مريم عادل تكتب.. كتاب الموتى
كتاب الموتى هو مجموعة من الوثائق الدينية والنصوص الجنائزية التي كانت تستخدم في مصر القديمة، لتكون دليلاً للميت في رحلته للعالم الآخر، اُستخدمت من بداية العصر الحديث للدولة المصرية القديمة (حوالي 1550 قبل الميلاد) إلى حوالي 50 قبل الميلاد. مصطلح "الكتاب" هو المصطلح الأقرب لوصف هذه المجموعة الواسعة من النصوص التي تتكون من عدد من التعاويذ السحرية تهدف إلى مساعدة رحلة شخص ميت إلى الآخرة. تم تأليف هذه التعاويذ من قبل العديد من الكهنة خلال فترة حوالي 1000 سنة.

وهو يعتبر أقدم كتاب انتهى الينا علمه، دون في عصر بناء الهرم الأكبر، ولا تزال نسخة منه محفوظة في المتحف البريطاني. فيه دعوات للآلهة وأناشيد وصلوات، ثم وصف لما تلاقيه أرواح الموتى في العالم الآخر من الحساب وما يلحقها من عقاب وثواب. فقد شيدوا المعابد الضخمة إلى جانب المقابر التي لا تقل روعة وفخامة، حيث اعتقدوا بالبعث وبعودة الروح التي كانوا يسمونها في صورتين متقاربتين كا أو با.. كما حرصوا على وضع كل الاشياء الخاصة بالمتوفى من طعام وحلي وكل ما كان يحبه في حياته معه في مقبرته حيث يمكن لروح الميت أن تاكل وتشرب منها عند عودتها إلى الجسم، وقبل سعيها إلى الحياة الأخرى.

هذه التعاويذ والتمائم السحرية - فيما كان يسمى نصوص الأهرام في عصر الدولة القديمة - كانت تنقش على جدران المقابر العادية والاهرامات أو على التابوت الحجري أو الخشبي توضع إلى جانب المومياء لتكون دليلا للميت في رحلته للعالم الاخر. حيث كانت هذه التعاويذ بمثابة تعليمات إرشادية تمكن المتوفى من تخطي العقبات والمخاطر التي ستصادفه في أثناء رحلته إلى الحياة الأخرى، وتدله أيضا على الوسائل التي يستخدمها ليتمم هذه الرحلة بنجاح من دون أن يتعرض لأي سوء.

في نفس الوقت تذكره بأسماء الآلهة التي سوف يصادفهم في طريقه هذا، إذ أن نسيان اسم أحد الآلهة لا يكون في صالحه، وخصوصا وأنه من ضمن تلقيه حسابه في الآخرة سوف يقف أمام محكمة مكونة من 40 إلاها .

في عصر الدولة الوسطى والدولة الحديثة، بدأ كتابة نصوص كتاب الموتى على ورق البردي ووضع هذا الكتاب بجوار المومياء داخل التابوت. وكان كل مصري قديم ذو شأن حريصا على تكليف الكهنة بتجهيز كتاب للموتى له، يذكر فيه اسمه واسم أبوه واسم أمه ووظيفته في الدنيا. وذلك استعدادا ليوم وفاته وتجهيز طقوس نقله إلى مقبرته.

من الأجزاء الأساسية في كتاب الموتى دعاء يدافع به الميت عن نفسه (ويسمى الاعتراف بالنفي) :
"السلام عليك أيها الإله الأعظم إله الحق. لقد جئتك ياإلهي خاضعا لأشهد جلالك، جئتك ياإلهي متحليا بالحق، متخليا عن الباطل، فلم أظلم أحدا ولم أسلك سبيل الضالين، لم أحنث في يمين ولم تضلني الشهوة فتمتد عيني لزوجة أحد من رحمي ولم تمتد يدي لمال غيري، لم أكن كذبا ولم أكن لك عصيا، ولم أسع في الإيقاع بعبد عند سيده. إني (ياإلهي) لم أجع ولم أبك أحدا، وماقتلت وماغدرت، بل وماكنت محرضا على قتل، إني لم أسرق من المعابد خبزها ولم أرتكب الفحشاء ولم أدنس شيئا مقدسا، ولم أغتصب مالا حراما ولم أنتهك حرمة الأموات، إني لم أبع قمحا بثمن فاحش ولم أغش الكيل. أنا طاهر، أنا طاهر، أنا طاهر. وما دمت بريئا من الأثم، فاجعلني ياإلهي من الفائزين.

