لأن التشابك مع كل ما يجرى فى الشارع يحتاج لضوء أخضر لم تحصل عليه الصحافة بعد، سوف أواصل منهجى فى (الكتابة خارج الزمن)، أتوقف معكم قليلًا على شاطئ الماضى، الذى يعتقد البعض منا أنه بالضرورة مجهول، وهو قطعًا ليس كذلك، هناك من لديهم القدرة على البوح، بينما آخرون يناصبون الماضى العداء السافر.

لم تكن مثلًا سميرة أحمد تخجل وهى تروى أنها بدأت (كومبارس) صامتًا، وهو أيضا ما كان يذكره بفخر مثلا صلاح منصور.

قال لى كمال الشناوى إنه كان أستاذًا لمادة الرسم فى مدرسة ثانوية، وإن أحد أعضاء مجلس قيادة ضباط ثورة 23 يوليو 52- والذى احتل بعدها مركزا مرموقا، ولن أذكر اسم الوزارة الحساسة التى أسندت له- كان فى الأساس تلميذًا مشاغبًا، وعندما كان كمال يراه بعد الثورة يكتشف فى نظرة عينيه أنه لا يريد أن يذكر كمال ماضيه القريب، لأن الدولة ويا للعجب منحته وزارة منوط بها الضبط والربط.

ذكر لى أيضا (الشناوى) أنه تبادل على صفحات الجرائد الاتهامات مع أنور وجدى، وتقبل منه أنور كل أصناف الشتائم، ما عدا واحدة، عندما وصفه بـ(أبوكرش) و(أبو لُدغ).

قال له أنور وجدى بعد الصلح إنه عانى كثيرا فى مطلع حياته، وكان يقتسم قُرص (الطعمية) على رغيفين فى الغداء والعشاء، واعتبر أن قضيته الأولى عندما يكسب أموالًا أن يأكل حتى ينمو (كرشه) ويتدلى (لُدغه)، ولهذا لا يسمح لأحد بالتعرض له فى أعز ما يملك.

كان الشاعر أحمد فؤاد نجم لا يخجل أن يذكر أنه قد تربى حتى عمر 16 عاما فى ملجأ الأيتام، بل يشير أيضا إلى دخوله السجن، ليس فقط بسبب مواقفه السياسية المعارضة لنظام الحكم، ولكن هناك قضايا أخرى عوقب بسببها جنائيا بالسجن المشدد.

عبدالحليم حافظ مثلًا أسقط من مشوار حياته تمامًا سنوات الملجأ، ولهذا أجهض كل المحاولات الفنية للغناء من كلمات نجم، رغم حماس صديقهما المشترك الموسيقار كمال الطويل، خوفًا من أن يذكره نجم بالذى مضى.

أم كلثوم كانت تملك الشجاعة لكى تروى سنوات الطفولة التى عاشتها فى فقر، إلا أنها رفضت التطرق تمامًا لحياتها العاطفية، وعندما كان يوسف شاهين بصدد تقديم فيلم (ثومة) سيناريو سعد الدين وهبة رفضت البوح بأى لمحة عاطفية، ولهذا مثلًا تعمدت ألا تلتقى فنيا مع الموسيقار محمود الشريف، تجنبًا لأن يتذكر الناس قصة الحب التى جمعتهما عام 1946.

وحيد حامد ذكر لى أنه كان يعانى كثيرًا فى طفولته أثناء ذهابه للمدرسة، لأن والده لم يكن قادرًا على دفع قسط المدرسة ولا حتى شراء حذاء.

عبدالوهاب يصنف عند الناس باعتباره فنانًا أرستقراطيًا، إلا أنه لا يتنكر أبدا لنشأته بجوار سيدى الشعرانى فى حى (باب الشعرية) بالقاهرة القديمة، ولا يخجل من ذكر كم الضربات والصفعات التى كان يتلقاها من شقيقه الكبير حسن.

سناء جميل عندما كانت فى زيارة لإحسان عبدالقدوس على العشاء هى وزوجها الكاتب لويس جريس، لاحظت على المائدة مفرشًا مكتوبًا عليه (SJ) أول حرفين من اسمها، حيث إنها كانت فى بداية المشوار، ولتوفير نفقات الحياة تصنعها وتبيعها للمحال، وأخبرت إحسان فمنحها المفرش. نعم، فى السياسة وإلى حين (الدفاتر دفاترهم)، ولكن فى الحياة الفنية لاتزال (الدفاتر دفاترنا)!!.
نقلا عن المصري اليوم