محمود العلايلي
وقع خلال الأسبوعين الأخيرين حدثان دوليان مهمان فى مجال مصر الحيوى، وصحيح أن الحدثين مختلفان كل الاختلاف عن بعضهما، ولكن ما يلفت الانتباه هو التفاعل الشعبى والإعلامى للحدثين، والحدث الأول الذى أعنيه هو الهجوم العسكرى التركى على منطقة سوريا'> شمال سوريا، أما الثانى فهو منح السيد آبى أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبى، جائزة نوبل للسلام عن العام 2019.

وما أعنيه من التفاعل الشعبى والإعلامى فى الحدث الأول هو اختصاره فى العلاقة الملتبسة بين مصر والرئيس التركى رجب أردوغان، ففى الوقت الذى يتحدث فيه العالم عن الهجوم على سوريا بأنها مسألة تختص بخرق القانون الدولى، وعدم احترام المواثيق، وخاصة ما يتعلق بالتعامل مع المدنيين وقت الحروب، وحق الأكراد فى تقرير مصيرهم، وتأثير ذلك على موضوع اللاجئين، نجد أن جماعتنا فى مصر مصرون على مسألة تهديد عروبة سوريا، ومن ثم تضمين المسألة ضمن الخطة العثمانية لإعادة احتلال العالم الإسلامى، ونشر العديد من البيانات المنددة بالهجوم على أساس عروبى مرة ثم على أساس عدائى للإخوان ومن تبعهم من القطريين، والتركيز على تاريخ الأتراك الدموى وإعادة فضح ممارساتهم مع الأرمن فى العقد الثانى من القرن الماضى ثم ممارساتهم مع الأكراد فى ثلاثينيات نفس القرن، والأهم هو السخرية من بعض التعليقات الغربية ضد الرئيس التركى، وكأن التنكيل والتنمر «البلدى» هو الذى سيأتى بحق مصر من الرجل أو سيحمى الأكراد من جحافل الجيش التركى.

أما مسألة جائزة نوبل فلم تأخذ ساعات بعد إعلانها لتتحول إلى حلقة من المؤامرة الدولية على مصر والتى يعد سد النهضة إحدى سلاسلها، ولم يفت الإعلام استرجاع بعض الأسماء التى حازت الجائزة مؤخرا، مثل توكل كرمان اليمنية، والدكتور محمد البرادعى، محللين الأدوار السلبية التى قام بها كل منهم مستشهدين على ذلك بدور حاملى هذه الجائزة فى الإضرار العمدى بمصر ومصالحها، أما على جانب رئيس الوزراء الإثيوبى، ففى الوقت الذى احتفل فيه العالم بإنجازاته السياسية، فقد خرجت الأقلام والأبواق المستنفرة تتحدث عن تأثير ذلك السلبى فى موضوع سد النهضة الإثيوبى، إلى أن خرج الرئيس مهنئًا الرجل على الجائزة، مما أوقف طوفانًا من فقهاء التخوين، وعبدة فكر المؤامرة، لشرح ما استعصى على العالم فهمه، فى الوقت الذى كان يجب فيه أن نقف أمام أنفسنا لنقدر قيمة خصمنا السياسى حق قدره، ونتبين ثقله الدولى ونحن نتعامل معه ومع دولته فى جولاتنا الدبلوماسية المقبلة.

والحقيقة أننى لا يمكن بأى حال أن أنفى تعرض مصر للعديد من المخاطر والتهديدات من الداخل كانت أو من الخارج، وذلك ما يحدث لجميع دول العالم القوية والضعيفة، والغنية والفقيرة، كما يحدث لأكثر الدول تقدمًا وأكثرها تخلفًا، وإذا كان العالم يفهم ذلك بشكل تلقائى فلا نرى أى مبرر للتكرار على مسامع الدنيا ما لا تريد أن تسمع، وإذا كان هذا خطابًا للداخل، فقد قادنا هذا الخطاب إلى الإحباط المستديم، بسبب إحساسنا بتربص الجميع بنا وأنه من المستحيل أن نهزم العالم، وعلى جانب آخر صار ذلك من أهم الأدوات السياسية لتبرير أى فشل، أو تضخيم أى تهديد.

وحيث إن هناك من لا يريد أن يستفيق من غفوة التفوق على الأفارقة بشكل خاص وعلى الدنيا بشكل عام بحكم التاريخ غالبا، بل بحكم الجغرافيا أيضا- فإنه علينا استبيان أن للتفوق معايير أخرى غير التى فطمنا عليها فى كتب المطالعة والتاريخ الموجهة، كما وجب أن ندرك أن التأثير فى الآخرين يستوجب أن نفهم لغتهم ونستخدم مفرداتهم، حتى يكون لنا فى المجتمع الدولى نصيب ومكان، وحتى يكون لما نقدمه له حجة ومكانة.
نقلا عن المصرى اليوم