" (لم احرم الماشيه من عشبها , لم اصنع الفخاخ لعصافير الاله ,لم اصطاد السمك من بحيراتهم,لم امنع المياه في موسمها , لم اقم سدا او عائقا امام الماء الجاري , لم اطفي نار متاججه (مشتعله ) "

يبين لنا كتاب الموتى لدي قدماء المصريين العقائد الدينية التي كانت تشغلهم طوال حياتهم. فلم يكن الموت لديهم جزءا لا ينفصل عن الحياة فقط وإنما كان للناس عند ذلك الوقت مفهوما آخر عن الموت والحياة الأخرى عما نعتقده اليوم. وكتاب الموتى كان بما فيه من تعاويذ وتوجيهات للميت، تساعده على البعث والانتقال إلى الآخرة حيث يعيش فيها مثلما كان يعيش على الأرض ولكن بدون أمراض ولا إعياء ولا كبر في السن، بل أيضا يكون في الآخرة رفيقا للآلهة يأكل ويشرب معهم في بعض المناسبات.

وهدف الميت أو الموت كان الوصول إلى الحياة الأبدية في العالم الآخر، ولم يكن ذلك منطقيا لدى بعض الناس والشعوب في تلك العصور. وتصور المعيشة في الآخرة هو أن الميت الذي فعل صالحا في حياته وكان أمينا وصادقا يساعد الفقير والجوعان والعطشان، ويساعد الأرامل واليتامى، كان مثل هذا الإنسان يعيش طبقا لما أرادته له الآلهة من " حياة سوية، ونظام عدل "، رمز لهذا النظام المصري القديم ب ماعت آلهة الحق والنظام الكوني.

وكتاب الموتي يحتوي على عدة فصول، تصف وتشير إلى الآتي :
وقاية الميت من الشياطين والأرواح الشريرة والثعابين وغيرها

تعرف الميت عند البعث الطريق إلى الآخرة

تساعده على عبور بحر النار، والصعاب التي تهدده

تسمح له بالتردد بين العالم الأرضي والعالم الآخر

تساعده على الحياة في الآخرة

تساعده على الحصول على الماء والغذاء وتلقي الهبات والأضحية، وعطائها في العالم الآخر

تساعده على معرفة الأماكن في الآخرة، وتذكر أسماء الآلهة والأسماء الهامة (مثل اسم باب الآخرة)، * وتساعده على معرفة الأبواب وأسمائها وتعاويذ فتحها والمرور منها والوصول إلى الآلهة وتعريف نفسه إليهم.

ورغم وجود بعض الاختلافات بين معتقداتنا في الحاضر عن الحياة الآخرة فتوجد بين معتقداتنا ومعتقدات المصري القديم تماثلات. فكانوا قدماء المصريين يعتقدون في البعث والمثول أمام هيئة قضائية مشكلة من 42 قاضيا ويعترف أمامها الميت أمامهم بأنه لم يسرق، ولم يغتال أحد، ولم يكذب، ولم، ولم، وكل ما لم يكن يفعله من سيئات في حياته في الدنيا.

…لم أتسبب في أذية أنسان ,ولم ارغم أحدا من أقاربي على فعل السيئ.ولم أناصر العمل السيئ على العمل الطيب ,ولم أمشي مع المعتدي.

من كتاب الموتي

اما عن  طقوس الدفن في مصر القديمة

ف ههذه رحله الجسد المتوفي الي الخلود

وجه المصريون القدماء عناية خاصة بموتاهم فاقت غيرهم من شعوب العالم القديم، واستندت هذه العناية والاهتمام على اعتقادهم في وجود حياة أخرى أبدية، يجب الاستعداد لها. فبعد موت أي شخص كان يحمله الأهل والأقربون إلى المحنطين، وذلك لسرعة حفظ وتحنيط الجسد بما يضمن له إمكانية عودة الروح لجسده مرة ثانية. وكان التحنيط يتم وفقاً لإحدى طرق ثلاث تتوافق مع إمكانية المتوفى ومكانته.

الغسل والتطهيرعدل
تعتبر عملية غسل وتطهير جسد المتوفى قبل دفنه خطوة على درجة كبيرة من الأهمية في سبيل الإعداد لرحلة الخلود والإقامة في العالم الآخر برفقة المعبودات. ولذلك كان الاهتمام بإعداد وتجهيز المدفن أو المقبرة وتزويدها بالأثاث الجنزى وكل ما يلزم المتوفى خلال هذه الرحلة يعد من أهم الشئون التي اعتنى بها المصري القديم في حالة الملوك أو كبار رجال الدولة. فقد كان البلاط الملكى وكبار كهنة الدولة يقومون بعملية غسل جثمان الملك، وتحنيطه، ثم لفه بما يناسبه من تمائم وأكفان لكل منها رمزية أو معنى معين. والأمر نفسه كان لدى كبار رجال الدولة والأفراد، كلاً في محيط قدراته وإمكانته.

