حسين العثمان
إذا كان النزاع الدائر في سوريّا منذ 2011، أوّل نزاع إقليميّ – دوليّ متعدّد الأقطاب في القرن الحادي والعشرين؛ فإنّ المناورات الدّبلوماسيّة حول الأزمة السّوريّة تخطّت حدود الإقليم، وطافت المؤتمرات الكثير من العواصم والأمكنة حول العالم من دون نتيجة ملموسة.

بعد الدّوران في الحلقة المُفرَغة في جنيف وفي سبع جولات لهذا المسار الذي انطلق في 2012 تحت مظلّة الأمم المتّحدة، إلى مسار أستانه “الأمنيّ” بعد منعطف حلب أواخر 2016 وتوزيعه مناطق نفوذ الأمر الواقع، وبعد طيّ فكرة “مؤتمر شعوب سوريّا” في قاعدة حميميم، والاهتمام على انعقاد مؤتمر تحت مسمّى “الحوار السّوريّ” كانت بداياته في سوتشي لفرض الرؤية الدّبلوماسيّة للرّوس في وجه السياسة الأمريكيّة ونظرتها لخطوط التسوية السّوريّة. رغم ذاك، نلمس تلكّؤاً للمجتمع الدّوليّ في إيصال الأزمة السّوريّة إلى خواتيمها وفق ما يرتئيه الشّعب السّوريّ.

محاولة التفرّد بالحلّ في خضمّ الصراعات متعدّدة الأقطاب داخل الشرق الأوسط ككلّ وسوريّا كجزء، تأتي في سياق اعتبار أنّ سوريّا هي البوابّة الأوسع للدّخول في دهاليز ومتاهات الشرق. وهي القاعدة التي ستنطلق منها باتّجاه باقي الدّول في هذه المنطقة الجيو إستراتيجية في العالم.

وتزداد في الآونة الأخيرة وتيره الحراك الدّبلوماسيّ حول إمكانيّة تشكيل لجنة لصياغة دستور جديد لسوريّا، مع تحفّظ الفرقاء حول تفاصيل هذه اللّجنة وغياب لأطراف فاعلة في هذه اللّجنة، لاسيّما ممثّلين عن مناطق سيطرة قوّات سوريّا الديمقراطيّة التي مازالت تحارب الإرهاب في معاقله الأخيرة وتساهم في إعادة الأمن والاستقرار للمناطق المحرّرة، وتعمل جاهدة لتسريع عمليّة البناء والتنمية عقب الدّمار الذي أصاب البنية العمرانيّة والفكريّة والمجتمعيّة للمناطق التي رزحت تحت ظلم واستبداد الأفكار السوداويّة الدّاعشيّة.

في خضمّ كلّ هذه المعطيات والمجريات على السّاحة العسكريّة والسياسيّة، كانت هناك مناوشات واعتداءات من قبل الدّولة التركيّة ضدّ المناطق التي تحرّرت بدماء أبنائها.

يتساءل المتنوّرون… ما دلالات هذه الاعتداءات..؟ ولماذا بهذا التوقيت بالذّات…؟
لا تستطيع أنقرة أن تنامَ قريرة العين وترى سلاماً واستقراراً وانتشاراً لمبادئ الفكر الديمقراطيّ بجانب حدودها.

وتخشى من امتداد هذا الفكر وطوفان التجربة ليشمل أراضيها أيضاً، وبالتالي سيكون الزلزال الذي يقضّ مواضع وأركان الديكتاتوريّة الجديدة التي أسس أركانها أردوغان عقب التعديلات الدّستوريّة الأخيرة، وأخيرها وليس آخرها مسرحيّة الانقلاب العسكريّ التي فتحت الباب له على مصراعيه لتنفيذ مخطّطاته في تطبيق القبضة الحديديّة ضدّ من يقف في وجه سياساته.

ثانياً.. الحجّة والشمّاعة التي تعلّق عليها تركيّا اعتداءاتها وتهديداتها؛ حماية الأمن القوميّ التركيّ.

أين كان أمن تركيّا القوميّ حين كانت داعش ترابط على الحدود السّوريّة التركيّة وبطول يتعدّى 500 كم..؟

ويقول متابع…
بعد دحر داعش من الحدود، لم يكن هناك أيّ اعتداء أو هجوم من الجانب السّوريّ تجاه الأراضي التركيّة ولم تُطلَق رصاصة واحدة تجاه الحدود، فكيف تدّعي “الدّبلوماسيّة التركيّة” الخطر من حدود لم تشتعل أو تتحرّك ولو لمرّة واحدة.

بل على النقيض تماماً، فإنّ القوّات التي حرّرت الشريط الحدوديّ أمّنت الاستقرار والأمان حتّى للجانب التركيّ بعدم انفلات الحدود وجعلها مرتعاً للجماعات المتطرّفة.

ثالثاً…لم يبقَ إلّا سببٌ وجيهٌ لتنشيط هذه العمليّات والتهديدات؛ وهو إنعاش ما تبقّى من خلايا وجماعات تابعة لأجندات تركيّا، والتي باتت بين فكّي كمّاشة في منطقة دير الزور وهو الجيب الأخير التي تعمل قوّات سوريّا الديمقراطيّة للقضاء عليه، وإعلان شرق الفرات منطقة خالية من أيّ تواجد إرهابيّ، أو أنّ “اتّفاق منبج” الذي روّجت له البروباغندا التركيّة على أنّه نصر للسياسة التركيّة صدم بحقيقة الخطّة الأمريكيّة من خلال تسيير دوريّات مشتركة على الخطّ الفاصل بين درع الفرات ومجلس منبج العسكريّ، وأنّهم سيكونون خارج منبج وليس داخلها.

كلّ هذه العوامل أدّت إلى توجيه نوع من الضغط السياسيّ أو الرفض “الناعم” لما تمّ، والمطالبة ببعض الامتيازات التي من شأنها أن تنعش الاقتصاد التركيّ الذي يعاني ركوداً حادّاً في هذه الأثناء.

كلّ هذه التهديدات والاعتداءات لن تتجاوز الخطوط الحمر، والحراك السياسيّ سيكون السّلاح الأنجع لوقف هذه الاعتداءات، وستشهد الأيّام المقبلة حراكاً دبلوماسيّاً لافتاً لإعادة الهدوء للشريط الحدوديّ، مع تنشيط وتسريع عمل اللّجنة الدّستوريّة لوضع اللمسات الأخيرة، وذلك بعد تعيين مبعوث جديد من قبل المجتمع الدّوليّ لحلّ الأزمة السّوريّة خلفاً لديميستورا.

فالدّستور السّوريّ سيكون بيد جميع مكوّنات الشّعب السّوريّ ولن يبصر النور في غياب أيّ طرف من الأطراف، فكلّنا شركاء في بناء الوطن.
نقلا عن sdf-press