بقلم : عماد جاد
استغلت إثيوبيا انشغال مصر بأوضاعها الداخلية عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير ودخلت فى مفاوضات مع قوى عالمية وأخرى إقليمية عربية وغير عربية لتحصل على الدعم السياسى أولاً ثم التمويل المالى ثانياً، كى تبدأ عملية تدشين مجموعة سدود ضخمة على مجرى النيل، الأمر الذى يحرم مصر من جزء من حصتها التى تحصل عليها بموجب اتفاق إقليمى من ناحية، وتدخل مصر فى مرحلة شح مائى من ناحية ثانية، صحيح من حق إثيوبيا، كدولة منبع رئيسى لموارد نهر النيل المائية، أن تستغل النيل فى عملية التنمية وتوليد الكهرباء، لكن الصحيح أيضاً أن ذلك لا بد أن يتم بالتوافق وبشرط عدم الإضرار بدولة من دول المصب، النهج الذى اتبعناه من البداية تجاه القضية خاطئ تماماً، فمن ناحية ظهرت الوفود التى اسمت نفسها وفود الدبلوماسية الشعبية، ذهبت إلى إثيوبيا وغيرها من دول المنبع، التقطوا الصور الباسمة مع المسئولين، وعادوا ليبشرونا بأن وفد الدبلوماسية الشعبية حقق ما لم تحققه الحكومة والنظام، وأن الطرف الآخر استجاب لمطالب الوفد الشعبى بشأن الملاحظات الخاصة بسد النهضة، ثم جاءت سنة حكم المرشد والجماعة وتحدث مرسى عن العلاقة التاريخية مع إثيوبيا منذ هجرة المسلمين الأوائل إلى الحبشة واستقبال النجاشى لهم، وتوقف الرجل عند هذه الواقعة وهذا التاريخ، وعندما أراد أن يرسل رسالة مخالفة جاء ببعض من دراويشه وساسة انتهازيين وعقد جلسة بثها على الهواء مباشرة، تضمنت تهديدات صريحة لإثيوبيا، وهو ما استغلته أديس أبابا جيداً فى الترويج بأن مصر تفكر فى شن عدوان جوى على سد النهضة، الخطأ بل الخطيئة الأكبر كانت الرهان على السودان، فمن حين إلى آخر يجرى ذكر السودان باعتباره دولة مصب، مصلحته مع مصر وسوف يساند الموقف المصرى، لأن السودان بلد عربى شقيق، ثم اكتشفوا مؤخراً أن السودان متفق مع إثيوبيا منذ البداية، وأنه يقوم بعملية خداع لمصر حتى تعتمد على موقف السودان ثم يعلن الأخير موقفه المتضامن تماماً مع الموقف الإثيوبى والمؤيد له، بل إن وزير خارجية السودان خرج فى حديث مع قناة روسيا اليوم ليتهم مصر بأنها تستولى على جزء من حصة السودان المائية وأن السودان يطالب بالحصول على هذه الحصة وتعويض عما حصلت عليه مصر سابقاً من حصة السودان المائية، ويعد موقف السودان درساً لكل من يتحدث عن رابطة العروبة والأواصر التى تربط مصر بدول عربية، فموقف السودان وقطر مؤيد لإثيوبيا تماماً بل إن قطر دعت رئيس وزراء إثيوبيا ووقعت معه اتفاقية تعاون عسكرى، وعندما كانت علاقتنا مع السعودية ليست على ما يرام، ساهم رجال أعمال سعوديون فى تمويل سد النهضة الإثيوبى، وعندما ترشحت مشيرة خطاب لرئاسة اليونيسكو لم تحصل على أصوات دول عربية مثل اليمن والكويت والجزائر.
 
فى تقديرى أننا فى حاجة إلى سياسة جديدة تماماً تجاه مخطط حرمان مصر من حقوقها المالية وإدخالها فى مرحلة شح مائى، وتبدأ هذه السياسة بالاستعانة بالخبراء المصريين في القانون الدولى وتحديدا الموارد المائية، وبناء رؤية مصرية واضحة ومتماسكة، ووضع بدائل للحركة، بعيدا عن التعاطي بحسن النية، فهو غير موجود في عالم السياسة وعلاقات الدول التي تبنى على المصالح وفقط، لا الحب او الكره، الثقة والاتكالية، ترتيب الاوراق وعدم استبعاد اي بديل من البداية فى التعامل مع هذا الملف، فالقضية ليست حصة مائية بقدر ما هى قضية حقوق تاريخية باتت تمثل أمناً قومياً للبلاد، اتخاذ موقف واضح وصريح ومعلن من ألاعيب النظام السوداني ، ومصر تمتلك أوراقاً كثيرة فى هذا الملف، ليس هذا وقت الحديث عنها، أيضاً لا بد من التحرك السريع مع باقى دول المنبع مثل أوغندا والكونجو وغيرهما والبحث فى مصادر بديلة مهما كانت التكلفة، إذاً ينبغى أن يكون التعامل مع المصادر البديلة باعتبارها قضية أمن قومي، وتنمية مشتركة مع الدول الصديقة مثل الكونجو وأوغندا، وهنا يمكن تشكيل شركات جديدة لتمويل مشروع نهر الكونجو، إذا كان عملياً وقابلاً للتنفيذ، والاعتماد على رجال أعمال مصريين ومن دول صديقة وحليفة، باعتباره مشروعاً اقتصادياً عملاقاً يوفر موارد هائلة للجميع. ولابد من اتاحة الفرصة امام جهود الوساطة امريكيةكانت اوروبية، ووضع مصلحة مصر وامنها القومي فوق اي اعتبار،ومن ثم نكون على استعداد لبحث كافة البدائل ودفع ثمن مقبول للحفاظ على حصة مصر من موارد النيل بعيدا عن الجمود الفكري والشعارات الجوفاء التي عفا عليها الزمن، فعلاقات الدول تبنى على المصالح لا المشاعر.