بقلم : د . مجدى شحاته
ستة وأربعون سنة مضت على نصر أكتوبر العظيم ، النصر الذى حققه الجيشين المصرى والسورى فى السادس من اكتوبر \ تشرين عام 1973 ، انتصارا عسكريا كان من أعظم الانتصارات العسكرية فى القرن الماضى .
 
جاء ليسطر صفحة جديدة خالدة فى تاريخ الامة العربية بأسرها ، ويرسم علامة فارقة فى تاريخ الشعب المصرى والشعب السورى ، بل فى تاريخ الامة العربية ومنطقة الشرق الاوسط بكاملها .
 
لم تكن حرب أكتوبر الذى خاضها الجيش المصرى والجيش السورى حربا تقليدية اقتصرت نتاجها على محيطها الجغرافى فحسب ، لكنها تجاوزت الحدود ليكون لها مؤثرات نفسية معنوية و سياسية واقتصادية فى مصر والدول المحيطة .     
 
كانت هناك ضرورة ملحة لحرب شاملة لتحرير الارض المغتصبة ، وتثبت للعالم أجمع زيف أسطورة الجيش الذى لا يقهر ، وفى نفس الوقت تحرك عيون العالم ناحية الصراع العربى الاسرائيلى .
 
ثلاث سنوات من الجمود بعد نكسة 5 يونيه 1967 ، لا حرب ولا سلم ، مجرد قرارات على الورق من الامم المتحدة لم تنفذ  ( قرار رقم 242 ، 338 ) ومبادرات شكلية كرتونية ( مبادرة يارنج ومبادرة روجرز ) .
 
بعدها أعلن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فى مؤتمر القمة العربية بالخرطوم  فى 29 أغسطس 1967 عن حرب لتحرير الارض ، حيث قال عبارته المشهودة " ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة " والتى كانت بداية التجهيز والاعداد والنطلاق نحو حرب اكتوبر . الابطال جاهزون ، وساعة الصفر حددها القادة المصريون ، وبدأت القوات جميعها تستعد لخوض أصعب عمليات للاقتحام والهجوم ، عبر قناة السويس واقتحام خط بارليف الحصين مرورا بصحراء سيناء المكشوفة .
 
كانت الرحلة من 5 يونيو 67 الى 6 أكتوبر 73 تمثل التحدى الاعظم والملحمة الكبرى للشعب المصرى المثابر ليكون سندا قويا لأعادة بناء القوات المسلحة ، كان لزاما على مصر توفير المناخ اللازم لخوض معركة المصير وتحرير الارض .
 
  لقد صرح الخبراء العسكريون بان حرب اكتوبر تعتبر الحرب الاكبر والاهم بعد الحرب العالمية الثانية ، حيث عملت على تغيير موازين القوى ، وغيرت من مفاهيم العديد من الاستراتيجيات الحربية التى أبهرت العالم حيث وصف المؤرخون فكرة عبور قناة السويس واقتحام خط بارليف بالاعجاز العسكرى ... فكانت عبقرية التخطيط وعنصر المفاجأة وعزيمة لاتلين وراء تحقيق المستحيل .
 
لقد شكلت قناة السويس أكبر وأصعب مانع مائى فى تاريخ الحروب الحديثة ، فالقناة تمتد بطول صحراء سيناء بعرض 200 مترا وجوانبها مكسوة بالحجارة مما يحول ويمنع عبور الدبابات البرمائية بالاضافة الى وجود شبكة من أنابيب النابالم التى أنشأتها اسرائيل بطول القناة والقادرة على تحويل سطح القناة الى آتون من النيران الحارقة .
 
وعلى امتداد القناة شيدت اسرائيل خط " بارليف " الحصين من الرمال والكتل الاسمنتية والقضبان الحديدية والدشم القوية وأبراج 
 
المراقبة والمدعم بكل انواع الاسلحة .
 
لقد كان عنصر المفاجأة والتوقيت عاملان أساسيان فى النصر ، عندما بدء الهجوم المصرى بطول الجبهة بضربة جوية اشترك فيها أكثر من 220 طائرة مقاتلة بعدها بخمس دقائق قامت قوات المدفعية بفتح سيل مكثف من النيران مستخدمة أكثر من 2000 مدفع بالاضافة الى لواء صواريخ أرض _ أرض لمدة 53 دقيقة فى عملية تمهيد نيرانى من أقوى عمليات التمهيد النيرانى فى التاريخ .
 
وتبدأ موجات عبور قوات المشاة  قناة السويس بالقوارب المطاطية والخشبية وبناء خمسة روؤس كبارى وخلال ظلام الليل اكتمل عبور 80 ألف مقاتل و 800 دبابة  ومئات  المدافع الميدانية ليتم اختراق خط " بارليف " خلال ست ساعات فقط من بداية المعركة .
 
وقد تجلت العبقرية العسكرية المصرية فى فتح الثغرات فى خط بارليف الحصين بأستخدام قوة الدفع المائى باستخدام طلمبات شديدة القوة والتى أبهرت العالم . 
 
لقد حقق نصر أكتوبر العظيم العديد من الانجازات والاهداف ، فى مقدمتها عقد اتفاق كامب دافيد بين مصر واسرائيل فى سبتمبر 1978 وذلك على اثر مبادرة " السادات "التاريخية فى نوفمبر 1977  وزيارة الرئيس السادات رجل الحرب والسلام  الى اسرائيل ، فكانت معاهدة السلام بين مصر واسرائيل ، التى أدت الى انسحاب اسرائيل من كافة الاراضى المصرية . 
 
عادت سيناء أرض الفيروز بعد أن غابت عن أحضان مصر خمسة عشر عاما ، لتشهد حاليا بعد ثورة 30 يونيو عمليات واسعة من التنمية والتعمير والبناء لم تشهدها من قبل .