خالد منتصر
ما زال كتاب «مستقبل الثقافة فى مصر» للعميد طه حسين، والصادر سنة ١٩٣٨، قادراً على إثارة الدهشة وتحفيز الفكر واستفزاز العقل، كيف لكتاب صادر منذ أكثر من ثمانين عاماً أن يُقرأ وكأنه قد كُتب اليوم؟! بالطبع هى عبقرية طه حسين، ولكنه أيضاً كسلنا العقلى الذى جعلنا حتى هذه اللحظة لم ننتبه إلى كل ما قاله هذا العملاق، لم نستجب لصدمته الفكرية الكهربية التى كان فيها الشفاء من كل أعراض الشيزوفرينيا الثقافية التى نعيشها ونحاول علاجها بالمسكّنات. سأترك طه حسين يتحدث إليكم من خلال بعض الاقتباسات، لأفتح شهيتكم للنزول وشراء الكتاب الصغير الحجم العظيم القيمة، يقول طه:

• «العقل المصرى القديم ليس عقلاً شرقياً، إذا فُهم من الشرق الصين واليابان والهند وما يتصل بها من الأقطار، وقد نشأ هذا العقل المصرى فى مصر متأثراً بالظروف الطبيعية والإنسانية التى أحاطت بمصر، وعملت فى تكوينها، ثم نما وربا، وأثّر فى غير الشعب المصرى من الشعوب المجاورة وتأثر بها، وكان من أشد الشعوب تأثراً بهذا العقل المصرى أولاً وتأثيراً فيه بعد ذلك، العقل اليونانى، فإذا لم يكن بد من أن نلتمس أسرة للعقل المصرى نقره فيها، فهى أسرة الشعوب التى عاشت حول بحر الروم، وقد كان العقل المصرى أكبر العقول التى نشأت فى هذه الرقعة من الأرض سناً وأبلغها أثراً».

• «إن عصور الانحدار والتخلف انتهت فى مصر منذ أن تيقظت من سباتها بالحملة الفرنسية وحكم محمد على، وبدأت تأخذ من أوروبا علومها وأسلوبها فى الحكم، وصار كل شىء فى مصر غربياً، حتى المؤسسات الإسلامية فى مصر مثل المحاكم الشرعية، كانت على غرار النمط الأوروبى، حقيقة هناك فروق بين مصر وأوروبا حالياً، لكن هذا يأتى من أن عصر النهضة الأوروبية قد بدأ فى القرن الخامس عشر، أما عصر النهضة فى مصر فقد بدأ مع بداية القرن التاسع عشر، لكن مصر سوف تلحق بأوروبا فى وقت قصير إن شاء الله».

• «ليس الغرض من التعليم العام تزويد الفرد بما لا بد منه ليعيش فى أمة متحضرة، ولكنه يتجاوز هذا الغرض إلى شىء أرقى من ذلك وأسمى، فهو يرتقى فى الثقافة إلى حيث يبلغ المعرفة من حيث هى، وإلى حيث يقصد به إلى توسيع العقل وتغذيته بألوان مختلفة من العلم الإنسانى قد لا يحتاج إليها الفرد من عامة الناس، فليس من الضرورى أن يعرف أبناء الشعب جميعاً مقداراً متوسطاً من الطبيعة والرياضة والكيمياء وعلوم الحياة، وليس من الضرورى أن يعرف أبناء الشعب جميعاً مقداراً متوسطاً من تاريخ أوروبا وأمريكا، وليس من الضرورى أن يعرف أبناء الشعب جميعاً لغة أجنبية أو لغتين أجنبيتين، بل تستطيع كثرة الشعب أن تعيش عيشتها الهادئة اليومية بغير هذه الألوان من العلم، وإذن فطبيعة هذا التعليم العام مخالفة لطبيعة ذلك التعليم الأوّلى الإلزامى الذى يجب أن يشارك فيه المصريون جميعاً».

• «من حق الفقراء أن يتعلموا، ومن حقهم أن يطمحوا إلى أكثر مما يعطيهم التعليم الأوّلى، ومن حقهم أن يطمحوا إلى التعليم العام، وإلى التعليم العالى، ذلك حقهم من جهة، ومن جهة أخرى فيه مصلحة الأمة، وفيه تحقيق الديمقراطية من جهة ثالثة، فحرمان الفقراء لأنهم فقراء أن يتعلموا، وأن يرقوا، وأن يُصلحوا أحوالهم، وأن يطمحوا إلى الكمال، هو تقرير لنظام الطبقات، وإيمان بسلطان المال، وعبادة لهذا السلطان، وفناء فيه، وليس هذا كله من الديمقراطية الصحيحة فى شىء».

• «فليس من الحق، ولا من الخير فى شىء أن يكون الغرض الأول والأخير فى التعليم العالى هو البحث العلمى الخالص المبرأ من كل منفعة قريبة أو بعيدة، ليس هذا حقاً ولا خيراً، لأن الأمم لا بد أن تحيا حياتها، وليست حياة الأمم والأفراد عقلاً خالصاً، ولا معرفة خالصة، إنما حياة الأمم والأفراد علم يُنتج العمل، معرفة تمكّن من الضرب فى الأرض والسيطرة على عناصر الطبيعة، والتغلب على ما يعترضنا من العقبات».

اقرأوا طه حسين تصحوا.
نقلا عن الوطن