كتب : مدحت بشاي
في بدايات العمل السينمائي في بدايات القرن الماضي ، وتحت عنوان " إلى وزارة الداخلية .. دعاية خطرة على مصر .. فيلم يجب أن يصادر " إنبرى كاتب مقال يقول " عرض في الأسبوع الماضي فيلم ادعى مخرجوه بكل الوسائل الشريفة وغيرها أنه مصري .. ولولا أنهم قالوا عنه أنه مصري .. لما شعرت أبدًا أنه مصري .. فلا الرجال مصريون .. إذ ملابسهم أقرب إلى ملابس الزواف .. والباهي .. وهم الجنود المرتزقة من المراكشيين الذين يعملون في الجيش الفرنسي .. من العرب المصريين الذين يعيشون في صحرائنا !
 
" فهل رأى أحد عربيًا ينتسب إلى مصر يلبس طربوشًا زره يصل إلى منتصف الظهر .. ويلبس حذاء جلديًا طويلاً .. وبنطلونًا .. وصديريًا مزركشًا .. وحليقًا كأنه فتاة عذراء !! وهل يعلم أحد من القراء أن هناك من المصريين من يعيش في خمول وكسل يدخن النارجيلة وتحيط به النساء يرقصن أمامه عاريات إلا قليلاً على نغمات القانون والدف والمزمار !
 
يذكر الناقد الكبير الراحل " أحمد الحضري " تعليقًا على الحدث " كل ما يشعرنا أن الفيلم مصري هو ظهور منظر أبو الهول والأهرام .. فقط وغير ذلك فهو لا يمت إلينا بأي صلة على الإطلاق !!
 
" أما إذا كان قصدهم أن ممثليه ومديريه ومخرجيه إلخ هم المصريون .. فهو غش وتضليل إذ ليس من المصريين من يمثل في الفيلم إلا إبراهيم ذوالفقار ( كذا مكتوب ) وله دور ثانوي محض ليس له أي تأثير لو حذف .. ! ومع ذلك فهم كتبوا اسمه في البروجرامات والإعلانات .. وقدموا صورته على صورة بدرو لاما الذي قام بالدور الأول في الرواية !! وبالرغم من أن مؤلف الرواية ومخرجها ادعى أن اسمه إبراهيم فهو لا يستطيع أن ينكر أنه غير مصري وأن اسمه ابراهام .. ! ويكفي أن الممثلة الأولى في الرواية أجنبية .. مع أن لدينا من الممثلات المصريات من أظهرن براعة كبيرة .. وبالرغم من أن هذه البطلة بالرغم عنها كانت كتمثال من الشمع يتحرك بصعوبة .
 
" وموضوع الرواية بسيط جدًا وعيوبها كثيرة .. ويكفي أنها ترمي المصريين الذين تمثلهم بكل نقيصة وحطة .. ! فهل لم يعش إبراهام لاما في مصر مدة كافية يفهمنا فيها .. لا يوجد في مصر عرب يضحون بأنفسهم في سبيل سرقة علبة سجاير .. أو حذاء ! ، وليس من مصلحة مصر أن يفهم الأجانب أن العرب يسطون على قوافل السياح كما ظهر في الرواية في هجوم الأعراب على قافلة هلدا ! ومن غير المشرف لنا أن يظهر البوليس المصري بمظهر الإهمال والكسل .. فيترك شفيق بطل الرواية ( بدرو لاما ) يهرب ثم يتقاعد البوليس عن متابعته .. حتى بعد جرحه بالرصاص .
 
ومن غير المألوف عندنا حتى من مائة عام أن ترقص محظية رئيس العائلة أمام الأجانب عارية ممسكة سيفًا ومغطية وجهها باليشمك ! فهل المصريات يعرين أجسامهن ويغطين وجوهن .. كما رقصت محظية الشيخ عبد القادر .. فصلاً كاملاً أمام ضيوفه ؟!
 
" ... أما بدرو فقد قام بالدور على أنه جري ونط وفط .. !! أما من الوجهة الأخرى فلم يستطع أن يعبر بوجهه ـ وهو أهم شيء في السينما ـ عن الانفعالات النفسانية بل كنا نفهمها من العنوان المكتوب ! أما إيفون فقد ظلموها حقًا إذ أنها بوجهها المكور لا تصلح أبدًا للسينما وهي لا تفهم إلا أن تضحك .. ويظهر أن المدير رأى أن شكلها البروفيل أجمل من شكلها الطبيعي فأكثر من تصويرها على الشكل الأول !! وهي ثقيلة الحركة .
 
" وأخيرًا .. هل تسمح لنا وزارة الداخلية أن نسألها رأيها في هذه الدعاية الخطيرة على مصر ... وهل ترى أن رواية كهذه لو سمح بخروجها من مصر مما تساعد على إقناع الأجانب أن مصر تستحق أن تأخذ مكانها بين الأمم الناهضة ! " ( بدون توقيع ، مجلة " روز اليوسف " 7 فبراير 1928 ص 19 ) .
حول أحداث أخرى من ملفات تاريخ السينما للمقال تتمة من أوراق وثقها كاتبنا الرائع أحمد الحصري المؤرخ السينمائي للمقال أجزاء أخرى من كتابه " تاريخ السينما في مصر " ..