أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس، استعداد بلاده لبدء عملية عسكرية في شمال سوريا، رغم التحذيرات الدولية من مخاطر هذه العملية التي يرى مراقبون أنها قد تعيد إنتاج سيطرة تنظيم داعش الإرهابي في سوريا مرة أخرى.

 
أردوغان الذي شغل منصب الرئيس التركي منذ عام 2014، كان قد قضى أكثر من 10 أعوام أخرى بمنصب رئيس الوزراء، -هو المنصب صاحب النفوذ الأقوى في تركيا قبل تعديل دستوري صوت عليه الشعب عام 2017 ليقضي بتحويل نظام الدولة من برلماني إلى رئاسي- دأب منذ توليه قيادة البلاد على الدخول في صراعات مختلفة محليا وعالميا، ورغم تدهور وضع الاقتصاد التركي إلا أنه ينوي الدخول في حرب جديدة بسوريا قد تعيد رسم خريطة الحرب في سوريا من جديد.
 
تركيا تفاوض الولايات المتحدة الأميركية منذ فترة لإقامة منطقة آمنة على الحدود السورية التركية، لكن الطرفان بقيا مختلفين على عمق هذه المنطقة وطريقة السيطرة عليها، إلا أن إعلان أميركي مفاجئ بانسحاب القوات الأميركية المتمركزة شمالي سوريا أعطى الضوء الأخضر لتحرك تركي وشيك في الداخل السوري، وحرك المياه الراكدة.
 
لماذا ترغب تركيا في دخول سوريا؟
بحسب تقرير نشرته رويترز، لتركيا هدفان من التوغل في الأراضي السورية، الأول هو إبعاد وحدات الشعب الكردية عن الحدود التركية حيث تعتبرها خطرا أمنيا عليها، والثاني هو إنشاء منطقة آمنة داخل سوريا يمكن فيها توطين مليوني لاجئ سوري تستضيفهم تركيا في الوقت الراهن.
 
أردوغان يرغب في التعمق داخل سوريا لمسافة 32 كيلو مترا لإقامة المنطقة الآمنة، ورغم التحذيرات التي تلقتها تركيا بشأن تلك العملية العسكرية إلا أن أردوغان تحدث مؤخرا عن احتمال وصول "المنطقة الآمنة" إلى مدينتي الرقة ودير الزور في العمق السوري من أجل السماح لمزيد من اللاجئين السوريين بالعودة إلى بلادهم.
 
تركيا لم تعلن بشكل رسمي عن نيتها في العملية العسكرية داخل سوريا، لكن المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد في سوريا تمتد لمسافة 480 كليو مترا من نهر الفرات غربا حتى الحدود العراقية شرقا، ويبدو أن خطط تركيا العسكرية حتى الآن تنصب حول قطاع حدودي بين مدينتي رأس العين وتل أبيض، وهي المناطق التي انسحبت منها القوات الأميركية بشكل رسمي حتى الآن، بحسب رويترز.
 
ومع الإعلان التركي الواضح أن هدفها الأساسي من العملية العسكرية هو مواجهة "المخاطر الأمنية" سيكون تركيز الجيش التركي على المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد بشكل أساسي، ورغم وقوع المنطقة شمالي سوريا تحت سيطرة الأكراد إلا أن غالبية السكان عرب.
 
موقف النظام السوري
يرى الرئيس السوري بشار الأسد تركيا قوة معادية وأكد أنها "ستدفع ثمنا باهظا بسبب دعمها للإرهابيين في سوريا"، ورغم عدم سيطرة النظام السوري بشكل مباشر على المنطقة شمالي سوريا، إلا أنه بالتأكيد وقوعها تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية التي أعلنت أنها لا تريد الانفصال ولكن ترغب في حكم ذاتي، هو خيار أفضل لبشار الأسد من وقوع المنطقة تحت السيطرة التركية.
 
دليل آخر على موقف النظام السوري هو رفض إيران (الحليف لبشار الأسد) رسميا العملية العسكرية التركية شمالي سوريا، وإبلاغ محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، لنظيره التركي مولود تشاوش، أن طهران "تعارض" خطط تركيا في سوريا.
 
إعادة الروح لجسد داعش من جديد
قوات سوريا الديمقراطية أعلنت بشكل رسمي أنها تحتجز أكثر من 6 آلاف مقاتل ينتمون لتنظيم داعش الإرهابي بالمنطقة التي يقودها الأكراد شمالي سوريا، ودخول القوات التركية تلك المنطقة قد يمنع استمرار سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على هؤلاء المقاتلين، ما قد يعيد الروح إلى جسد داعش من جديد.
 
الاقتصاد التركي ينهار
سجلت الليرة التركية تراجعا خلال التداولات اليوم الاثنين، وسط مراقبة المستثمرين للتطورات المرتبطة بالعملية العسكرية التي تقول تركيا إنها بصدد إطلاقها في شمال سورية، حيث فقدت الليرة التركية 1.1 من قيمتها ليصل سعر صرف الدولار إلى 5.75 ليرة.
 
وتواجه الليرة التركية أزمة شديدة منذ فترة حيث فقدت حوالي 30 بالمئة من قيمتها أمام الدولار العام الماضي نتيجة للمخاوف حيال التدخل السياسي في السياسة النقدية، وكذلك تدهور العلاقات بين واشنطن وأنقرة، ويلقي أردوغان اللوم على أوروبا في استهداف الليرة التركية ورفع معدلات التضخم.
 