وكان يسبق عملية الدفن ويلحق بها العديد من المراحل، ويتخللها الكثير من الطقوس والمراسيم الجنائزية، والتي كانت تهدف في مجملها إلى كل ما يخدم المتوفى -ملكاً كان أم فرداً- في صعيد رحلته الأخروية الخالدة. وكان في رأى المصري أن هناك ضرورة قصوى في أداء هذه المراسم والطقوس لكى تتحقق بذلك آمال المتوفى في النعيم والفوز بهذه الحياة الأبدية. وتعد عملية التحنيط وطقسة فتح الفم -بمراحل كل منهما- بمثابة باكورة هذه الطقوس ومن أهم مراحلها. ويلى ذلك طقوس وشعائر الجنازة منذ خروجها من البيت وحتى وصولها إلى الجبانة، حيث يتم دفن المتوفى داخل المقبرة المخصصة له. ويلى عملية الدفن طقوس ومراسم أخرى تؤدى بمعرفة الكهنة الجنائزيين وأهل المتوفى، وذلك كضمانة لمصير المتوفى في النعيم الأبدى، وضمان وصول القرابين له بشكل منتظم، بما يكفل له الحياة المنعمة في العالم الآخر.

التحنيط
في إطار إيمان المصري القديم بحياة ما بعد الموت حياة أبدية لا موت بعدها، سعى المصري القديم إلى اتخاذ كل الوسائل اللازمة للحفاظ على جسده سالمًا لا يمس. ومنذ عصور ما قبل التاريخ والمصري حريص على أن يدفن موتاه في وضع القرفصاء، وهو نفس وضع الجنين في بطن أمه، معتقدًا أنه كما بدأ حياته جنينًا كان لابد أن يدفن على نفس الوضع ليبعث من جديد في العالم الآخر. ولهذا أخذ يهتم بالمقبرة التي بدأت على شكل حفرة أخذ يطورها على امتداد سنوات طويلة، ثم تطورت إلى مصطبة، فمصطبة مدرجة، فهرم، وأخيرًا إلى مقبرة محفورة في الصخر.  والتحنيط يمثل علامة بارزة من علامات الحضارة المصرية القديمة، ويعبر عن خبرة متميزة في علوم الطب والتشريح والكيمياء وغيرها. وكلمة "تحنيط" تشير إلى معالجة الجسد بمواد عطرية وغير عطرية، بما يؤدي إلى الحفاظ عليه في حالة جيدة. وربما كانت البداية الأولى لعلاج الجسد هي تلك التي تعرف بـ "التصبير . أما التحنيط الذي يمثل العلاج الشامل للجسد فقد عرف في

 ولهذا أصبح الجسد المعالج يعرف بـ  مومياء، والتي حُرفت في العربية إلى "مومياء"، وكان الاعتقاد السائد حول سبب تسمية الجسد المعالج بـ "مومياء" هو أنها مشتقة من الكلمة الفارسية "موميا 

 والتي تعني القار (البيتومين)، اعتقادًا ممن أطلقوا هذا المسمى بأن القار كان من بين المواد الرئيسية التي استخدمت في التحنيط عندما لاحظوا سواد لون بعض المومياوات، وإن اتضح بعد الفحص والتحليل أن القار لم يستخدم في تحنيط المومياوات المصرية.

اخر رحله لاجسد
الجنازة


ويصطحب المتوفى بعد ذلك في موكب يحضره الأهل والأقربون، وتتباين عظمة ومهابة هذا الموكب أيضاً وفق المكانة التي حظى بها الشخص المتوفى خلال حياته. ويعرف هذا الموكب بموكب الجنازة، وكان يصاحب المتوفى فيه أثاثه الجنزى، وكل الإمدادات اللازمة للمقبرة.  ويبدو من الصعب تحديد الفترة التي تفصل بين الانتهاء من عملية التحنيط، وقيام الجنازة؛ حيث كان ينبغى أن يقوم المتوفى برحلة لزيارة الأماكن المقدسة، لا سيما "أبيدوس" موضع دفن رأس المعبود "أوزير" في مصر العليا، وكذلك "بوزيرس" (أبو صير) في الدلتا، حيث دفن العمود الفقرى. وكان الهدف من تلك الرحلة هو الحصول على رعاية ودعم المعبود "أوزير" رب الموتى والعالم الآخر، وتحقيق المصير الأوزيرى للمتوفى، وبذلك يضمن الإحياء والبعث مرة ثانية.وعادة ما يتخلل هذه الرحلة المشاركة في أعياد "أوزير" التي تقام في "أبيدوس". وكان عادة ما يقوم الملك بهذه الرحلة في موكب مهيب، ويشارك كبار الأفراد في مثل هذه الرحلات، بينما قد يكتفى عامة الناس من الفقراء بالزيارة الرمزية