د.ماجد عزت إسرائيل
   يخبرنا الكتاب المقدس بعهديه القديم والحديث عن الكهنوت والكهنة وعبر العصور التاريخية كان  من مهام الكهنة أن يرفعون الصلاة والطلبات من أجل شعوبهم ومن أجل كل المسكونة جميعا أن ينعم عليها الله بالخير والسلام. وقد ورد عن معلمنا  بولس الرّسول في رسالته الثانية إلى تيموثاوس  قيمة الكتاب المقدس في التعليم  حيث ذكر قائلاً: " كُلُّ الكتابِ هو موحى به من الله،ونافعٌ للتّعليم والتّوبيخ، للتّقويم والتَّأديب الّذي في البرِّ. "(16:3)، وهنا نؤكد على أن الكتاب المقدس هو كلمة الله الحيّة لكل جيل، حيث يخبرنا أن الله اختار له شعبًا كهنوتيًا وأمّة مقدسة، وأنّه اختار أيضًا بطريقة متميزة بعض العائلات أو الأشخاص في العهدين القديم والجديد ليمارسوا طقوسًا دينية لا بد منها مع الالتزام بشريعة المحبة والرحمة. وقد يتساءل القاؤىء عن ما هو الكهنوت؟ وما الفرق بين الكهنوت العام والخاص؟ وهل ورد الكهنوت في الكتاب المقدس؟ وأن كان ذلك كذلك فمن هو أول من ذكر عنه ممارسة الكهنوت؟ وهل تعددت العائلات أو الأشخاص الذين مارسوا الكهنوت عبر التاريخ؟ وما هى صفات الكاهن؟ وملابسه؟ وهذا ما سوف نوضحه من خلال سلسلة من المقالات.   

تعريف الكهنوت
الكَهَنُوتِ هو أَحَدُ أَسْرَارِ الكَنِيسَةِ السَّبْعَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَبِهِ يَتَوَلَّى الكَاهِنُ تِلاَوَةَ القُدَّاسِ لِتَقْدِيسِ جَسَدِ الْمَسِيحِ وَدَمِهِ وَالحِلِّ مِنَ الْخَطَايَا.كما أن الكهنوت في قاموس المعانى هو وظيفة ورتبة ويوجد عند رِجَالُ الدِّينِ عفي اليَهُوديةِ وَالمسيحية. والكاهن هو خادم وأمر الرب بتقديم الذبيحة عن طريقه، وكلمة الكاهن مشتقه من الكلمة العبرية "كوهين" أي المنبئ بأمر الرب، والكاهن له منزله النبي وله امتيازات أكثر من الأنبياء. إذ أن الكاهن مؤتمن علي الشريعة ومسموح له بتقديم الذبائح إلى الله للتكفير وحمل خطايا الشعب كما ورد في سفر اللاويين وفي تعاليم الرسل في العهد الجديد. فالكاهن هنا يقوم بتتميم الأسرار المقدسة وكل الصلوات الليتورجية. وهو كأب روحى عليه أن يهتم برعاية شعبه، المحتاج منهم والمريض، ويهتم بإفتقادهم. وهو مسئول عن التعليم فى كنيسته وعن سلامة التعليم داخل كنيسته.

الفرق بين الكهنوت العام والكهنوت الخاص
    وهنا نطرح هذا السؤال ما هو المعنى الروحي لكلمة كهنوت؟ أو ما هو الفرق ما بين الكهنوت العام والكهنوت الخاص؟ الكهنوت الروحي أو العام، يقدم فيه المؤمن ذبائح روحية، وبخورًا روحيًا، دون أن يكون كاهنًا بالمعنى الحرفي؟ ويمكن أن ينطبق هذا على جميع المؤمنين. حيث ذكر المرنم  في المزمور رقم(141) قائلاً: " فلتستقم صلاتي كالبخور قدامك. وليكن رفع يدي ذبيحة مسائية". وهنا ذكر القديس بولس الرسول في رسالته إلى أهل رومية قائلاً: "أطلب إليكم أيها الأخوة برأفة الله، أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة،مرضية عند الله عبادتكم العقلية" (رو 12: 1). هذه هي الذبيحة التي يمكن أن يقدمها كل مؤمن، وبها يعتبر كاهنًا بالمعنى الروحي: "صلب الجسد مع الأهواء" (غل 5: 24)، أو باقي أعمال الإماتات المتنوعة للجسد، كقول الرسول بولس في موضع أخر "نسلم دائما للموت"، "الموت يعمل فينا"، "حاملين في الجسد كل حين إماتة الرب يسوع" (2كو 4: 10-12).كل هذه الذبائح الروحية، داخلة في أعمال العبادة والصلاة.ومن أمثلتها أيضًا ذبيحة التسبيح "فلنقدم به كل حين لله ذبيحة التسبيح.. أي ثمر شفاه معترفة اسمه" (عب 13: 15)، أو ما ورد في (مزمور 116) " لك أذبح ذبيحة الحمد (أو الشكر)، وكقول الرسول أيضًا "لا تنسوا فعل الخير والتوزيع، لأنه بذبائح مثل هذه يسر الله"(عب 13: 16)، ومثلها أيضًا (فى 4: 18).إن تقديم مثل هذه الذبائح، هو المقصود بالكهنوت العام لجميع المؤمنين.

   أما الكهنوت الخاص أو الخدمي فهو الذي خص به الله أناسا معينين لخدمته.فالكهنوت العام والخاص موجودان معًا، ففي العهدين القديم والجديد أيضًا. داود النبي كان صلاته ترتفع كالبخور قدام الله، وكان رفع يديه ذبيحة مسائية.ولكن هل كان يجرؤ داود وهو مسيح الرب، ونبي، أن يقدم ذبيحة كما يفعل أصغر كاهن من بنى هارون؟! حاشًا..كذلك في العهد الجديد: كل إنسان يستطيع أن يقدم ذبيحة الحمد، وذبيحة التسبيح، وذبيحة العطاء والتوزيع، ويقدم جسده ذبيحة حية، ويرفع يديه كذبيحة مسائية.. ولكن هل يجرؤ أحد أن يقدم الذبيحة التي هي جسد الرب ودمه في سر الإفخارستيا، والتي بها يدعى الكاهن كاهنًا في العهد الجديد؟ مستحيل..هوذا القديس بولس الرسول يقول عن كهنوت العهد الجديد "لا يأخذ أحد هذه الكرامة من نفسه، بل المدعو من الله، كما هرون أيضًا" (عب 5: 4).إن كان المدعو من الله هو الكاهن، إذن الكهنوت ليس للكل، ولا يدعيه كل أحد.