وفي سبتمبر من العام الحالي أظهرت بيانات صادرة عن معهد الإحصاء التركي، أن عجز التجارة الخارجية لتركيا ارتفع 1.2 بالمئة على أساس سنوي في أغسطس إلى 2.5 مليار دولار، وأشار أحدث تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي إلى أن الحكومة التركية أمامها طريق طويل جدا لإعادة بناء الثقة في اقتصادها بعد العام العصيب الذي مرت به في 2018.
 
جبهة داخلية مفتوحة
يواجه الرئيس التركي أردوغان حربا داخلية قد تطيح بوجوده السياسي كاملا، حيث فقد الأصدقاء وتصاعد مؤشرات الخصوم بشكل إيجابي.
 
في يونيو الماضي فاز المعارض أكرم إمام أوغلو بانتخابات بلدية اسطنبول (أكبر المدن التركية من حيث عدد السكان) بانتخابات تم إعادتها بقرار من اللجنة العليا للانتخابات، ما مثل تدحيا كبيرا لأردوغان وحزبه الحاكم، ما اعتبره مراقبون انتكاسه لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا.
 
أما عن الأصدقاء، يسعى وزير الاقتصاد السابق علي باباجان المُستقيل من الحزب "الحاكم"، إلى تكوين حزب سياسي منافس لحزب أردوغان، بدعم من الرئيس التركي السابق عبدالله غول، في الوقت الذي أعلن فيه رئيس الوزراء التركي السابق، أحمد داوود أوغلو، استقالته من حزب العدالة والتنمية، مؤكداً اتجاهه إلى إنشاء حركة سياسية جديدة.
 
غاز البحر المتوسط
وسط الأزمات الخانقة التي تحيط بأردوغان، فهو يواجه مشكلة حقيقة في البحر المتوسط، حيث تعارض كل من قبرص واليونان والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ومصر وإسرائيل، أنشطة التنقيب التركية عن الطاقة في شرق المتوسط.
 
وتنقب تركيا بشكل غير قانوني عن الغاز في البحر المتوسط حيث تعتبر أنقرة أن الموارد الغازية لا بد أن تتوزع بشكل عادل بينها وبين قبرص.
 
وتزعم تركيا أن لديها الحق في التنقيب بالبحر المتوسط لسيطرتها على الجزء الشمالي لجزيرة قبرص، حيث إن جزيرة قبرص مقسمة منذ عام 1974 إلى شطرين: جنوبي مستقل، به أغلبية يونانية وعضو بالاتحاد الأوروبي منذ عام 2004، وشمالي تركي لا تعترف بسيادته إلا أنقرة.
 
مشكلات اللاجئين
ترغب تركيا بشكل جاد في التخلص من 3.5 مليون لاجئ سوري تستضيفهم على أراضيها، فارين من المعارك بين قوات المعارضة والنظام وقوات تنظيم داعش الإرهابي في الفترة ما بين 2011 وحتى الآن.
 
في يوليو من العام الحالي، نقلت وكالة الأناضول التركية عن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو أن بلاده "أعدت خطة تنفيذية تشمل ثلاثة ملفات: الهجرة غير القانونية، والهجرة النظامية، ووضع الحماية المؤقتة"، وذلك لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، في حين اتهمت منظمات حقوقية النظام التركي برفضه تسجيل آلاف اللاجئين لتسهيل عملية إعادتهم إلى سوريا، الأمر الذي يعرضهم لمزيد من التشريد ومصير غامض.
 
وبعد أيام من إعلان الوزير التركي أعلنت محافظة اسطنبول عن حزمة إجراءات من شأنها أن تحد من وجود اللاجئين بالمحافظة، حيث أعلنت عن إمهال السوريين، الذين لا يملكون هويات حماية مؤقتة صادرة عنها، شهراً للخروج من المحافظة.
 
الإجراءات التركية تأتي وسط تصاعد موجة استهداف ضد اللاجئين السوريين، واتهامات لهم بالتأثير على فرص تشغيل المواطنين الأتراك ما ساهم في ارتفاع نسبة البطالة في البلاد.
 
استكمالا لحالة الاستهداف التركي ضد اللاجئين السوريين، استيقظ سكان ولاية كوغالي التركية أكتوبر الماضي على خبر طفل وجد مشنوقا ومعلقا على باب مقبرة، وأعادت بعض الصحف التركية علمية انتحار الطفل البالغ من العمر 9 أعوام إلى تعرضه للعنصرية والإيذاء النفسي من معلمه التركي بعد مشاجرة وقعت بينه وبين أصدقائه بالمدرسة.
 
عمليات إرهابية تقتل الأتراك
 
تعرضت تركيا خلال العامين الماضيين إلى 30 هجوما إرهابيا أسفروا عن مقتل نحو 500 شخص، ورصدت بي بي سي في تقرير نشرته نهاية العام الماضي العمليات الإرهابية الكبرى في تركيا والتي أعلن حزب العمال الكردستاني عن مسؤوليته عن بعضها والبعض الآخر أعلن عن تنفيذه تنظيم داعش الإرهابي، كان أكبرها في اسطنبول أسفر عن مقتل 46 شخصا وإصابة المئات.