوش لازمة.. انتوا مش بنات.. شايفين البنات؟ طب لو حد منهم سمع الكلمة دى أو شاف تعليق زى ده من مراته.. هايحس بإيه؟ بلاش كده.. نفس هذا الشخص هايعمل ايه فى أخته أو زوجته لو اتحررت ولبست واتزينت زى اللبنانيات اللى بيتنشق عليهم ومستنى يتجوزهم؟

- فيه ظاهرة نفسية مهمة ومنتشرة للأسف فى مجتماعتنا اسمها الجنسنة.. يعنى اختزال شئ وحصره وتحويله لمعنى جنسي.. وأكتر حاجة عملنالها جنسنة بالطبع هى الأنوثة.. الأنثى فى عقلنا الجمعى هدف جنسي (وطلوب يقوم بوظائف الأمومة عند الزواج).. يعنى جسم الأنثى هدف جنسي.. أى واحدة ماشية فى الشارع هدف جنسي.. ضحكة الأنثى ليها معنى جنسي.. صوت الأنثى ليه معنى جنسي.. مشيتها ليها معنى جنسي.. ريحتها ليه معنى جنسى.. لبسها يتم فحصه وتمحيصه بالمجهر الجنسي.. علشان كده إحنا من أعلى دول العالم فى نسب التحرش.. ومن أقل دول العالم فى شعور أى أنثى بالأمان فى أى شارع..

تانى حاجة بتقولها بقى التعليقات دى.. هى اننا سيبنا شجاعة لبنان'> بنات لبنان.. وجرأتهم وبطولتهم.. واصرارهم وكبرياءهم.. وكل المعانى اللى ورا خروجهم وتظاهرهم.. واختزلنا كل ده.. فى مشهد جنسى مريض.. بين رجل يتصور أنه مطمع كل نساء العالم.. وأنثى تشبع رغباته الجنسية ليلاً.. وتقوم بدورزوجته/أمه نهاراً..

- بمناسبة الرجل المتصورانه مطمع نساء العالم.. واللى لما يسافر بره بيحس ان كل بنت بتشوفه هاتموت عليه، ومش هاتقدر تمسك نفسها عنه.. وهاتطلب منه التوجه فوراً لأقرب سرير.. ده يرجعنا تانى للشعور الشديد والزائف والمبالغ فيه بالأهمية.. والانتفاخ الذاتى.. والاستحقاق الغير مبرر.. اللى برضه يميز جداً الشخصيات النرجسية.. اللى واضح انها يا اما عمالة تزيد.. يا اما عمالة تتضح أكتر بفعل الوعى النفسي المتنامى خلال السنوات الأخيرة..

ودى الحاجة التالتة اللى بتعريها التعليقات بوضوح.. نرجسية شديدة.. وتوهم غريب للأهمية.. وانتفاخ هايفرقع خلاص..

وبالمناسبة- وبكل أسف- ده كله بيخبى تحته شعور عميق بالدونية وقلة القيمة وعدم الاستحقاق.

- فيه فرق كبير بين الفكاهة والسخرية.. الفكاهة تدعو للفرحة.. وتسبب القرب.. وتريح النفس والروح. إنما السخرية تعبر في معظم الأحيان عن عنف سلبي Passive Aggression، وتعالي، وفوقية في النظر للأمور. الفكاهة مافيهاش إهانة. السخرية كلها إهانة. الفكاهة تثير فيك الضحك.. السخرية تثير فيك دموعًا مكتومة. الفكاهة فيها تواصل وحب ومودة.. السخرية فيها بتر وبغض وقسوة. السخرية تعبر عن رصاصات غاضبة رغم نعومتها الظاهر ة.. وتعبر عن رغبة في تشويه وتحطيم ما نسخر منه. علشان كده سموا دي (روح الفكاهة).. وسموا دي (مرارة السخرية).. إحنا بندّعي الفكاهة.. لكننا محترفين في السخرية. إحنا بنسخر من كل حاجة.. بنسخر من المشاعر.. بنسخر من الناس.. من الحيوانات.. من نفسنا.. من الحياة.. بنسخر من الموت شخصيًا..

