ونحن نحتفل بذكرى انتصار أكتوبر المجيد بالعبور الذى أذهل العالم أجمع، حيث كبدت قواتنا المسلحة إسرائيل هزيمة ساحقة، دفنت معها أكذوبة الجيش الذى لا يقهر،  تقفز إلى الذهن مرات أخرى قام فيها الشعب مع جيشه العظيم بعبور كان العدو يظن أنه شبه مستحيل.. ففى مساء التاسع من يونيو عام 1967، تكالبت كل قوى الشر وأعداء مصر المعروفين بشن هجوم كاسح على الوطن، وانتظر هؤلاء استسلام المصريين جيشا وشعبا، كما أوضحوا بلا أدنى لبس فى إذاعاتهم، خاصة إذاعة صوت أمريكا وإذاعة تل أبيب.. ألقى جمال عبد الناصر خطاب التنحى عن القيادة موضحا للأعداء أنه ليس وحده ضد أعداء الأمة العربية، بل الشعب العربى بأسره،

من المحيط إلى الخليج، وقبل أن يفيق الأعداء من سكرة ما اعتبروه نصرا أكيدا وشربوا نخبه بجرعات أكبر على أثر تنحى الزعيم، أطاح بهم زلزال لم تتوقعه أبدا أجهزتهم التجسسية، عندما نزلت الملايين فى كافة شوارع مصر، بل شوارع الوطن العربى، وبأجسادهم هزموا الهزيمة، فلولا أهزمنا الهزيمة مساء التاسع من يونيو ما كانت حرب الاستنزاف ولا كان العبور المصرى، ليلتها احتارت أمريكا ومعها صنيعتها إسرائيل فى حل شفرته، خاضت مصر شعبا وجيشا حرب استنزاف وصفها العدو بأنها أطول وأشرس وأوجع حرب خاضتها إسرائيل مع العرب، ولن أنسى إلى آخر نفس فى حياتى يوم سمعنا ونحن نعمل فى باريس، زوجى الكاتب الراحل على الشوباشى وأنا، البيان الأول، كان على يعمل بوكالة الأنباء الفرنسية، ورن جرس التليفون فرفع السماعة وأنا أراقبه ليقول لى من المتحدث على الهاتف، لكننى ذهلت من تناوب اللونين الأحمر الدامى والأصفر الممتقع بشدة على وجهه، انتظرت على نار لأعرف القصة التى لم يصلن منها سوى صوته وهو يقول، افعلا؟بثم احاضرب، ووضع السماعة وقد امتلأت عيناه بالدموع ورد على بكلمة واحدة، كلمة هى اروع ما كنت أنتظره طوال ست سنوات، قال اعبرناب، ثم أردف أنه مطلوب فى العمل، رغم أنه كان فى يوم عطلة..

هرع على إلى الخارج وانفجرت أنا فى نوبة بكاء حاد، وتعجبت شقيقتى التى كانت فى زيارتنا وهى تسألنى: بتعيطى ليه مش ده اليوم اللى كنتى بتستنيه؟..كانت دموع فرح ودموع تتويج لهزيمة الهزيمة العسكرية التى توهموا أنها أغلقت صفحة النضال المصرى فى سبيل الاستقلال والكرامة وتحقيق حلم الوحدة العربية الذى ما تم زرع إسرائيل إلا لإجهاضه، وقد أفقد العبور فى السادس من أكتوبر العدو توازنه، وكنا نشاهد وزير الخارجية الأمريكى آنذاك هنرى كيسنجر، يقف إلى جوار رئيسة حكومة إسرائيل جولدا مائير، وعلامات الحزن بادية على ملامحهما، فى استقبال كميات مهولة من أحدث الأسلحة فى مطار بن جوريون، فتحققت مما قاله لى على يوما، بأن إسرائيل ما هى إلا حاملة طائرات أمريكية فى الشرق الأوسط، لم يتوقع أعداء مصر أن تتجلى العبقرية المصرية، فى شخص مواطن، هو الضابط المصرى، اللواء باقى زكى يوسف، الذى توصل إلى تفتيت خط برلييف المنيع!

الذى أكدوا أن إزالته تحتاج إلى قنبلة ذرية بخراطيم مياه، والأمر العظيم أن هذه الخطة لم تتسرب إلى إسرائيل. إن عبور قواتنا المسلحة وتجهيز الجسر الذى عبرت عليه بأسلحتها فى السادس من أكتوبر عام ٧٣ هو واحد من حالات العبور المصرية التصميم والتنفيذ، ولنتذكر كيف دفع الصمود المصرى بالعدوان الثلاثى عام ١٩٥٦ إلى سقوط إمبراطوريتين، بريطانيا وفرنسا، إلى دول فقط، بدون وصف الإمبراطورية!..وفى رأيى أن الثلاثين من يونيو كان عبورا ، ظنه الأعداء مستحيلا، ولكنه أيضا صناعة مصرية، سيكتب عنه التاريخ آلاف الصفحات، وأمامنا هول ما كان مخططا له، فى واحدة من تلك الصفحات، فى لقاء بوش وأردوغان ،ووهمهما بتمزيق الوطن العربى إلى دويلات عرقية وطائفية، تصورت واشنطن أن فيه اكبر ضمان لبقاء إسرائيل فى المنطقة، وتخيل الأردوغان التركى أنه سيعبث بنا باسم الدين وأدواته التى عينته خليفة.. ولنا فى كل عبور هزيمة الأعداء، وستبقى مصر أد الدنيا، كما قال قائدها المستهدف بهيستيريا لأنه أكد أن الإرادة المصرية لن تعلو عليها إرادة أخرى.

نقلا عن اليوم السابع