التعليقات السخيفة على اللى بيحصل فى لبنان.. بتقول اننا بنفقد بوصلتنا الحسية والشعورية تماماً.. ومش عارفين نفرق (أو عارفين وبنستهبل) بين الفكاهة وبين السخرية.. ودى الحاجة الرابعة..

- خامساً وأخيرا.. فى أحد مؤتمرات العلاج النفسي فى روما، كنت حاضر ورشة عمل عن ديناميات المجموعة.. الراجل اللى كان قاعد جنبى قال للراجل اللى قصاده -وكان ماسك كاميرا- "جميل ان حد يكون عنده موهبة التصوير، طبعا انت بتحب تصور بيها الستات الحلوين".. الراجل صاحب الكاميرا غضب وكشر وقاله بصرامة: "بلاش تسقط رغباتك وأحلامك الجنسية عليا.. انت اللى عاوز تصور الستات الحلوين.. وبترمى ده عليا".. المثال ده كان أوضح مثال على الإسقاط.. وهو حيلة دفاعية نفسية شهيرة.. تخليك تشوف/ترمى/تسقط ما فى داخلك على الآخرين.. يعنى بدل ما تقول أنا عاوز أتحرش بالبنات.. تقول البنات لبسهم يدعو للتحرش.. بدل ما تقول أنا عاوز أغتصب أنثى.. تقول هى اللى بتثيرنى لاغتصابها.. بدل ما تقول عاوز أتجوز بنت لبنانية.. تقول هى هاتييجى وهاتبقى بتتمنى الجواز منى.. إسقاط إسقاط يعنى..

مش بس كده.. ده أى حد بيتصدى للرد على هذه التعليقات المريضة.. بيتم اتهامه فوراً إنه بيلم معجبات.. وانه فيمينست.. وبيدور على اللايكات من البنات.. رغم ان الحقيقية هى العكس.. وان أصحاب التعليقات دى نفسهم هم أكتر ناس بيدوروا وهايموتوا على كده..

وكل ده لا يمكن فصله أبدا- بل هو الوجه الآخرتماما - لجريمة القتل اللى حصلت الأسبوع اللى فات واللى راح ضحيتها طالب ثانوى كان بيدافع عن واحدة ضد التحرش بها..

أنا مش هاكرر الردود بتاعة البنات والسيدات اللى قاموا بالواجب وزيادة مع تلك التعليقات السخيفة.. لكن أنا باقول وبجد:
احنا محتاجين اعادة تعريف.. واعادة صياغة.. وإعادة توعية -بكل وسائل التوعية- عن المعنى الحقيقى للأنوثة.. والمعنى الحقيقى للرجولة.. وان فيه حاجة اسمها رجولة حقيقية ورجولة مزيفة.. زى ما فيه حاجة اسمها أنوثة حقيقية وأنوثة مزيفة.. وان الرجولة غير الذكورة.. وان الأنثى مش آداة جنسية.. والجسد مش هدف جنسي.. والجمال مش شئ جنسي.. وان الجنس نفسه -آه والله العظيم- لو تم اختزاله فى فعل الجنس نفسه.. لفقد أهم ما فيه.. وهو التواصل النفسي والجسمانى والروحى لأعمق درجات الوجود..

علشان كده فيه صلاة قبل الجماع.. ودعاء قبل وبعد الجماع.. واحترام وإجلال حقيقي لهذا الفعل الإنسانى المقدس.. اللى -وبكل أسف- قمنا باختزاله وتشويهه وتقذيره ومومسته.. إلى أقصى حد..

ربنا يعينا على نفسنا..
ويعين بناتنا علينا..
نقلا عن الفيسبوك